منتصف يونيو/حزيران الجاري، وقعت هيئة الشراء الموحد للإمداد والتموين الطبي اتفاقية تعاون مع بيت الزكاة والصدقات المصري الخاضع للأزهر الشريف. نص الاتفاق على بيع الهيئة كل الأدوية والمستلزمات الطبية التي يحتاجها بيت الزكاة لمستحقي الزكاة المقيدة بياناتهم بها.

لم يكن الخبر ملفتًا؛ لكن بعيدًا عن مؤسسة الزكاة، فإن هيئة الشراء التي تأسست قبل أكثر من 3 أعوام، باتت تتحكم الآن في أكبر شركة مصرية لاستيراد الأدوية. وهي الشركة المصرية لتجارة الأدوية. إضافة إلى شركة الجمهورية التي تمتلك أكبر شبكة توزيع أدوية في مصر، وهي مملوكة للحكومة، وتتحكم في مشتريات كل المستشفيات الحكومية والعامة.

شركتا المصرية والجمهورية لتجارة الأدوية
شركتا المصرية والجمهورية لتجارة الأدوية

ما هي هيئة الشراء الموحد؟

في أغسطس/ آب 2019، صدر قانون بتأسيس هيئة الشراء تحت اسم الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية وهيئة الدواء المصرية، برقم 151. ووفقًا لقانون التأسيس، حلّت الهيئة الجديدة بدلًا من الهيئتين القومية للرقابة والبحوث الدوائية، والقومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية، وغيرها من الجهات والكيانات الإدارية ذات الاختصاص بمجال الرقابة على المستحضرات والمستلزمات الطبية.

كما تولت الهيئة الجديدة عمليات الشراء لكل المستحضرات والمستلزمات الطبية لكل المستشفيات والصيدليات، التي سيتعاقد معها مشروع التأمين الصحي الشامل. وقد سبق صدور تلك الهيئة بعام واحد.

يُوضح نص القانون، أن الهيئة باتت الكيان الوحيد المرخص له شراء احتياجات الدولة والجهات والهيئات الحكومية أو أي جهة أخرى يوافق على طلبها مجلس إدارة الهيئة المصرية للشراء الموحد. كما أعطى القانون الحق للهيئة في شراء الأدوية لصالح الجهات الخاصة، مثل المستشفيات الخاصة أو الشركات متعددة الجنسيات.

من يتحمل تكلفة الأرباح؟

يشرح محمود فؤاد، ناشط حقوقي في مجال الصحة، بأن فكرة إنشاء هيئة الشراء الموحد بدأت في عام 2017. وكانت الفكرة في البداية تقوم على توحيد جهة شراء الأدوية والعقاقير والمستلزمات الطبية من الخارج في كيان واحد.

يقول في حديثه لـ”مصر 360″: “لكن مع صدور قانون إنشاء الهيئة فوجئنا بأنها هيئة اقتصادية وليست خدمية. لأن ذلك يعني أن الهيئة كيان يهدف للربح”. ويتساءل: “من أين ستُحقق الهيئة أرباح؟ من بيع المستلزمات الطبية للمستشفيات الحكومية. وبالتالي ذلك يعني زيادة تكلفة الخدمة الطبية على المواطن المصري في النهاية”.

ونصت المادة الثانية من قانون إنشاء الهيئة على أنها اقتصادية لها الشخصية الاعتبارية وخاضعة مباشرة لرئاسة مجلس الوزراء. كما نصت المادة الثالثة على حصولها على 7% من صافي قيمة كل عملية شراء تقوم بها لصالح الجهات الحكومية “مستشفيات وزارة الصحة”. ذلك دون إضافة الرسوم الجمركية أو الضريبية على القيمة المضافة أو غيرها من التكاليف.

اقرأ أيضًا: بعد افتتاح مدينة الخانكة.. كيف تتغير خريطة الدواء في مصر؟

حسب فؤاد، فإن ذلك الربح سيتحقق من النسبة التي ستحصل عليها هيئة الشراء الموحد. وهي محددة وفقًا للقانون بنحو 7% من كل عملية شراء. لكنه يعتقد أن النسبة ربما تزيد عن ذلك. ويشير إلى وجود شكاوى من ارتفاع أسعار الخدمات الصحية والأدوية بمستشفيات وزارة الصحة، حسبما روى لـ”مصر 360″.

ورغم أن القانون يضع نصًا يُلزم هيئة الشراء بإنشاء قاعدة بيانات بكل المخزون الدوري من المستلزمات الطبية والمراكز والمخازن الصحية. إلا إن محمود فؤاد يرى أن هناك ضبابية في هذا الأمر. إذ لا يوجد تنسيق أو تعاون بين هيئة الشراء الموحد ووزارة الصحة التي اعترف بعض مسئوليها بعدم فهم دور هيئة الشراء الموحد.

ويُدلل على ذلك، أنه كثيرًا ما ترد إليه شكاوى من نقص في أدوية معينة مثل البنسلين أو لقاحات معينة. وهو سؤال حائر بين الهيئة التي ترد بأنه وفرت كميات كبيرة منه، ومستشفيات وزارة الصحة التي تُجيب بالنفي، وعدم وجود تلك الأصناف لديها.

هيئة اقتصادية.. هدفها الربح

نص قانون إنشاء هيئة الشراء الموحد على كونها هيئة اقتصادية. علاوة على إتاحة إنشاءها الشركات أو المساهمة في ذلك. ويُعرف الباحث الاقتصادي محمد جاد، في مقال له، الهيئات الاقتصادية بأنها عبارة عن كيانات اقتصادية تمارس نشاطًا يُحقق لها إيرادات لابأس لها. وهذه الهيئات تم بترها عن موازنة الدولة، والسماح لها بإعداد موازنات مستقلة خاصة بها.

ويُتابع في مقاله، أن الهيئات الخدمية يُفترض أن لا تُدر عوائد مالية كبيرة عليه. وبالتالي فهي مختلفة عن الهيئات الاقتصادية.

وبناء على هذا، بدأت هيئة الشراء الموحد بإعداد أول موازنة لها خلال العام المالي 2020/ 2021، نظرًا لكون إنشاؤها كان في منتصف العام المالي 2019/ 2020. ووفقًا لمراجعات لقانون ربط موازنة الهيئة الجديدة، قُدر إجمالي موازنة الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي للعام المالي 2020/ 2021 بقيمة 24 مليار و340 مليون جنيه. منها 22 مليار و720 مليون جنيه تكاليف ومصروفات. فيما قُدرت الإيرادات للعام المالي 23 مليار و800 مليون جنيه (1 دولار=18.76).

فيما بلغ صافي أرباح العام المالي 2020/ 2021 نحو مليار و800 مليون جنيهًا. منها 540 مليون جنيه فائض حكومي و540 مليون جنيه فائض مرحل من موازنة السنة السابقة 2019/ 2020.

الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد
الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد

الفائدة والعبء في إنشاء الهيئة

وبعيدًا عن تخوفات البعض، يعتقد الدكتور علاء غنام، مسئول الحق في الصحة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن توحيد عمليات شراء الأدوية والمستلزمات الطبية في كيان واحد أمر مفيد للصحة وللاستثمار في مجال الصحة المصرية.

ويُضيف لـ”مصر 360″، أن الأمر ليس مفزعًا كونها هيئة اقتصادية. إذ أنه من المُفترض ألا تخسر الهيئة وتكن عبئًا على الحكومة.

إلى ذلك، يلفت محمود فؤاد، ناشط في مجال الصحة، أن فكرة التربح من بيع الدواء أو المستلزمات الطبية أمر قد يُشكل عبئًا أو أزمة في المستقبل. خاصة مع ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم. ويشير إلى وجود ما يعتقد أنه “لغزًا”، في نص القانون على شراء الهيئة أدوية بدلًا من الشركات متعددة الجنسيات العاملة في مجال الدواء.

ويشرح ذلك قائلًا: “في حال احتكرت الهيئة عمليات استيراد الأدوية من الخارج، ستكون مشكلة للاستثمارات الصحية والدوائية في مصر، كون الشركات متعددة الجنسيات هي صاحبة النصيب الأكبر في عملية الاستثمار والمصنّع الرئيسي للأدوية في مصر”.

ويقول، إن الهيئة حصلت على بعض الإعفاءات من الرسوم الجمركية أيضًا. وهذا من شأنه أن يجعلها تُحقق أرباحًا أكبر مقارنة باستيراد الشركات الخاصة للأدوية. كما أنه من حقها عقد صفقات شراء مباشرة مع الموردين من الشركات الصحية والدوائية.

سيطرة على المستشفيات

في يوليو/تموز 2020، أقرت وزارة الصحة بمسئولية هيئة الشراء الموحد عن عمليات شراء كل الاحتياجات الطبية. ومنعت على كل المستشفيات إجراء أو إبرام أي عمليات شراء للأدوية أو المستلزمات الطبية. وذلك في خطاب أرسلته لكل مديريات الصحة في المحافظات.

وبحسب نص الخطاب الذي حصل “مصر 360” على نسخة منه، فإن ذلك يعدّ تنفيذًا للقانون رقم 151 لسنة 2019 الخاص بإنشاء الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي. ويتضمن في مادته العاشرة “لا يجوز لأي من الجهات الإدارية شراء المستحضرات أو المستلزمات الطبية من غير عن طريق الهيئة إلا في أحوال الضرورة وبعد أخذ رأي مجلس إدارتها وموافقة مجلس الوزراء، ويقع باطلا كل تصرف يتم بالمخالفة لاختصاص الهيئة بالشراء الموحد”.

ويرى فؤاد، أن الهيئة بذلك باتت المُتحكم الأول في عمليات الشراء لصالح المستشفيات الحكومية بناء على أمر إداري. لكنها أيضًا منعت فسادًا كان يحدث في المستشفيات من جانب بعض مديري المستشفيات. ذلك عبر إبرام تعاقدت مع شركات لشراء معدات طبية أو مستلزمات ذات جودة أقل.

تعداد المستشفيات في مصر
تعداد المستشفيات في مصر

ويقول: “في كل قضايا الفساد الخاصة بالمستشفيات كان القاسم المشترك فيها هو الشراء بالأمر المباشر”. وكان ذلك عن طريق مدير المستشفى، ومن خلال بند كان يسمح للمستشفيات بالتعاقد على شراء مستلزمات طبية دون الرجوع لوزارة الصحة ويسمى (أمر طارئ).

أكبر شركات استيراد توزيع حكومية

في ديسمبر/كانون الأول 2020، أنهت هيئة الشراء الموحد والإمداد إجراءات ضم شركتي المصرية للأدوية، والجمهورية للأدوية. ذلك بعد تنفيذ صفقة نقل الملكية من الشركة القابضة للأدوية. وقد بدأت في شهر مارس 2021.

ووفقًا للقرار الصادر عن مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، نُقلت ملكية أسهم كل من شركة الجمهورية لتجارة الأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية والشركة المصرية لتجارة الأدوية من الشركة القابضة للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية التابعة لوزارة قطاع الأعمال إلى الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبى وإدارة التكنولوجيا الطبية.

اقرأ أيضًا: بزنس سوق الدواء.. القطاع العام يخرج من حلبة المنافسة والخاص يستحوذ على 90%

وتضمنت عملية نقل الملكية، النقل بالقيمة الأسمية لكل من الشركتين. وتبلغ 450 مليون جنيه، بواقع 300 مليون للمصرية للأدوية و150 مليون للجمهورية للأدوية. ووفقًا لمراجعات أجريناها للموقع الإلكتروني للشركتين، فإنهما وضعتا شعار هيئة الشراء الموحد على الواجهة الرئيسية الخاصة بهم.

الشركة المصرية للأدوية

وتعدّ الشركة المصرية لتجارة الأدوية إحدى أكبر مستوردي وموزعي الدواء في مصر. فضلًا عن أنها الشركة الوطنية المنوط بها مسئولية استيراد احتياجات البلاد من الأدوية المستوردة ذات التقنية التكنولوجية الجديدة والتي ليس لها بدائل محلية. فضلًا عن أدوية الأورام والبيو تكنولوجي بما يكفى حاجة المواطنين والمستشفيات والمؤسسات الصحية والعلاجية والدوائية. كذلك هي الشركة المسموح لها بتداول الأدوية المستوردة غير المسجلة وغير المسعرة. فضلًا عن توزيعها من خلال صيدليات الشركة المصرية والتي يبلغ عددها 60 صيدلية.

كما أنها الشركة الوحيدة المصرح لها شراء وبيع الأدوية المؤثرة على الحالة النفسية والأدوية المخدرة. وتمتلك الشركة 55 فرعًا تبيع للصيدليات الأهلية بكل المحافظات. علاوة على امتلاكها 5 مراكز لتموين المستشفيات بالمحافظات الرئيسية كالقاهرة، وأسيوط، والمنصورة، والإسكندرية.

وبحسب المؤشرات المالية للشركة، فقد حققت إيرادات خلال العام المالي 2020/ 2021 قُدرت بحوالي 11 مليار و663 مليون و112 ألف جنيهًا. ذلك بزيادة عن العام المالي 2019/ 2020 والذي حققت فيه نحو 10 مليار و592 مليون و808 ألف جنيهًا.

شركة الجمهورية للأدوية

أما شركة الجمهورية للأدوية والتي تعدّ الشركة الحكومية الأولى المُتخصصة في تلبية احتياجـــات مصانع الأدوية في مصر من الخامات الدوائية ومسـتلزمات الإنتاج والآلات الإنتاجية، كما تقوم بتدبير احتياجات القطاع الطبي والمستشفيات خاصة وزارة الصحة والقــوات المسلحة مـن الأجهزة الطبية وأجهزة الأشعة والمستلزمات الطبية.

وتمتلك الشركة فروعًا في 7 محافظات، بعدد 23 فرعًا لتوزيع الأدوية سواء التي تُصنع في المصانع الخاصة أو الحكومية.

وتُوضح المؤشرات المالية لشركة الجمهورية، أنه خلال العام المالي 2018/ 2019 حوالي 3 مليار و281 مليون و548 ألف جنيهًا، مقارنة بـ 1 مليار و285 مليون و110 ألف جنيهًا خلال العام المالي 2017/ 2018.

في النهاية، يلفت تقرير صادر عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية إلى أن أزمة هيئة الشراء الموحد خلال العامين الماضيين تتلخص في تركيز هيئة الشراء الموحد على الشراء بأسعار مخفضة كهدف وحيد في عمليات الشراء مما يتسبب في هروب الاستثمارات المحلية نتيجة لعدم قدرتها على تحقيق الاشتراطات المطلوبة، وبالتالي لابد من سرعة تدارك المشكلة وحلها.

تدبير احتياجات الوزارة والجهات التابعة من الأدوية والمستلزمات الطبية
تدبير احتياجات الوزارة والجهات التابعة من الأدوية والمستلزمات الطبية