تطفو بين الحين والآخر نقاشات حول تبني الأطفال والإشكاليات في القوانين المنظمة له في مصر.

وبدا ذلك أكثر بعد عرض مسلسل “ليه لأ” في رمضان 2021 واشتعال النقاش الواسع على صفحات التواصل الاجتماعي بسببه. إذ أسست يمنى دحروج مجموعة “الاحتضان في مصر” بعد تعرضها لتجربة من تجارب تبني. رأت فيها الحالة الرثة التي يعانيها الأطفال داخل دور الرعاية في مصر.

وظهرت أيضا نقاشات حول إشكاليات التبني للأسر المسيحية والأزمة التي تواجهها في تبني الأطفال.

وقد رصدت الباحثة وفاء العشري في ورقة بحثية جديدة قدمها مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” إشكاليات الأسر البديلة والكفالة والتبني. والتي تتعرض لها الأسر المسلمة والمسيحية في مصر.

للاطلاع على ورقة دام كاملة..

معاناة الأيتام
معاناة الأيتام

أهمية الأسر البديلة للطفل

اهتم علم تنمية الطفولة المبكرة بشكل واضح بالخبرات المبكرة وبيئة تقديم الرعاية والتهديدات البيئية على التطور البيولوجي والمعرفي والسلوكي. فالأطفال الصغار الذين يتعرضون للرعاية المؤسسية -والتي غالبًا ما تتوافق مع الحرمان الاجتماعي وانخفاض جودة الرعاية- لديهم مخاطر متزايدة بسبب مشكلات سلوكية واضطرابات النفسية.

لذا فهي تقدم دليلا على أن بيئة تقديم الرعاية الأكثر ملاءمة قد تؤدي إلى تحسين النتائج في النمو والصحة والتنمية. فضلا عن تقليل مخاطر الإصابة بالاضطرابات النفسية. وقد تعكس الآثار السلبية المبكرة والحرمان من تطور السلوك العصبي.

الحلم بالأسرة والبيت اليديل
الحلم بالأسرة والبيت اليديل

التبني في التشريعات الدولية

تم الأخذ بنظام التبني في اتفاقية حقوق الطفل التي أقرتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نوفمبر 1989. والتي أكدت في الفقرة الأولى من المادة السابعة منه على أن الأصل في تربية الطفل بمعرفة والديه. ولكن في حالة حرمان الطفل من الأبوين يأتي دور الرعاية البديلة. وهو ما يندرج ضمن نظام الكفالة المعمول بها في الدول الإسلامية. كما تحيط الاتفاقية بالعديد من الضمانات التي تحمي الطفل من العنف وسوء النية.

ثم جاءت اتفاقية 29 مايو 1993 بشأن حماية الأطفال والتعاون على الصعيد الدولي في مجال التبني. والتي أشارت إلى أن كل دولة عليها أن تتخذ التدابير المناسبة لتمكين الطفل من البقاء في رعاية أسرته الأصلية. مع ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لإجراء التبني في مصلحة الطفل.

التبني داخل القوانين والتشريعات في مصر

رعاية الأيتام في مصر
رعاية الأيتام في مصر

لم يكن لكلمة “تبني” وجود داخل القوانين المصرية. لكن رغم المادة الثانية في الدستور المصري القديم والخاصة بالشريعة الإسلامية مصدرا للتشريعات لم تحظر الدولة المصرية التبني إلا بعد صدور قانون الطفل رقم (12) لسنة 1996. والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 والذي ذهب في مادته الرابعة إلى حظره بنص صريح. والمادة (46) التي أقرت بالتبني الإسلامي “الكفالة”.

ويتمكن المصريون من كفالة أو إعانة يتيم وفقا لشروط قانونية محددة. وفي تعديلات القانون التي تم إقرارها في 19 سبتمبر 2018 تم الأخذ بنظام “الأسرة البديلة” للطفل وفتح خيار الرعاية لعدد أكبر من الناس. بما في ذلك النساء غير المتزوجات. ويتم تمويل شبكة دور الأيتام مترامية الأطراف في مصر.

أما فيما يخص المصريين غير المسلمين فقد نظمت الشرائع الشروط الشكلية لعقود التبني. كشريعة الأرثوذكس في لائحة 1838 الخاصة بالأحوال الشخصية المادة (112) والمادة (118) المعنية بتحرير العقد من قبل الكاهن ورفعه إلى المجلس الذي يباشر عمله في دائرته للتصديق عليه بعد التحقق من توافر الشروط التي يطلبها القانون. ويخضع هذا العقد من الناحية الشكلية إلى المادة (20) من القانون المدني المصري الخاص بشكل العقود وعلى ذلك يصح التبني وفقا للقانون.

التبني في قوانين دول أخرى مشابهة

تتشابه الجزائر مع مصر لاستنادها إلى الشريعة الإسلامية في حظر التبني. ولكن هناك تشريعات في بعض الدول العربية أجازت التبني مثل “تونس”. التي نظمته من خلال المادة (27) لقانون 4 مارس 1958 المتعلق بالولاية والعمومية والكفالة والتبني. حيث حددت له شروط. ففي الفصل الثالث من القانون أوضح أنّها “العقد الذي يقوم بمقتضاه شخص رشيد يتمتّع بحقوقه المدنية أو هيئة بكفالة طفل قاصر”.

وتعتبر تركيا من الدول التي وقعت على معاهدة لاهاي الدولية الخاصة بالتبني. لكن نظام التبني لديها معقد جدا فيما يتعلق بإجراءاته.

إشكاليات التبني في مصر

التبني بين التشريع والشريعة
التبني بين التشريع والشريعة

بحسب التقارير الرسمية يوجد نحو 12500 من الأيتام المسجلين[1] ممن تخلى عنهم آباؤهم. إما أنهم ولدوا لأمهات وآباء غير متزوجين -وهو غير مقبول داخل المجتمع المصري- وإما نتيجة ظروف اقتصادية سيئة للأسر الفقيرة. حيث يتم وضع الأطفال من سن سنتين داخل دور الرعاية التابعة لوزارة الصحة. أما فوق هذا السن فإنهم يودعون داخل دور الرعاية التابعة لوزارة التضامن. وقد تم وضع ما مجموعه 11658 يتيمًا مع 11421 أسرة بديلة. بعضهم “تبنى” أكثر من طفل واحد.[2]

ولكن وفقا لمنظمة اليونيسيف في 2009 فإن عدد الأيتام في مصر 1.7 مليون. ويُقدر العاملون المصريون في هذا المجال أن عدد الأطفال الأيتام بالشوارع قد يصل إلى ثلاثة ملايين طفل.

وتسعى مصر للقضاء على الحاجة إلى دور رعاية الأيتام وتوفير أسر بديلة لكل طفل يتيم مع 2025. وشهد عام 2020 أعلى نسبة في تلقي الوزارة لطلبات الكفالة. حيث وصلت إلى 1000 طلب بعد أن خففت القيود والإجراءات المعقدة التي كان يقابلها طالبو التبني.[3]

ورغم انتشار عدد غير قليل لدور الرعاية بالمحافظات -تصل إلى أكثر من 30 ألف دار رعاية تتنوع بين الفاخرة والعادية[4]– فإن الغالبية منها لا يقدم الخدمات المناسبة التي تؤهل العدد الكبير من الأيتام للاندماج الكامل داخل المجتمع.

ووفقا للقانون المصري -تماشيا مع الشريعة الإسلامية- لا يُسمح لليتيم بأخذ اسم الوالدين بالتبني لأنه سيحرمهم من حقوق الميراث من والديهم البيولوجيين. وفي الوقت نفسه يمنعهم ذلك من التمتع بجميع الحقوق والامتيازات كما لو كانوا قد ولدوا لهم.

“كفالة للأطفال المسيحية”

كفالة طفل مسيحي
كفالة طفل مسيحي

ووفقا لما نشرته مؤسسة “كفالة للأطفال المسيحية” على صفحتها الرسمية بموقع “فيسبوك” عن خروج أول طفل مسيحي من الدار مع أسرته الجديدة بالكفالة[5]. فرغم مشروعية التبني في شرائع غير المسلمين فإنها عموما لا يمكنها أن تتعدى قانون الدولة بهذا الشأن. وقد كانت هناك مبادرات فردية لإعادة تمرير مادة قانونية تجيز للأسر المسيحية التبني. بينها محاولتان للمحامي نجيب جبرائيل قدمهما عامي 2010 و2015 لمجلس الوزراء ولكنهما قوبلتا بالرفض[6]. أو المعوقات التي تفرضها بعض دور مؤسسات الرعاية المسيحية سواء في التبني أو الاستضافة. حيث إن استمرار وجود الأطفال لديهم يمثل مصدرا للتبرعات.

ومن ضمن إشكاليات التبني الإجراءات التي تقوم بها وزارة التضامن كإعداد بحث اجتماعي من قبل لجنة متخصصة حول أهلية الوالدين للتبني. فيما يتم إغفال العامل النفسي والخلفية الثقافية التي يمكن أن تعرض الطفل لأزمات. ما يصعب معه دمج الطفل دمجا كاملا في المجتمع مرة أخرى.

سلبيات القيود المفروضة على التبني لا تؤثر فقط على الطفل وهويته. بل تؤثر أيضًا على المتبنِّي. خاصة النساء غير المتزوجات. فهناك قصة لامرأة لم تتزوج وجدت معارضة من والدتها التي رأت أن المجتمع سيوصمها حال توجهها للكفالة. وعدلت الأم عن رأيها بعد محاولات العاملين بوزارة التضامن إقناعها بذلك. وفتاة أخرى في منتصف الثلاثينيات من عمرها لم تتزوج بعد تنطبق عليها شروط الكفالة ولكنها وجدت معارضة داخل وزارة التضامن لتبني طفلة. بسبب جهل العاملين بالتعديلات التي أجريت على قانون الكفالة. ومنها السماح لغير المتزوجات (عزباء أو أرامل أو مطلقات) بكفالة الأطفال. ولم تستطع أن تحقق حلمها إلا بعد اللجوء إلى أحد مسئولي الوزارة. الذي ساعدها في استكمال الإجراءات.[7]

توصيات

وحتى نتخذ منهاجا علميا لمعالجة مثل هذه المشكلات سواء داخل دور الرعاية أو التي يلاقيها الطفل اليتيم والوالدان بالتبني. لا بد أن تقوم الدولة ببعض الجهود التي يستلزم معها:

  • رفع خبرات العاملين داخل دور الرعاية لتأهيل الأطفال ودمجهم بصورة كاملة.
  • رفع الوعي لدى المجتمع للتخلي عن وصم الطفل اليتيم وأهمية كفالته للوصول إلى مجتمع المواطنة الحقيقي.
  • تطبيق شرائع غير المسلمين في مصر والتي تتيح التبني وفقا لتوجه الدولة في إرساء مبدأ المواطنة.
  • إلزام آباء التبني بالخضوع للفحص العقلي والنفسي. بالإضافة إلى باقي الفحوص الأخرى.
  • تعديل بعض التشريعات والقوانين والقرارات التي تمكن للأطفال بالتبني من الحصول على امتيازات والديهم بالتبني.

[1] دليل الأسرة للكفالة في مصر2020: chrome-extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/https://uploads-ssl.webflow.com/5ef65e249bb1bab9a1d00565/5f4156da79710a1e927c5033_Adoption(Kafala)InEgypt-2020-Arabic.pdf

[2] مصدر سابق

[3] موقع الحرة مقالة بعنوان “ازدياد الإقبال على التبني.. مصر تنوي توفير أسر بديلة لكل الأيتام بحلول 2025” بتاريخ 4 مارس 2021 : https://www.alhurra.com/egypt/2021/03/04/%D8%A7%D8%B2%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%82%D8%A8%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A8%D9%86%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D9%86%D9%88%D9%8A-%D8%AA%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%B1-%D8%A3%D8%B3%D8%B1-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%83%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%8A%D8%AA%D8%A7%D9%85-%D8%A8%D8%AD%D9%84%D9%88%D9%84-2025

[4] جريدة الوفد مقالة بتاريخ 1 ابريل 2016 بعنوان “30 ألف دار أيتام تتلقى تبرعات بالملايين.. والوزارة تكتفى بالرقابة الإسمية”: https://alwafd.news/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%AD%D9%80%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA/1104276-30-%D8%A3%D9%84%D9%81-%D8%AF%D8%A7%D8%B1-%D8%A3%D9%8A%D8%AA%D8%A7%D9%85-%D8%AA%D8%AA%D9%84%D9%82%D9%89-%D8%AA%D8%A8%D8%B1%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%AA%D9%83%D8%AA%D9%81%D9%89-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%A9

[5] الصفحة الرسمية للمؤسسة على الفيس بوك: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid0uMyboHJCxxn6B5hUMKdMhUJPuxuoXQP98YUeZ2VZpftEjfmtxYGPx1WQx9p3xC9wl&id=107966021669703&sfnsn=scwspwa

[6] مقالة في درج بتاريخ نوفمبر 2021 بعنوان “الاحتضان في مصر ..فرص لحياة جديدة ممنوعه على المسيحيين”: https://daraj.com/82243/

[7] مقالة على البي بي سي عربية 8 يوليو 2021 بعنوان ” الكفالة: هل بدأ المجتمع بتقبّل فكرة كفالة أطفال في مصر من قبل أمهات عازبات؟” : https://www.bbc.com/arabic/media-48867540