ماذا فعلت المرأة؟

كالمعتاد.. لم تفعل المرأة، بل كانت مفعولا بها وأكثر. فقد قُتلت ذبحا، ورميا بالرصاص، ورميا بألسنة الناس أكثر من مرة في الأسبوع المنقض. بدأ الأسبوع بشكل هاديء مع إعلان نتائج الشهادة الإعدادية، والتصريح الصادم للطالبة الأولى على الجمهورية.

استمر الهدوء يومان، ثم حدثت ثلاثة جرائم قتل دفعة واحدة. اثنتان في مصر في يوم واحد، والثالثة في الأردن. واكبها -بالطبع- تعليقا فجع النساء من الشيخ مبروك عطية. وإطلاق وسوم حملات نسوية للمطالبة بالقصاص، وضمان حماية الفتيات والنساء بقانون أشد صرامة.

18 يونيو/ حزيران

في آخر يومين من نهاية الأسبوع الماضي، توالت المحافظات في إعلان نتائج الشهادة الإعدادية، وكذلك أسماء الأوائل على مستوى المحافظات. “علا لطفي” حصلت على المركز الأول على مستوى محافظة البحيرة. وقالت -في لقاء صحفي- أنها ستلتحق بمدرسة التمريض، لأن الثانوية العامة تعتبر عبئا ماديا على أسرتها، وأبوها العامل البسيط.

التمريض مجال كبير غير متشبع، وينتظر خريجين كثيرين، وربما حان الوقت لنفكر بعقلانية مثلما فكرت “علا”. فالأنسب لها أن تتخرج من مدرسة التمريض، ثم المعهد وتنطلق في سوق العمل بثقة. حتى لو كانت الظروف المادية هي الدافع، لكن التفكير في التبرع والتكفل بتعليمها، سيكون فعلا ضد اختيارها الذي حددته بناء على ظروفها.

اختيار علا ليس سيئا على الإطلاق، مقارنة بما سنشاهده من لطميات حين ينطلق ماراثون مكتب التنسيق. فربما التوجه للشهادات المهنية هو جزء من حل مشكلة سوق العمل، ومحاولة لتغيير طريقة التفكير فيما يخص “القمة” و”القاع”. وترتيب الشكل الاجتماعي حسب درجة تعليمك.

بعد شهر تقريبا، سيتم إعلان نتائج شهادة الثانوية العامة. وسنسمع بكائيات الآباء والأبناء، الذين لم يلتحقوا بكليات القمة، أو كليات متوسطة. والتي تطلق عليها هذه المسميات منذ التسعينات -ولا تزال- رغم تغير سوق العمل، وزيادة أعداد الخريجين من أكبر كليتي قمة: الطب والهندسة.

وعلى الرغم من بحث الأطباء عن عمل بالخارج، وبطالة خريجي كلية الهندسة بسبب تشبع سوق العمل. إلا أن أولياء الأمور، والكثير من الطلبة، يتدافعون نحو هذه الكليات بلا تفكير. لمجرد -على الأقل- حمل لقب “دكتور” أو “مهندس”، مما يمنحه مظهرًا اجتماعيا، ووقعا جيدا بين أقرانه.

20 يونيو/حزيران

أمام بوابة “توشكي” بجامعة المنصورة، ذبح شاب زميلته وأزهق روحها فورا. كان الجاني قد تتبع الضحية في المواصلات حتى الجامعة، ثم قام بطعنها مرة في جنبها، ثم ذبحها أمام المارة والطلاب.

مع تواتر الأخبار، نعرف أن الجاني تقدم لخطبة الفتاة ورفضته. حاول أكثر من مرة الارتباط بها، ولكنها كانت تصده دائم. وحررت أسرتها محاضر ضده لعدم التعرض للفتاة “نيرة أشرف”. ولكنه ظل يطاردها، ويرسل لها رسائل تهديد. آخرها، رسالة قبل قتلها بيوم، يقول إنه سيقتلها لو لم توافق على الزواج به.

تم القبض على الجاني، بينما أصدرت الجامعة بيانا تبرئ نفسها من المسئولية. حيث أن “الجريمة وقعت خارج أسوارها”. ولم تتقدم بتعازيها لأسرة الضحية.

في نفس اليوم، وفي قرية القرنة بمحافظة الأقصر. قُتلت فتاة اسمها “مروة” على يد شقيقها. حيث تلقت مديرية أمن الأقصر، إخطارًا من مستشفى حورس التخصصي بمدينة أرمنت، بوصول «مروة. ت» بالعقد الثاني من العمر. مصابة بعدة طعنات متفرقة بالجسد، تركزت الطعنات في الرقبة والبطن والصدر.

الفتاة كان يرافقها أهلها، ولفظت أنفاسها الأخيرة أثناء محاولة إسعافها. بسؤال أفراد أسرتها، أفادوا بأن سبب الحادث إصابة الفتاة في المطبخ عند طهيها الطعام، إذ سقطت على «سكين» أحدث إصابتها. اختلاف الرواية، مع واقع الإصابة، دفع أطباء المستشفى للاشتباه جنائيا في الحادث. فأبلغوا مديرية الأمن التي تولت التحقيق، لتصل إلى أن شقيقها الأكبر هو الذي طعنها بسبب خلافات أسرية. سبع طعنات متفرقة في البطن، والصدر، والرقبة.

21 يونيو/حزيران

ينشر الشيخ مبروك عطية فيديو تعليقا على خبر مقتل “نيرة أشرف”. ويقول فيه أنه يجب على الفتيات الخروج مرتديات “قفة”، حتى لا يقتلها شاب بسبب أنها غير محجبة. ووجه حديثه للفتيات بكلمة “يا بت”. وكان يسألهن:” هتلبسي المقمط لمين يا بت؟ وهتبيني المهفهف لمين يا بت”.

https://www.youtube.com/watch?v=48b27IdPHYU

23 يونيو/ حزيران

مقتل “إيمان”، طالبة أردنية داخل الحرم الجامعي لجامعة العلوم التطبيقية، شمال العاصمة عمان. بعد أن أطلق عليها شاب 6 رصاصات في الرأس، ولاذ بالفرار.

حسب ما قال زملاؤها، فقد قام الجاني بإرسال رسائل تهديد لها قبل قتلها. آخر رسالة هددها فيها بأنه سيأتي إلى الجامعة ليتحدث معها. وإن لم تتجاوب بالحديث معه، فسيقوم بقتلها مثلما حدث للفتاة المصرية “نيرة”. وحسب زملائها، فإنّ إيمان كانت قد نشرت رسالة على موقع اعترافات الجامعة عبر انستجرام وجاء نصها كالآتي: “بكرة رح أجي أحكي معك وإذا ما قبلتي رح أقتلك مثل ما المصري قتل البنت اليوم”.

وذكرت وسائل إعلام أردنية، بأن الجاني دخل حرم الجامعة متنكرًا، وقام بإطلاق 6 رصاصات نحو الطالبة الضحية أثناء تواجدها في جامعتها. وأصاب أحد تلك العيارات في رأسها، كما قام الجاني بإطلاق عدة عيارات نارية في الهواء لتفريق المتجمعين، والهروب من الجامعة بعد أن نفذ جريمته، ولم يتم إلقاء القبض عليه حتى اللحظة.

لن تكون الأخيرة

لم تكن جرائم قتل الثلاث فتيات هي الأولى من نوعها في مصر ولا في البلاد العربية. وللأسف لن تكون الأخيرة، فالأرقام تخبرنا بأن النساء يتعرضن للقتل من قبل أزواجهم وأهلهم بلا تردد. وليست مفاجأة في أن تُعد مصر من الدول التي ترتفع فيها نسب جرائم العنف ضد النساء والفتيات.

في عام 2020، تم تسجيل 415 جريمة عنف قائمة على النوع الاجتماعي معلن عنها في السجلات الرسمية. ما بين قتل، وشروع في قتل، واغتصاب، وضرب مبرح، وابتزاز. وفقاً لما رصدته مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة.

وصلت جرائم قتل النساء والفتيات إلى 296 جريمة في عام 2021، بنسبة 36.4% من اجمالي الجرائم. حيث وقعت 214 جريمة، منها جريمة قتل نتيجة للعنف الأسري على يد الزوج.

جرائم القتل التي استهدفت النساء والفتيات خلال النصف الأول من العام، وصلت حتى الآن الى 72 جريمة. منها 54 جريمة تمت على يد أحد من الأسرة، 12 جريمة على يد شخص غريب. والعثور على 6 جثث مجهولة تظهر عليها آثار تعذيب وخنق.

الصادم أكثر من الذبح والطعن وإطلاق الرصاص، هو تبريرات الجريمة من أغلب المتفاعلين بالتعليقات على أخبار مواقع التواصل الاجتماعي. ما كان صادما أن يمتطي الـ “ترند” شيخ وأستاذ في الدراسات الإسلامية، ويخرج علينا مرتين معلقا على الجريمة. مرة يوجه حديثه للفتيات بأن يرتدين “القفة” حتى لا يُقتلن، والثانية حين هاجمه الكثير على ما قال، فتراجع، وبرر ما قاله بأنه كان فقط يخشى على الفتيات ويوجههم.

بينما إذا ما شاهدت الفيديو الأول، ستجد اللهجة تهكمية، ومشككة في الفتاة التي تخرج بدون حجاب “هتبيني المهفف والمقمط لمين يا بت”. كيف تكون هذه لهجتك يا شيخ وأنت تتحدث وتنصح وتخشى؟ ثم لماذا لا توجه حديثك للقاتل والمتحرش والمعتدي؟ لماذا كل مرة توجه حديثك للفتاة والمرأة؟

الحجاب ليس سببا

الكلام دفع دار الإفتاء لأن تُصدر بيانا تستنكر فيه رأي الشيخ مبروك، وتعلن أن رأيه شخصي لا يمت للأزهر بصلة. وأنه “من واجب العلماء اختيار الأسلوب المناسب في الحدث المناسب. وليس من طريق أهل العلم الراسخين لوم الناس على أي تقصير في وقت المصائب والبلايا. بل الواجب تسليتهم ومواساتهم”.

كان الأجدر باهتمام شيخ معروف مثلك يا شيخنا أن يوجه حديثه للرجال، وينصحهم بتقوى الله في النساء. وألا يستضعفوهم، وألا يعتدوا عليهم.

كان الأولى أن توجه الشباب لتقبل الرفض بنفس راضية، والابتعاد عن النعرة الذكورية. وتوجه حديثك للناس عموما بعدم لوم الضحية، والبحث عن مبررات لقتلها. فإذا كانت نيرة قُتلت لأنها محجبة، فلماذا قُتلت إيمان ومروة وهن محجبات؟ الحجاب ليس سببا، وأنت تعلم ذلك.

رحم الله نيرة ومروة وإيمان. وهدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي للعقل والرُشد. وليمنحنا الله شيوخا وسطيين يخففون علينا -وعلى الفتيات خاصة- روع هذه الأيام.