اتجه البنك المركزي المصري، في اجتماع لجنة السياسة النقدية، إلى تثبيت سعر الفائدة الرئيسية على الجنيه، عند مستوياتها الحالية 11.25% للإيداع و12.25% للإقراض لليلة واحدة. رغم قرار البنك الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة للمرة الثالثة على التوالي بواقع 75 نقطة أساس إلى 1.75%، ضمن إجراءات لمواجهة التضخم، فلماذا اتجه المركزي المصري إلى تثبيت الفائدة؟ وكيف ستتأثر حالة الركود في السوق خلال الأشهر المقبلة بعد التثبيت؟

وكان المركزي المصري، رفع أسعار الفائدة في آخر اجتماعين للجنة السياسة النقدية بواقع 300 نقطة أساس، منها 100 نقطة في اجتماع استثنائي بتاريخ 21 مارس الماضي و200 نقطة في اجتماع 19 مايو الماضي. في حين سيعقد الاجتماع المقبل للجنة السياسات النقدية في 18 أغسطس المقبل.

اقرأ أيضًا.. تعليمات المركزي للسيولة الطارئة.. لا مكان للبنوك الضعيفة

ماذا يعني تثبيت الفائدة؟

تقول منى بدير الخبيرة الاقتصادية، إن تثبيت الفائدة يعني أن سعر الفائدة على الإقراض في البنوك لن يتغير وفقًا للسعر الاسترشادي للبنك، فإذا كان العميل يرغب الآن في الحصول على قرض فهذا يعني أن سعر الفائدة سيستمر كما هو قبل اجتماع الخميس.

أضافت لـ”مصر 360″: “كما أن الفائدة على القروض التي حصل عليها العملاء قبل القرار الصادر، ويسددون حاليًا أقساط عليه لن تتغير كذلك”.

وفي حال كان العميل سبق وحصل على قرض بفائدة متغيرة- أي مرتبطة بسعر الفائدة المقررة من المركزي- فهذا يعني أن سعر الفائدة لن يتغير وسيستمر عند نفس المعدلات.

واستفاد المستثمرون الأجانب من السعر المرتفع للدولار في مصر خلال الزيادتين الأخيرتين للبنك المركزي، لأنه يمكنهم من الاستثمار في تحقيق مكاسب كبيرة من شراء أدوات الدين التي تقترض الحكومة من خلالها لسد العجز بين المصروفات والإيرادات وفق بدير.

أسعار السلع في الأسواق المصرية

اقرأ أيضًا.. “ستاندرد تشارترد” في مصر قريبًا.. لماذا تغيرت قناعات المركزي تجاه الرخص الجديدة للبنوك؟

هل تتأثر شهادات الادخار؟

أما فيما يتعلق بالفائدة على شهادات الادخار والودائع في البنوك أوضحت منى بدير، أنه أمر يخضع لرؤية كل بنك في تحديد نسبة الفائدة على الودائع والشهادات التي يقدمها، ولكن مع تثبيت أسعار الفائدة من المرجح ألا تحرك البنوك في الغالب العائد على الشهادات أو الودائع.

وأضافت أنه مع تثبيت الفائدة، ستظل أسعار الشهادات والودائع التي تكون مربوطة بسعر الفائدة في البنك المركزي والتي تسمى “متغيرة العائد” كما هي. وأوقف بنكا الأهلي ومصر شهادة الـ 18% أجل عام التي طرحها البنكان في مايو الماضي، وطرح البنكان شهادة بعائد 14% سنويًا لأجل ثلاثة أعوام.

لماذا ثبت المركزي الفائدة؟

تقول سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية، إن البنك المركزي لم يكن مضطرًا لتحريك سعر الفائدة لأنه اتخذ خطوات استباقية قبل ذلك. كما أشارت إلى أن البنوك المركزية في الخليج اتجهت لزيادة الفائدة عقب تحريكه في الولايات المتحدة، لارتباط العملات الخليجية بالدولار بينما ترتبط العملة في مصر بسلة عملات.

ولفتت الدماطي إلى أن البنوك المصرية قدمت عوائد مرتفعة على شهادات الإدخار، لافتة إلى أن زيادة الفوائد تؤدي إلى زيادة التكاليف على الصناعة، متابعة أن رفع 1% يزيد العجز في الموازنة 50 مليار جنيه.

من ناحية أخرى، أوضح أيمن ياسين الخبير المصرفي، أن هناك عوامل دعمت إبقاء البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة دون تغيير في الاجتماع الأخير منها تقدم مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي بشأن دعم محتمل يمكن أن يشمل قرضًا. كما أن ذلك يؤدي إلى توافر تمويل من دول الخليج سواء في صورة ديون أو استثمارات مباشرة.

وذكر لـ”مصر 360″، أن من بين هذه العوامل أيضًا تقييم الضغوط على الموازنة العامة للدولة خاصة في ظل الإحجام الملحوظ من وزارة المالية عن قبول كامل متطلبات التمويل عن طريق عطاءات الأذون والسندات بأسعار العائد المتوافقة مع الكوريدور وهو سعر العائد على الإيداع والإقراض لدى البنك المركزي المصري لليلة واحدة.

اقرأ أيضًا.. كواليس اكتناز “المركزي” للذهب.. حرب العملات والتبادل مع روسيا ومآرب أخرى

البنك المركزي المصري

المركزي: تباطؤ الاقتصاد العالمي رجح التثبيت

وكشف البنك المركزي في بيان له مساء الخميس، أسباب تثبيت سعر الفائدة، موضحًا أنه على الصعيد العالمي، اتسم النشاط الاقتصادي العالمي بالتباطؤ نتيجة استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية. وقد أدت العقوبات التجارية المفروضة على روسيا وما نتج عنها من اختناقات في سلاسل الإمداد والتوريد إلى ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الأساسية، وكذا أسعار البترول والقمح. وفي ذات الوقت، تم تقييد الأوضاع المالية العالمية، حيث استمرت البنوك المركزية في الخارج في تشديد السياسات النقدية عن طريق رفع أسعار العائد وخفض برامج شراء الأصول لاحتواء ارتفاع معدلات التضخم في بلادهم، وبالإضافة إلى ذلك، تثير عمليات الإغلاق التي تم إعادة فرضها مؤخرًا في الصين مخاوف بشأن إمكانية تفاقم اضطرابات سلاسل الإمداد والتوريد العالمية.

ولفت إلى أن البيانات المبدئية تشير إلى استمرار النشاط الاقتصادي المحلي في التعافي خلال الربع الأول من عام 2022، وإن كان بوتيرة أبطأ، حيث سجل الناتج المحلى الإجمالي الحقيقي معدل نمو قدره 5.4٪ مقارنةً بـ 8.3٪ خلال الربع الرابع من عام 2021. ويرجع هذا التباطؤ الى عدة عوامل أبرزها تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى تلاشي الأثر الإيجابي لفترة الأساس والذي استمر خلال الأشهر التسعة الماضية.

وترى لجنة السياسة النقدية أن التطورات العالمية والناتجة عن الأزمة الروسية والأوكرانية هي صدمات عرض أولية خارجة عن نطاق عمل السياسة النقدية على الرغم من أن تلك الصدمات قد تؤدي إلى تخطي معدلات التضخم المستهدفة والمعلن عنها مسبقاً.

هل تتراجع حالة الركود في السوق؟

فيما أكد الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية محمد شادي، أن قرار البنك المركزي تثبيت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض يُعد بمثابة إنقاذ لاقتصاد المواطن الذي عانى الفترة الماضية من تحركات الفائدة مرتين متتاليتين، موضحًا أن البنك المركزي أدرك من الرفع الماضي أنه يصعب السيطرة على أسعار التضخم لأنه مستورد من الخارج، والسوق العالمي يعاني من تداعيات عدة حاليًا.

لفت في تصريحات خاصة لـ “مصر 360″، أنه سيكون من الصعب تقديم أي إجراءات للسيطرة على الأسعار، لاسيما أن هذا يقلص فرص تقديم حوافز لرؤوس الأموال الساخنة في ظل معاناة غالبية الأسواق العالمية من التداعيات الاقتصادية منذ أزمة كورونا وحتى بداية الحرب الروسية الأوكرانية.

كما أشار إلى أن قرار المركزي بتثبيت سعر الفائدة “سليم” للتقليل من حالة الركود الاقتصادي، في ظل استمرار الأزمة العالمية، وعواقب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مضيفًا أن حالة التضخم في السوق المصرية ناتجة عن الأزمة العالمية التي تضرب مختلف الدول. ومحليًا سنستفيد كثيرا من تثبيت الفائدة على مستوى تقليل حالة الركود الموجودة بالسوق منذ فترة.

جاء ذلك في الوقت الذي أكد فيه طارق عامر، محافظ البنك المركزوي المصري، أن الحكومة المصرية والبنك المركزي قاما بضخ العديد من الأموال فى الاقتصاد وإصدار خطابات ضمان للبنوك المصرية، لتحمل مخاطر الخسائر.

وأشار عامر خلال كلمته في الاجتماعات السنوية التاسعة والعشرين للبنك الأفريقي للاستيراد والتصدير، والتي عقد في العاصمة الإدارية الجديدة، إلى أنه كان من الضروري الحفاظ على المستويات الحالية لأسعار الصرف، إذ إنه كانت هناك صدمة في تحويل الأموال إلى الخارج، ما دفع البنك المركزي للتدخل بالاحتياطيات الدولية لتجنيب المجتمع صدمة في أسعار الصرف، أثناء الحرب الروسية الأوكرانية.

اقرأ أيضًا.. كواليس الفائدة وخفض الجنيه.. هل استهدف المركزي مواجهة التضخم أم إبقاء استثمارات الأجانب؟

معدلات التضخم

أما معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية واصل الصعود خلال مايو الماضي للشهر السادس على التوالي ليسجل 15.3% مقابل 14.9% في أبريل، بحسب ما أعلن جهاز التعبئة العامة والإحصاء، في بيان له. وسجل معدل التضخم السنوي في المدن ارتفاعًا إلى 13.5% في مايو مقابل 13.1% في أبريل الماضي.

ويتجاوز معدل التضخم السنوي في المدن بذلك النطاق المستهدف الذي وضعه البنك المركزي لمعدل التضخم السنوي عند مستوى 7% (بزيادة أو نقصان 2%) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022.

وسجل معدل التضخم الشهري لإجمالي الجمهورية 0.9% في مايو مقابل 3.7% في أبريل الماضي. ووصل معدل التضخم الشهري في المدن إلى 1.1%، مقابل 3.3% في أبريل، وفي الريف إلى 0.8% مقابل 4.2% خلال أبريل.

وأعلن البنك المركزي المصري قبل أسبوعين ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 13.3% خلال مايو الماضي مقابل 11.9% في شهر أبريل.

التضخم في مصر

توقعات حركة الأسعار

يوضح أيمن ياسين الخبير المصرفي، أن تثبيت سعر الفائدة سيمنع حدوث أية تحركات على مستوى تسعيرة شراء المنتجات والسلع من الخارج، وبالتالي منع حدوث تغيرات في حركة البيع والشراء محليًا خلال شهري يوليو وأغسطس “السوق سيشهد ثبات في الأسعار على المدى القصير لحين اجتماع لجنة السياسيات النقدية من جديد وتحديد سعر الفائدة في 18 أغسطس المقبل”.

أضاف لـ”مصر 360″ أن الأوضاع الاقتصادية المحلية وكذلك أوضاع المواطنين باتت أكثر تعقيدًا من ارتفاع معدلات التضخم المرتفعة، “هناك حالة من الركود بسبب رفع سعر الفائدة مرتين سابقًا وبالتالي لم يكن الأمر يتحمل مزيدًا من التحركات في الأسعار حفاظًا على حياة المواطن”.

أضاف أن الكيانات الصناعية في الدولة التي تعتمد على الدولار بشكل رئيسي في تدبير احتياجاتها من المادة الخام من الخارج، تتأثر مباشرة بأي رفع في الفائدة ما يدفعها إلى محاولة إجراء تحريك فوري في منتجاتها المتداولة بالسوق، سواء كانت مواد غذائية أو غيرها، لكن مع تثبيت الفائدة قد تحجم تلك الكيانات الاقتصادية عن تحريك الأسعار مجددًا.