لا يمكن بحال من الأحوال تصور الحديث عن الحق في التنظيم، أو التبرير لوجود ذلك الحق في أي تنظيم سياسي أو قانوني، دونما التطرق للحديث بشكل موازي عن الحق في تكوين الأحزاب السياسية، وحريتها في ممارسة أنشطتها، بحسب أن ما يرتبط بأمر الأحزاب السياسية يعبر بشكل مباشر عن حالة الحق في التنظيم بشكل كاملن وذلك لارتباط الأحزاب السياسية بكل ما يتضمنه حق التنظيم أو يتفرع عنه من حقوق وحريات أخرى، حيث تشتمل ممارسة الأحزاب السياسية على حرية الاجتماع والتجمع، وتشابهه حرية تكوين النقابات، كما أنها تشتمل على أصل ممارسة حرية الرأي والتعبير والمشاركة في الحياة العامة وإدارة شؤون البلاد.
ويمكن تعريف الأحزاب السياسية على أساس أنها مجموعة منظمة من الأفراد يمتلكون أهداف وآراء سياسية متشابهة بشكل عام، ويهدفون إلى التأثير على السياسات العامة من خلال العمل على تحقيق الفوز لمرشحيهم بالمناصب التمثيلية، وتميل الأحزاب السياسية إلى التجذر بعمق واستمرارية في تركيبات اجتماعية محددة في مجتمع ما في الديمقراطية الراسخة والفاعلة. إذ يمكنهم الربط بين الحكومة وعناصر المجتمع المدني في مجتمع حر وعادل، وهم يشكلون عنصراً ضرورياً في أي نظام ديمقراطي حديث. وقد عبرت عن ذلك المعنى المحكمة الدستورية العليا، في القضية رقم 44 لسنة 7 دستورية بقولها: وحيث إن الأحزاب السياسية وهي جماعات منظمة تعنى أساسا بالعمل بالوسائل الديمقراطية للحصول على ثقة الناخبين بقصد المشاركة في مسئوليات الحكم لتحقيق برامجها التي تستهدف الإسهام في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد، وهي أهداف وغايات كبرى تتعلق بصالح الوطن والمواطنين، تتلاقى عندها الأحزاب السياسية الوطنية جميعها أو تتحاذى في بعض مناحيها الأمر الذي يجعل التشابه أو التقارب بين الأحزاب السياسية في هذه الأهداف أمرا واردا، ومن ثم لم يشترط البند ثانيا من المادة الرابعة من قانون الأحزاب المشار إليه أن يقع التميز الظاهر في مبادئ وأهداف الحزب كشرط لتأسيسه أو استمراره وذلك بقصد إفساح المجال لحرية تكوينها، بل جاء الشرط مقصورا على برنامج الحزب وسياساته وأساليبه التي يسعى بها لتحقيق مبادئه وأهدافه ضمانا للجدية حتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية تسانده وأن يكون في وجود الحزب إضافة جديدة للعمل السياسي ببرامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى إثراء للعمل الوطني ودعما للممارسة الديمقراطية تبعا لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوسعة لنطاق المفاضلة بينها واختيار أصلح الحلول وأنسبها.
وقد مرت الحياة الحزبية المصرية بمراحل مختلفة ومتباينة فيما يخص الحياة الحزبية، إذ من بعد التواجد وقت سريان دستور 1923 ، ثم بعد قيام ثورة 1952 إلغاء الحياة الحزبية وذلك بوجود التنظيم الواحد متمثل في التنظيم الطليعي، ثم الاتحاد الاشتراكي، ثم العودة بعد ذلك على نظام الأحزاب – وإن كان بشكل مقيد – في عصر الرئيس السادات، والذي أتاح الفرصة لوجود ثلاثة أحزاب وتولى بنفسه رئاسة أحدهم، وهو الحزب الوطني الديمقراطي، مما كان له الأثر البالغ على الحياة الحزبية، إ1 أنه بعد إجراء أو انتخابات نيابية في ظل تواجد الأحزاب السياسية حينها، حصول كل منهم على نسبة من التمثيل النيابي، إلا ان حزب الرئيس حصل على النسبة الغالبة، وإن شهدت الحياة السياسية والحزبية بعدها ما يشبه الاحتكار للحياة الحزبية متمثلاً في استحواذ الحزب الوطني الديمقراطي على النسب الغالبة في كافة الانتخابات النيابية او النقابية أو حتى على مستوى المحليات، وأعتقد أن ذلك الاحتكار السياسي كان من أهم أسباب قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير لسنة 2011 .
وبما أن الحزب السياسي يعمل في الأساس كوسيط بين أفراد الشعب ونظام الحكم في الأنظمة الديمقراطية بأنواعها، فإن الأحزاب المختلفة يكون لها أدوار رئيسية ومهمة في ذلك الشكل من أشكال الحكم، أهمها صياغة احتياجات ومشاكل المواطنين وطرح مقترحات لحلها وتقديمها إلى الجهات الحكومية المختلفة بصورة قانونية، وتنظيم نشاطات توعية وتثقيف للناخبين حول النظام السياسي والانتخابات والدعاية لرؤية الحزب لتقدم الدولة وذلك من خلال نقد ما يجب نقده من ممارسات الدولة، كذلك تعمل الأحزاب على نشر الدعاية بين المواطنين لأفكارها وترشيح ممثليها في الانتخابات. وحتى تتواجد الأحزاب السياسية بشكل حقيقي، لا يقف الأمر عند حد التواجد النصي سواء كان على مستوى النصوص الدستورية أو القانونية ولا حتى المواثيق والاتفاقيات الحقوقية، إذ إنها جميعا لا تمثل سوى ترسانات لفظية، لابد من إتاحة الفرصة الحقيقية للتواجد في الحياة الواقعية، ولا يكون ذلك إلا من خلال توافر مناخ سياسي مفتوح يسمح بحرية الحركة ويعلى من قدر الأحزاب إلى جانب بيئة وطنية حاضنة للقوى السياسية الصاعدة على اعتبار أن الأحزاب هي مدارس لتخريج الكوادر التي تملأ الفراغ السياسي وتقود الحركة في حيوية وبدماء متجددة.