تنظم الكنائس القبطية حاليًا نهضات روحية واحتفالات دينية بمناسبة “صوم الرسل”، الذي ينتهي في الحادي عشر من يوليو/ تموز المقبل. إذ يعتبر صوم الرسل تقليد مستقر في الكنيسة القبطية، يرمز إلى بداية التبشير بإنجيل المسيح في عصر الرسل الأوائل. وينتهي بعيد استشهاد القديسين بطرس وبولس.
لماذا أثار صوم الرسل الجدل في الفترة الأخيرة؟
على الرغم من المكانة التاريخية التي يتمتع بها صوم الرسل في الكنيسة. إلا إن لجنة الإيمان والتعليم بالمجمع المقدس، تلقت مقترحًا يهدف إلى تحديد أيام صوم الرسل سنويًا. حيث يعتبر الصوم الوحيد غير محدد المدة في التقويم القبطي في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وتتراوح مدته ما بين 15يوما و49 يوما. وهو “صوم من الدرجة الثانية”، حيث يسمح للصائمين بتناول الأسماك فيه، بينما يلقبه عوام الأقباط في القرى والريف بـ “صوم البطيخ”. لأن بدايته مرتبطة بموسم البطيخ سنويًا.
كيف تغيرت مدة صوم الرسل بمرور الوقت؟
ماركو الأمين، الباحث المتخصص في التاريخ الكنسي، يؤكد إن كتاب “المراسيم الرسولية” هو أقدم إشارة تاريخية لهذا الصوم. الذي كان يصام -عادة- أسبوع، بعد مرور أسبوع على “عيد العنصرة”. لكن أول تحديد للوضع الحالي المطاط جاء في النصف الثاني من القرن الحادي عشر، وتحديدًا في قوانين خريستوذولوس.
يوضح الأمين: لكن مدة صوم الرسل لم تكن تمارس بوضعها الحالي في الكنيسة القبطية حتي القرن الثالث عشر. إلى أن أقرها بن العسال، ومن بعده بن كبر في مجموعهم، والتزمت بها الكنيسة منذ وقتها. حسب كتاب للأب اثناسيوس المقاري، لكن حاول البطريرك غبريال الثامن أن يحدد صوم الرسل بأربعة عشر يومًا. ولكن تلك المحاولة انتهت بوفاته، ورجع الصوم حسب تحديد اخريستوذولوس.
يلفت الأمين النظر إلى أن صوم الرسل معروف عند الروم والسريان والكلدان. لكنه ليس مثل الكنيسة القبطية. فعند السريان تم تخفيضه مدته من إثنى عشر يومًا لثلاثة أيام، وعند الكلدان يوم واحد، بينما عند الروم قد بلغ أقصى مدة، له وهي ٢٩ يومًا. ولكنه لا يتكرر كل عام.
صوم الرسل وآباء الكنيسة
القس كيرلس كيرلس، صاحب كتاب “أصوامنا بين الماضي والحاضر” يعتبر صوم الرسل هو أول صوم صامته الكنيسة بعد صعود المسيح مباشرة. مستشهدا بالآية “متي رفع العريس يصومون في ذلك اليوم”. فأقاموا يصلون ويصومون عشرة أيام مباشرة.
مضيفًا: هو قبل عيد العنصرة، فهو صوم خاص بالخدمة والكنيسة. وحددته الدسقولية -أي قوانين الآباء الرسل- بأسبوع واحد “ومن بعد أن تكملوا عيد الخمسين عيدوا أيضا أسبوعا آخر ومن بعد ذلك صوموا أسبوعا آخر”. ويسمى هذا الأسبوع بـ “أسبوع العنصرة”.
صوم لم تعرفه الكنيسة القبطية قبل ألف عام
ومن ناحية أخرى، فإن القس كيرلس كيرلس يلفت النظر إلى إن هذا الصوم “لم يكن معروفًا في الكنيسة القبطية قبل ألف عام”. حتى إن العلامة أوريجانوس لم يشر إليه، ولا القديس اثناسيوس الرسولي. كذلك، فإن تقليد رسولي آخر يسبق أوريجانوس، يؤكد على أن أيام الصوم هي الأربعاء والجمعة فقط.
بينما يشير ماركو الأمين إلى إن هـذا الصوم “لم يكن مفروضًا على جموع الأقباط، بل كان مخصصًا للكهنة وزوجاتهم، والخدام فقط”.
الأمين يؤكد أن هذا الصوم “لا يتمتع بقبول شعبي واسع”، فغالبية الناس تعزف عن هذا الصوم. لافتًا إلى أن الاقتراح المقدم للمجمع المقدس كان يستهدف صوم 12 يوم. كل يوم منهم تنظم فيه نهضات روحية باسم أحد الآباء، حتى نصل لعيد القديسين بطرس وبولس في نهاية الاحتفالات.
تحديد أيام صوم الرسل .. إصلاح عطب طقسي
وصف الأمين تلك المحاولة التي يدرسها المجمع المقدس من أجل تحديد مدة الصوم ، بـ “إصلاح عطب في الليتورجية الكنسية”. أو عطب طقسي، فهذا الصوم ليس له قراءات معينة مثل بقية الأصوام الكنسية. بالإضافة إلى التخفيف على الأقباط الخارجين من صوم القيامة الطويل “فلا ينبغي إرهاقهم بصوم جديد في فترة قصيرة متعاقبة”.
كيف ظهر صوم الرسل في المراجع الكنسية القديمة؟
على الرغم من هذا الخلاف حول صوم الرسل، إلا إنه قد ذكر في قوانين كنسية بعينها. فأشار له البابا كيرلس الثاني البطريرك (67) (1078-1092) في قانون رقم 14 قائلًا: يجب علي جماعة النصارى أن يصوموا الأربعين يوما نقيا وصوم الحواريين الرسل.
كما وضع المجمع المقدس في أيام البابا كيرلس الثالث (1239) قانون 36، الذي ينص على يحفظ صوم الأسبوع الذي بعد الخمسين.
ووفقا للقس كيرلس كيرلس، ذكر ابن كبر في القرن الرابع عشر هذا الصوم. قائلا: صوم التلاميذ المسمى العنصرة، بعد أحد العنصرة. وقد حدده بثمانية أيام، بينما أصدر البابا غبريال الثامن في أوائل القرن السابع عشر (1602) تعديلا للأصوام في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. حيث يكون صوم الرسل من عيد العذراء (21 بؤونة) وفصحه (عيده) 5 أبيب، ولمدة أسبوعين فقط.