في الثامن من يونيو/ حزيران الجاري اضطرت رئاسة السلطة الفلسطينية إلى نشر صور للرئيس محمود عباس، لنفي شائعات تم تداولها بشكل واسع بشأن وفاته، بعدها عاد أبو مازن لمزاولة أعماله، لكن ذلك لاينفي طبيعة الوضع الصحي المتراجع للرجل البالغ من العمر 87 عامًا.
الحديث عن الوضع الصحي لأبو مازن يثير بالتبعية ملف الخلافة، ففي الكواليس تدور معركة حقيقية حولها، في ظل وجود الكثير من القيادات الفتحاوية الطامعة في كرسي المقاطعة (رام الله)، وهو ما يشي بأن الوضع الفلسطيني في حال غياب عباس سيدخل في مرحلة صعبة ولن يكن بتلك السلاسة التي انتقلت فيها الرئاسة من الراحل ياسر عرفات إلى أبو مازن.
اقرأ أيضًا.. اصطياد “عقيد الصيد”.. محاولة إسرائيلية لقطع الطريق أمام تقدم الاتفاق النووي
4 أسباب لمشهد معقد
أسباب متعددة تزيد من تعقيد المشهد في اليوم التالي لغياب أبو مازن أولها طبيعة الصراع بين المتنافسين على خلافته في ظل عدم وجود إجماع داخل حركة فتح حول شخص واحد يمكن أن تتفق عليه الحركة ليتولى الرئاسة بعده، وثانيها التركة الثقيلة التي خلفها عباس على مدار 14 عامًا احتكر فيها ثلاثة مناصب هي السلطة ورئاسة فتح، ورئاسة منظمة التحرير، وهو ما يعني أن الصراع سيدور على تلك المواقع الثلاثة أما ثالث الأسباب وربما يكون أهمها هو أن أي شخص من المتنافسين لن يتمكن من دخول المقاطعة دون مباركة إسرائيلية وأمريكية.
ورغم أن سببا واحدا من الأسباب الثلاثة السابقة كفيل بتفجير حالة من الفوضى حال غياب عباس، إلا أن هناك سببا رابعا يزيد من تعقيد المشهد، وهو المتعلق بالبعد العربي، في ظل تبني ودعم أطراف عربية فاعلة لمرشحين لها لرئاسة السلطة الفلسطينية، نظرًا لأهمية القضية في خريطة السياسة الدولية وتقاطعاتها مع ملفات المنطقة.
اقرأ أيضًا.. بن سلمان في مصر والأردن وتركيا.. الأمير يرسخ مكانته الإقليمية قبل زيارة بايدن
سيناريو الفوضى
كان بإمكان أبو مازن أن يسهل الأمر على الفلسطينيين قبل غيرهم بشأن خلافته في ظل إدراكه لطبيعة وضعه الصحي ، وأحكام السن التي لايمكن لأحد تجاوزها، حال أعلن طواعية نائبا له ، لكنه رغم تزايد المطالبات في هذا السياق إلا أنه من الواضح أنه لا يرغب في أن يتم سحب أيا من صلاحياته ويريد أن يظل المتحكم بزمام الأمور والسلطة حتى اللحظة الأخيرة. ويبدو الرجل سائرا في هذا الخصوص على نهج زملائه من الرؤساء العرب.
وتكمن الخطورة الحقيقية في أن عدم تعيين أبو مازن نائب له سيدفع الضفة نحو سيناريوهات صعبة تصل حد الفوضى وإراقة الدماء، خاصة وأن القادة التاريخيين لحركة فتح رحلوا عن الحياة، بالتالي لن يكون هناك مرشح تلقائي كما جرت العادة في السابق، فعند وفاة ياسر عرفات قبل خمسة عشر عامًا كان محمود عباس هو المرشح التلقائي في عملية انتقال سياسي هي الأسهل.
ما يفتح الباب واسعًا أمام سيناريو الفوضى في حال الغياب غير المرتب لأبو مازن من المشهد هو ما رصدته تقارير دولية بشأن سباق تسلح بين عناصر حركة فتح في الضفة الغربية وسط مخاوف من مواجهات مسلحة بين مجموعات يقف على رأسها شخصيات تريد خلافة أبو مازن، من بينهم اسم رئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة السابق محمد دحلان.
وإضافة لتلك التقارير تأتي تصريحات سابقة تم تداولها بشكل واسع مع الحديث مجددًا عن صحة عباس، لتوفيق الطيراوي رئيس مخابرات السلطة السابق، والتي ظهر خلالها في مقابلة على تلفزيون السلطة الرسمي في العام 2016، وتحدث حينها، بأنّه بحسب وجهة نظره لن يكون هناك رئيس بعد عباس، مشيرًا إلى أن من سيخلف عباس في الرئاسة إما أنّ يكون قائد ثورة أو رئيسًا على طريقة روابط القرى، وهذا لن يعيش ولن يدوم، في إشارة إلى أنّ الأخير سيكون رئيسًا مواليًا لإسرائيل.
استرضاء الجميع بتقسيم المناصب الثلاثة
السيناريو الآخر والذي يعد الأكثر عملية لحل الأزمة بين القادة المتصارعين، هو توزيع المواقع القيادية التي يشغلها أبو مازن على أعضاء اللجنة المركزية، بحيث يترك باب المنافسة على زعامة حركة فتح بين نائب رئيس الحركة محمود العالول وأمين سر اللجنة المركزية للحركة جبريل الرجوب الذي يعد أحد الصقور المنافسين على خلافة أبو مازن، فيما يتم فتح باب التنافس على المنصبين الآخرين بين باقي المتنافسين لتخفيف حدة الصراع.
المتنافسون على الخلافة
هناك عدد ليس بالقليل يتنافسون على تركة رئيس السلطة، إلا أن الأبرز بينهم، من حيث امتلاك عوامل القوة والنفوذ سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي هم خمسة أشخاص بدرجات متفاوتة.
حسين الشيخ
يعد وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، الذي عين نهاية الشهر الماضي في منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الشخصية الأوفر حظَا في هذا السباق، خاصة أن جميع المراقبين للمشهد الفلسطيني يرون أن التعيين الأخير، ليس له تفسير سوى تعزيز فرصة خلافته لأبومازن.
بهذه الخطوة يدخل الشيخ بقوة سباق المرشحين لوراثة أبو مازن على موقع رئاسة السلطة بشكل عملي، ومن مسافة أقصر، إذ إن ترشيحه في موقع أمانة سر اللجنة التنفيذية يمهد له الطريق لرئاسة منظمة التحرير، وهي خطوة مشابهة سبق أن سار عليها أبو مازن نفسه إبان فترة الرئيس الراحل عرفات.
خارجيًا، يتولى الشيخ ملف الاتصالات السياسية والمدنية مع إسرائيل، وينظر إليه الكثيرون على أنه مفتاح اللقاءات الأخيرة التي جرت بين عباس ووزير الدفاع في حكومة الاحتلال بيني جانتس، كما يعتبر الشيخ وسيطًا مباشرًا بين رئيس السلطة والإدارات الأمريكية والدولية.
مؤخرًا أجرى الشيخ لقاء مع وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد في تل أبيب، وهو ما يعتبر قفزة كبيرة في إطار نقل العلاقات بين السلطة وإسرائيل من المستوى الأمني إلى المستوى السياسي، وهو ما عجز عن تحقيقه رئيس السلطة نفسه.
يتمتع الشيخ بعلاقات واسعة مع حكومة الاحتلال، ما دفع صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، لوصفه في تقرير لها بـ”الرجل النبيل في رام الله”. كما يتبنى الشيخ موقفًا متشددًا من ضرورة الحفاظ على التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية والإسرائيلية.
جبريل الرجوب
يأتي بنفس الفرص تقريبًا في المنافسة الفريق جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح ومسئول الرياضة والشباب في فلسطين، الذي شغل سابقًا موقع قائد الأمن الوقائي في الضفة الغربية.
يرى الرجوب نفسه مرشحًا طبيعيًا لخلافة أبومازن ويعمل على حشد التأييد في الشارع من خلال عمله في مجال الرياضة والشباب.
يعد الرجوب من القلائل في الدائرة المحيطة بعباس ممن يملكون علاقات واسعة بالجانب الإسرائيلي، ويتكلم العبرية بطلاقة وظل لفترة ضيفا على وسائل الإعلام الإسرائيلية.
يعتبر الخصم اللدود لمحمد دحلان القيادي المفصول من فتح بقرار من عباس، والذي تتهمه الرئاسة الفلسطينية بالاختلاس، بعد ما حاكمته غيابيًا.
ظلت فرص الرجوب متراجعة في سباق المنافسة بسبب صدامه المتكرر مع القوى العربية خاصة الرباعية العربية التي تضم مصر والسعودية والأردن والإمارات، باستثناء قطر التي كانت تربطه بها علاقات قوية، جعلت منه المرشح المفضل لها لخلافة عباس.
في عام 2017 منعت السلطات المصرية الرجوب من دخول أراضيها وإعادته على الطائرة نفسها القادمة من الأردن التي كان وصل على متنها، للمشاركة في مؤتمر كانت تنظمه جامعة الدول العربية بشرم الشيخ.
بعد ذلك أدرك الرجوب طبيعة المعادلة التي يجب على الطامحين لخلافة أبو مازن الإمساك بكافة عناصرها، فأخذ في تحسين علاقاته مع مصر التي زارها الشهر الماضي، والتقى كبار المسئولين فيها، كما زار المملكة العربية السعودية بشكل غير معلن في أوقات سابقة أيضًا.
بحكم علاقته الجيدة مع قطر، يمتلك الرجوب قبولًا من جانب حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة، بخلاف منافسه حسين الشيخ الذي تتهمه حماس دائمًا بالفساد والتنسيق مع إسرائيل.
ماجد فرج
ثالث الأسماء المتنافسة في سباق خلافة عباس، هو ماجد فرج رئيس المخابرات شديد القرب من أبومازن وفي ظل سيطرته وقبضته على الأجهزة الأمنية وهو الملف بالنسبة الأهم بالنسبة للاحتلال، إلى جانب علاقاته القوية مع الجانب الإسرائيلي والأمريكي حيث يعد رجل واشنطن المفضل، لكن على المستوى التنظيمي فإن حظوظه ليست كبيرة.
بخلاف الحظوظ التنظيمية، يرتبط فرج بعلاقات قوية جدًا مع أجهزة الأمن العربية المختلفة، وبالتحديد المصرية والسعودية، ما يجعله شخصًا مقبولًا من الأطراف الفاعلة على الساحة.
يحظى بدعم إسرائيلي ويتقن اللغة العبرية، ويعد مهندس العلاقات والتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وبحسب مسئول بارز في السلطة فإن ماجد فرج وحسين الشيخ، هما اليوم أقوى الشخصيات في القيادة الفلسطينية بعد الرئيس.
مروان البرغوثي
رغم وجوده في السجون الإسرائيلية، إلا أن مروان البرغوثي قائد تنظيم فتح الذي قاد الانتفاضة الثانية منذ عام 2000، المحكوم بخمس أحكام بالمؤبد يمثل رقمًا صعبًا في معادلة خلافة عباس، وهو ما دفع ماجد فرج لإخبار الأمريكيين والإسرائيليين بحسب تقارير صحفية عبرية، بأن البرغوثي إذا ما تحرر من السجن وانتخب للرئاسة، فسيلغي التنسيق الأمني مع إسرائيل والولايات المتحدة.
يعتبر المناضل الأبرز هو خيار الجناح المتشدد تجاه إسرائيل في حركة فتح، لأنه قاد الانتفاضة الثانية وهو ما جعل منه قائدًا داخل السجن وقائدًا منتظرًا خارج السجن. كما يرى القطاع العريض من الشارع الفلسطيني بما فيهم معارضو فتح، في البرغوثي مرشحًا طبيعيًا للرئاسة، إلا أن وجوده في السجن الإسرائيلي وإعلان إسرائيل عدم إطلاق سراحه حتى وإن فاز بالانتخابات يجعل من فرصه صعبة، إلا أنها إمكانية مطروحة بشكل أو بآخر.
تصر حركة حماس على تضمين مروان البرغوثي في صفقة الأسرى الجديدة، خاصة وأن كافة التقارير الإسرائيلية تشير إلى أنه حال أتيحت له الفرصة سيهزم أبو مازن ورجاله في المنافسة السياسية. فاستطلاعات المركز الفلسطيني للبحوث السياسية بالفعل تمنح أبو مازن في السنة الأخيرة تأييداً بنسبة 10 – 25 في المئة فقط، بينما يحصل البرغوثي على 22 – 34 في المئة.
محمد دحلان
في مقابل هؤلاء يقف محمد دحلان رئيس ما يعرف بتيار فتح الإصلاحي، الطامع في الرئاسة والخصم اللدود لأبو مازن ينتظر الفرصة الأنسب للانقضاض على الرئاسة.
دأب دحلان على الاستعداد لتلك اللحظة التي يختفي فيها أبو مازن من المشهد، فعمل لسنوات سواء من خلال نسج علاقات عربية عبر رجل الإمارات القوي محمد بن زايد، والذي يعمل مستشارًا أمنيًا له منذ هروبه من الأراضي الفلسطينية، أو عبر تعزيز علاقاته مع أمريكا وإسرائيل، وكذلك عبر تعزيز نفوذه على الأرض في عدة ساحات وخاصة الضفة من خلال العمل على تسليح عناصر من فتح في مخيمات الضفة.
تبقى الإشكالية الأهم، هي أنه يواجه رفضًا كبيرًا من أقطاب النفوذ في الضفة الغربية، الذين يعتبرون أن الرئاسة حكرًا عليهم ويرفضون أن يتولاها شخص من غزة.
وبدعم من مصر والإمارات، وتحت ذريعة الاشتراك في هدف إضعاف سلطة الضفة، تمكن دحلان من تصفية خلافه مع حماس في غزة، عبر دفع “الدية” لأسر ضحايا أحداث 2007، ومن ثم السماح لتياره بالعمل والتجمع وتنظيم المؤتمرات الجماهيرية في القطاع المسيطر عليه من جانب الحركة.