رفعت تصريحات العاهل الأردني عبد الله بن الحسين بتأييده إنشاء “ناتو الشرق الأوسط” منسوب الغموض حول الفكرة التي يتم تسويقها خلال السنوات الأخيرة. والتي تهدف إلى تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي يضم دولا عربية مع إسرائيل.

وفي مقابلة مع شبكة “سي إن بي سي” الأمريكية نهاية الأسبوع الماضي قال ملك الأردن إنه يدعم تشكيل ناتو شرق أوسطي. على أن يتم ذلك بين الدول ذات التفكير المتشابه. “أود أن أرى المزيد من البلدان في المنطقة تنخرط في هذا المزيج. سأكون من أوائل الأشخاص الذين يؤيدون إنشاء ناتو في الشرق الأوسط”.

وأشار إلى أن رؤية مثل هذا التحالف العسكري يجب أن تكون واضحة جداً. ودوره يجب أن يكون محدداً بشكل جيد. وأن يكون بيان المهمة واضحا جدا. وإلا فإنّه يربك الجميع. “بجانب التعاون الأمني والعسكري المحتمل بدأت دول الشرق الأوسط العمل معا لمواجهة التحديات التي نشأت عن حرب أوكرانيا”.

الملك عبد الله عاهل الأردن
الملك عبد الله عاهل الأردن

مشروع تحالف “ناتو الشرق الأوسط” والعدو الاستراتيجي

تصريحات ملك الأردن طرحت الكثير من علامات الاستفهام: “ما مدى واقعية الفكرة؟ وما هي الدول ذات الفكر المتشابه؟ وهل ستكون إسرائيل جزءا من ذاك التحالف؟ وما الأخطار والتحديات التي ستواجهها دول الحلف. وجاءت هذه التصريحات عقب أيام قليلة من إعلان تل أبيب عن تحالف جوي مشترك في الشرق الأوسط لمواجهة إيران.

وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس كشف الأسبوع الماضي عن “شراكة عسكرية إقليمية لمكافحة التهديدات الإيرانية”. في مؤشر على إعادة تقويم التحالفات في منطقة الشرق الأوسط. وخلال جلسة برلمانية في الكنيست قال إن إسرائيل والولايات المتحدة و”شركاء إقليميين” قد طوروا تحالف دفاع جوي نجح في إحباط محاولات إيرانية لمهاجمة إسرائيل ودول أخرى في الشرق الأوسط. مشيرا إلى أن برنامج “الدفاع الجوي للشرق الأوسط” الذي تم بناؤه خلال العام الماضي “يعمل بالفعل على حماية إسرائيل وجيرانها من صواريخ كروز والطائرات دون طيار” -وفق ما نقلت وكالة بلومبيرج.

وألمح وزير الدفاع الإسرائيلي بأن الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط -والمقرر لها منتصف الشهر المقبل- ستدعم هذه العملية.

تأييد إسرائيلي

الصراع الإيراني الإسرائيلي
الصراع الإيراني الإسرائيلي

لا يمكن فصل تصريحات “جانتس” عن برنامج الدفاع الجوي المشترك بين بلاده وبعض الدول العربية. ومنظومة الرادارات التي نشرتها إسرائيل في الإمارات والبحرين. والتي تحدثت عنها وسائل إعلام أمريكية قبل أيام. ثم إعلان ملك الأردن عن تأييده فكرة تشكيل “ناتو شرق أوسطي”. خاصة أن الأخير ناقش هذا المقترح خلال زيارته إلى واشنطن الشهر الماضي مع مسئولين في الإدارة الأمريكية وأعضاء بالكونجرس الذي قدم عدد من نوابه (جمهوريين وديمقراطيين) مشروع قانون يمنح البنتاجون مهلة 180 يوما لتقديم استراتيجية لدمج الدفاعات الجوية لتسع دول عربية: هي دول مجلس التعاون الست إضافة إلى العراق والأردن ومصر مع إسرائيل.

ويتزامن الحديث عن ناتو الشرق الأوسط مع تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران. وغموض يحيط مصير الاتفاق النووي وزيارات متبادلة بين قادة المنطقة كانت أبرزها جولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. والتي شملت مصر والأردن ثم تركيا. ثم استقبال مصر لملك البحرين. وتلتها زيارة العاهل الأردني إلى شرم الشيخ. والتي أعقبها بزيارة إلى أبوظبي لمناقشة “المستجدات الإقليمية وتعزيز أمن المنطقة واستقرارها”.

تحفظ مصري سعودي

الموقف المصري السعودي من ناتو الشرق الأوسط
الموقف المصري السعودي من ناتو الشرق الأوسط

وقالت مصادر مقربة من دوائر صنع القرار في القاهرة والرياض إن ملك الأردن حمل على عاتقه تسويق مشروع “ناتو الشرق الأوسط”. وإقناع قادة دول الاعتدال العربي -التي تتشابك مصالحها- بطرح الفكرة للنقاش والوصول إلى تصور بشأنها قبل زيارة “بايدن”. إلا أن المسئولين في السعودية ومصر تحفظوا على تشكيل تحالف عسكري أو أمني تكون تل أبيب رأس حربة فيه ويحقق لها مصالحها في حصار التهديدات الإيرانية.

وتشير المصادر إلى أن جولة ولي العهد السعودي. والتي شملت القاهرة وعمان وأنقرة كان أحد أبرز أهدافها إحباط الفكرة وهو ما أيدته مصر بشدة. إذ “حسمت القاهرة أمرها ورفضت الدخول في أي أحلاف عسكرية موجهة ضد أي دول في المنطقة”. يقول مصدر مصري قريب من دوائر صناعة القرار.

الحل الدبلوماسي أوقع

ولفت المصدر النظر إلى أن مصر تفضل عدم استفزاز إيران. وأكد أن مصر لن تكون جزءا في حلف عسكري مع دولة الاحتلال. “الثابت في عقيدة مؤسسات الدولة المصرية أن إسرائيل هي العدو الاستراتيجي الأول. وهذه العقيدة لم ولن تتغير. أما التهديدات الإيرانية المحتملة فنحن نفضل التعامل معها بالطرق الدبلوماسية”.

المصدر أشار إلى توافق مصر والسعودية على عدم الاستجابة إلى الضغوط أو حتى دعوات مناقشة الدخول في أي تحالف عسكري تكون إسرائيل في القلب منه. لافتا إلى أن دولة الإمارات -التي غابت عن زيارات ولقاءات ترتيب الأوراق والمواقف- كانت تدفع باتجاه تشكيل الحلف العسكري بين عدد من دول المنطقة وإسرائيل.

قادة العراق والإمارات
قادة العراق والإمارات

وتأتي زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى جدة مساء أمس السبت -والتي سيعقبها بزيارة إلى طهران اليوم الأحد- في إطار تهدئة الأجواء وتقريب وجهات النظر بين اللاعبين الإقليميين.

وقالت مصادر عراقية مطلعة لوكالة الأنباء الألمانية إن “الكاظمي” سيبحث مع ولي العهد السعودي وكبار مساعديه قضايا عدة. يتصدرها سبل تحقيق تقدم في المفاوضات بين السعودية وإيران بما يؤدي إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل بين البلدين.

رسائل طمأنة للحوار الإيراني

ونفت وسائل إعلام عراقية أن يكون العراق جزءا من أي حلف عسكري موجه ضد إيران. خاصة في ظل العلاقة الخاصة بين بغداد وطهران. التي لها مساحة تدخل وتأثير في القرار السياسي العراقي. مشيرة إلى أن “الكاظمي” سيُحمَّل برسائل طمأنة من ولي العهد السعودي إلى النظام الإيراني مفادها أن الرياض لن تقبل بدخول تحالف عسكري مع إسرائيل ضد طهران. بل تنوي استئناف جولات الحوار الاستراتيجي التي بدأت برعاية عراقية قبل شهور.

ميلاد الفكرة وموتها

اتفاقيات إبراهام
اتفاقيات إبراهام

وكانت فكرة تشكيل تحالف عسكري شرق أوسطي قد جرى تداولها بعد أشهر من توقيع اتفاقات إبراهام بين عدد من دول الخليج وإسرائيل برعاية أمريكية. وظهرت الفكرة بمقال لرئيس المؤتمر اليهودي العالمي رونالد لودر في موقع “عرب نيوز” السعودي وتم نشره مترجما في جريدة “الشرق الأوسط”. وأشار فيه إلى أنه شعر بعد جولة له في المنطقة بأن صناع الرأي والقرار في الشرق الأوسط يتشاركون القلق حول الملفات نفسها. لذلك راودته فكرة دمج الصراع العربي الإيراني مع الشراكة العربية الإسرائيلية في مشروع موحد.

“لودر” اقترح أن يدخل العرب والإسرائيليون في تحالف استراتيجي باسم منظمة الدفاع في الشرق الأوسط (MEDO). واعتبر أنها ستكون قادرة على مواجهة خطر إيران. داعيا إلى قصر المشاركة في الحلف على الدول ذات السيادة في المنطقة. دون إجبار أو دفع من أي قوى خارجية.

لم يصدر أي رد فعل رسمي حينها من الدول العربية على مقترح “لودر”. لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية اعتبرت نشر المقترح في منصة “عرب نيوز” الصحفية السعودية. والتي تصدر باللغة الإنجليزية والمملوكة للأمير تركي بن سلمان آل سعود -شقيق ولي العهد محمد بن سلمان- حدثا في حد ذاته. بل يعكس “تسامحا مع طرح الفكرة”. وبثت قناة “آي 24 نيوز” الإسرائيلية تقريرًا حول قيام إسرائيل بإجراء مباحثات مع السعودية والبحرين والإمارات بشأن إنشاء تحالف دفاعي من أربع دول.

وإبان فترة حكم الرئيس الأمريكي باراك أوباما لاحت الفكرة. ثم تجددت خلال فترة دونالد ترامب الذي وضع أسس تشكيل تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط تحت اسمMiddle East Strategic Alliance  -(MESA)- على غرار حلف شمال الأطلسي. وذلك لـ”التصدي لسياسات طهران”. لكن الفشل لاحق المشروعين إثر معارضة الدول العربية الفاعلة والتي يتحسب حكامها من ردود الفعل المؤسساتية والشعبية على اتخاذهم قرارا بدخول حلف عسكري مع إسرائيل.

ناتو الشرق الأوسط من “النقب” لجولة “بن سلمان”

قمة النقب
قمة النقب

خلال الاجتماع الختامي لقمة “النقب” التي عقدت في مدينة “سديه بوكير” جنوبي دولة الاحتلال في مارس/ أذار الماضي قال وزير الخارجية الإسرائيلي إن المشاورات التي جرت بين ممثلي مصر والإمارات والبحرين والمغرب. وبحضور وزير الخارجية الأمريكي. ناقشت تشكيل لجان أمنية لمواجهة تهديدات إيران في المنطقة. مشيرا إلى أن وزراء الخارجية الستة اتفقوا على تدشين شبكة أمنية للإنذار المبكر. ونقل موقع “تايمز أوف إسرائيل” أن المحادثات تركزت حول إنشاء “هيكل أمني إقليمي” لمواجهة التهديدات الإيرانية المتزايدة.

وعند عودته إلى القاهرة نفى وزير الخارجية المصري سامح شكري أن يكون الهدف من قمة النقب بناء تحالف في المنطقة ضد طرف معين. وقال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره القطري محمد عبد الرحمن آل ثان إن استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل أخذت حيزًا كبيرًا في مباحثات قمة النقب. مشيرًا إلى أن المنطقة تواجه تحديات متصلة بالإرهاب والتطرف.

ويؤكد مراقبون سعوديون ومصريون أن مشروع التحالف الذي تحدث عنه العاهل الأردني تم إجهاضه بالفعل. وقال مصدر مصري مطلع إن “المشروع سيفشل كما فشلت مشاريع مماثلة من قبل. وستنتهي زيارة بايدن إلى تفاهمات على زيادة إنتاج البترول الخليجي وحلحلة بعض القضايا العالقة بين دول المنطقة والإدارة الأمريكية”.