بعد أيام تبدأ أولى جلسات “الحوار الوطني”.. لم يحدد موعد الجلسة حتى الآن، كما لم يعلن تشكيل الأمانة الفنية للحوار، وبالطبع لم ترسل دعوات إلى كل المشاركين. ولكن المؤشرات الأولية صارت واضحة، وجميع المهتمين بالشأن العام تابعوا ما جرى خلال الأسابيع الماضية منذ دعوة الرئيس للحوار قبل شهرين.

مما تابعنا خلال الشهرين الماضيين فإن مسار الحوار يمر ببعض من العقبات، ولازالت العديد من التحديات تلوح في المستقبل المنظور، وعلى من يشارك في الجلسات أن يدرس هذه التحديات ويحدد أولوياته وفق ما تفرضه الظروف.

أول تلك التحديات، تباطؤ عملية الإفراج عن سجناء الرأي، فبالرغم من إخلاء سبيل عدد من المحبوسين احتياطيا والعفو عن “يحيى حسين عبدالهادي”، الا أن العملية شديدة البطء، لازال هناك المئات من المحبوسين احتياطيا في انتظار إخلاء السبيل، وآلاف المحكومين في انتظار قرار العفو الرئاسي، وبحسب تعبير أحد أعضاء لجنة العفو، فإن هناك تخوفا من أن يكون سبب التأخير، هو محاولة “جهات” لتعطيل العملية، وهو ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، غياب الشفافية والتشكك في نوايا الجهات الأمنية كان من أبرز مظاهر السنوات الماضية، وهو ما لا يجب أن يستمر اذا أردنا حوارا حقيقيا حول مستقبل الوطن.

قامت الحكومة بطرح ما سمي “وثيقة ملكية الدولة”، وهي خريطة طريق اقتصادية لخطوات الدولة خلال الفترة القادمة لتجاوز العقبات الاقتصادية الحالية، وقد وردت في الوثيقة خطوات ليست محل توافق منها طرح حصص من الشركات العامة للبيع، وتخارج الدولة من قطاعات لإتاحة الفرصة للقطاع الخاص، فتحولت الوثيقة إلى تحد كبير في مسار الحوار، خاصة لمعارضي سياسات تصفية القطاع العام وبيع أصول الدولة، ويظل التساؤل عن جدوى النقاشات الاقتصادية بجلسات الحوار، إذا كانت الحكومة لديها خطة قد بدأت بالإعلان عنها بالفعل، إلا إذا كان أحد أهداف الدولة من الحوار هو تمرير ما يمكن اعتباره “خطة تقشف حكومية”، وتوريط المعارضين – خاصة من التوجهات اليسارية – مع أجندة تخالف مبادئهم.

البحث عن المعلومة في مصر مهمة شاقة جدا ومعقدة، كما أن قانون “حرية تداول المعلومات” لازال قابعا في أدراج الدولة، في انتظار موافقة الجهات المعنية، وهو ما يضع تحديا آخر أمام المعارضة، في تقييم خطوات النظام خلال الفترة السابقة وطرح البدائل، فلا يمكن صياغة سياسات بغير معلومات وبيانات موثقة.

تجري تحركات سياسية في المنطقة ضمن محاولات رسم خريطة جديدة للمنطقة، مبنية على المصالح الاقتصادية بدلا من الصراعات السياسية، في هذا الإطار جرت اللقاءات المكثفة بين قادة المنطقة، وأهمها زيارة الأميرين “محمد بن سلمان” و”تميم بن حمد” لمصر، وبحسب التسريبات التي نشرتها وسائل إعلام أمريكية فإن اللقاءات تتم قبل زيارة الرئيس الأمريكي “بايدن” إلى المنطقة خلال الأيام القادمة، كما تمت الإشارة إلى أن الزيارة ربما تشهد مراسم نقل السيادة على جزيرتي “تيران وصنافير” من مصر إلى المملكة، وفقا لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينهما، وهو تحد من نوع آخر يواجه الحوار المنتظر، خصوصا مع انخراط قيادات معارضة في الإعداد للحوار، وكان قد سبق لها أن اتخذت مواقف حادة لمواجهة اتفاقية ترسيم الحدود.

لازالت أزمة الإعلام والمجتمع المدني قائمة، رغم صدور القوانين الخاصة بها وتقدم المؤسسات بطلبات لتقنين أوضاعها، ولكن الطلبات لم تنظر وبالطبع لم يتم اتخاذ أي موقف بشأنها، فلازالت المواقع محجوبة بقرار وتنفيذ من جهة “غير معلومة”، كما أن القضية 173 الخاصة بالمجتمع المدني لازالت قائمة، بعد مرور أكثر من 11 عاما على بدء التحقيقات بشأنها.

تدخل المعارضة المصرية جلسات الحوار منهكة القوى ومنزوعة الأنياب، فلا تنظيمات قوية بعد سنوات من التضييقات الأمنية على أي عمل سياسي، وحصار للمجتمع المدني ومصادرة للإعلام، وغياب للمعلومات، بالإضافة إلى ضغوط أهالي سجناء الرأي على المشاركين في الحوار من المعارضة، بالإضافة إلى ما سبق ذكره من تحديات وضعها النظام أو فرضتها الظروف.

أنا أشفق بشكل كبير على كل المشاركين في الحوار من المعارضة، لمواجهة التحديات الداخلية بين صفوفها من اختلافات أيديولوجية، وتحديات خارجية صعبة ومعقدة، بينما يتم ذلك تحت عدسة مقربة من الإعلام الذي قضى أعواما يحرص ضد المعارضين، يأتي كل ذلك مع سقف توقعات مرتفع من جيل صنع التغيير وشهد الثورة، ولم تفت في عضده السنوات الماضية، فلايزال يحلم بدولة العدل والحرية، وينتظر من المعارضين في الحوار أن يعبروا عن آماله وآلامه.