سجلت أسعار الذهب ارتفاعًا في البورصة العالمية، في أول رد فعل على إعلان أربع دول من السبع الصناعية الكبرى فرض حظر على الذهب الروسي، في إطار حزمة عقوبات جديدة ضد موسكو ردًا على العملية العسكرية التي تشنها في أوكرانيا منذ فبراير الماضي.

تسبب القرار الذي تبنته “بريطانيا والولايات المتحدة وكندا واليابان” خلال قمة الدول السبع الصناعية الكبرى التي تستضيفها العاصمة الألمانية برلين لبحث استراتيجيات لتأمين إمدادات الطاقة ومعالجة التضخم، في ارتفاع سعر الأوقية عالميًا إلى 1838.15 دولار، بحلول الواحدة بتوقيت القاهرة اليوم الاثنين.

يمثل الذهب الروسي الرقم الثاني في الصادرات الروسية بعد الطاقة إذ تنتج روسيا نحو 10% من الذهب المستخرج على مستوى العالم سنويًا، وزادت حيازتها من الذهب ثلاثة أضعاف منذ أن ضمت شبه جزيرة القرم عام 2014.

عام 2021، أنتجت روسيا نحو 9.87 مليون أوقية من الذهب، ما يجعلها ثالث أكبر منتج للذهب بالعالم، وتحول عدد متزايد من المناجم الروسية إلى الشرائح الأدنى من منحنى التكلفة على أساس فصلي في مؤشر على تحسين الشركات الكفاءة الإنتاجية عن طريق تقليل التكلفة المرتبطة بكل مستوى من مستويات الإنتاج.

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، اعتبر أن العقوبات الموجهة ضد الذهب الروسي ستطال بشكل مباشر أثرياء السلطة الروس وما أسماه بـ”قلب آلة بوتن الحربية” وخطوة في تجفيف منابع تمويل النظام الروسي، بينما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن تصدير الذهب يدر عشرات المليارات من الدولارات على موسكو.

اقرأ أيضًا.. مليون أوقية جديدة بالصحراء الشرقية.. هل يُعيد منجم “إيقات” مصر إلى خريطة الذهب العالمي؟

حظر الذهب الروسي.. دعاية غربية لحفظ الوجه

رغم “البروباجاندا” التي تم تسويها لقرار حظر الذهب الروسي، لكن التحليلات تسير في اتجاه آخر، حتى أن خبراء الاقتصاد اعتبروها مجرد دعاية أكثر منها إجراء عقابيًا ملموسًا ومؤثر خاصة بعدما تقلصت المجالات التي يمكن للدول الغربية استهدافها بالعقوبات وعدم قدرتها على إثناء روسيا على التراجع، حتى أن وزير الدفاع الروسي اختار موعد زيارته الأولى لقواته بأوكرانيا بالتزامن مع اجتماع “جي 7”.

على العكس يؤدي القرار إلى ارتفاع أسعار الذهب ويعطي المناجم فرصة للاستفادة من هوامش السيولة المرتفعة، ومن التوقع أن يساهم في شراء البنك المركزي الروسي المزيد من الذهب من السوق المحلية مثلما حدث من قبل عندما فُرضت عقوبات دولية على موسكو بعد أن ضمت شبه جزيرة القرم قبل ثماني سنوات.

يقول جيفري هالي، كبير محللي آسيا والمحيط الهادي في “بلومبرج”، إن حظر مجموعة السبع على استيراد الذهب الروسي يقدم بعض الدعم قصير الأجل للأسعار، ولن يحمل تغيرا هيكليًا في توقعات العرض أو الطلب التي ستدعم الأسعار التي تتحرك بين مستويي 1780 و1880 دولارًا منذ أوائل مايو/ أيار الماضي.

مع إزالة جمعية سوق السبائك في لندن الذهب الروسي من مصافي التكرير من قائمتها، ارتفعت أسعار الفضة في التعاملات الفورية بنسبة 1.2% إلى 21.36 دولارًا للأوقية، والبلاتين بنسبة 0.5% إلى 912.00 دولارًا، وارتفع البلاديوم 0.6% إلى 1886.65 دولار.

وقال وارن باترسون، رئيس إستراتيجية السلع في بنك “أي إن جي” الهولندي، إن تأثير الحظر على واردات الذهب الروسية من قبل دول مجموعة السبع سيكون محدودًا، إذ تم اتخاذ خطوات لتقييد الذهب الروسي بالفعل، ما يجعل القرار مجرد أمر رمزي.

العقوبات الأوروبية ضد روسيا

مجموعة السبع تعيد للذهب المنحنى الصاعد بعد تأثره بأسعار الفائدة

أسهم قرار حظر الذهب الروسي في إنقاذ أسعار الذهب التي اتسمت بأداء متذبذب خلال الأسابيع الأخيرة وآخرها 0.7% الأسبوع الماضي، بسبب رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الفائدة، وعزمه المزيد من الزيادات للسيطرة على التضخم.

فيفيك دار، محلل السلع الأساسية في بنك الكومنولث الأسترالي، يعتبر أن الحظر مجرد إضفاء الطابع الرسمي على ما تم تطبيقه من عقوبات، ولم يكن يتوقع أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الذهب بشكل ملموس.

منذ الحرب تشهد روسيا زيادة كبيرة في الطلب على الذهب في سوق التجزئة المحلي بعد إلغاء الحكومة ضريبة القيمة المضافة على مشترياته وهي خطوة تمت مناقشتها منذ فترة طويلة- في أعقاب تداعيات الحرب في أوكرانيا.

يقول محللون إن الدول السبع الصناعية الكبرى تستورد 90% من الإنتاج الروسي لكنه يمثل نحو 10% فقط من إجمالي وارداتها، فشركات الذهب العاملة بروسيا بدأت بالفعل منذ إبريل الماضي البحث عن عقود تصدير مباشر للإمارات والصين بجانب الهند والدولتين الأخيرتين اللتين هما من أكبر الدول طلبًا على الذهب ليستا أعضاء في مجموعة السبع الصناعية.

كما تعهد البنك الروسي بالشراء عند مستوى 5 آلاف روبل للجرام، بما يعادل 1,880 دولار للأوقية حينها لكنه ربما يعيد النظر في السعر مع ارتفاع الأسعار حاليًا.

اقرأ أيضًا.. “الملاذ الآمن”.. “كورونا” يغير خريطة مبيعات الذهب في مصر

موسكو جهزت بديلاً لصادراتها إلى السوق الأوروبية

يبدو أن الذهب الروسي يجد طريقه مجددًا للأسواق الأوروبية بشكل غير مباشر ففي نهاية فبراير/ شباط الماضي الذي شهد نشوب الحرب، أوقفت مصافي الذهب السويسرية، المسئولة عن تكرير حوالي 70% من الذهب في العالم، استيراد المعدن النفيس مباشرة من روسيا، منذ فرض العقوبات الاقتصادية عليها.

لكن المكتب الفيدرالي للجمارك وحماية الحدود سجل دخول 36 طن ذهب قادمة من الإمارات بقيمة تصل إلى 2.1 مليار فرنك سويسري، وهي أكبر كمية مستوردة في شهر واحد خلال السنوات الستة الماضية، ودار جدل محلي حول ما إذا كان الذهب الروسي يدخل سويسرا عبر دبي، وبالتالي يتم التحايل على العقوبات المفروضة على موسكو.

تراهن موسكو أيضًا على أن الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد العالمي حاليًا ستخلق المزيد من الطلب على الذهب من قبل البنوك المركزية التي ستتخذه وسيلة تحوط خاصة مع تخوفات من فقدان الدولار لقيمته كعملة أساسية في مكونات الاحتياطي النقدي للدولة على المدى البعيد.

بيانات مجلس الذهب العالمي، كشفت ارتفاعًا في حيازة البنوك المركزية للذهب حول العالم إلى 35.568 ألف طن في يونيو/ حزيران 2022 للشهر الثالث على التوالي.

شهد شهر إبريل الماضي ارتفاعًا بمقدار 19.4 طن مقارنة بانخفاض 9.4 طن في مارس/أذار السابق، وكانت أوزبكستان أكبر مشترٍ بعدما زادت احتياطياتها بمقدار 8.7 طن، تلتها تركيا التي اشترت 5.6 طن ثم كازاخستان التي اشترت 5.3 طن في الفترة ذاتها.

 

هل يحمل حظر الذهب الروسي تأثيرا على السوق المحلية؟

تأثير ارتفاع سعر الذهب على السوق المحلية يتعلق بالسعر وليس بالوفرة، فسعر الجرام يتحدد بناء على معادلة تتضمن حاصل ضرب سعر الأوقية العالمية في سعر صرف الدولار.

وسجل عيار 14 نحو 672 جنيهًا في السوق المحلية، بحلول الساعة الثالثة مساء اليوم الاثنين بتوقيت القاهرة، بينما بلغ عيار 18 نحو 862 جنيهًا، وعيار 21 (الأكثر انتشارًا واستخدامًا بمصر) نحو 1006 جنيهات، وعيار 24 نحو 1150 جنيهًا.

بحسب وصفي واصف، رئيس شعبة الذهب سابقًا، فإن مصر لديها اكتفاء من الذهب ولا تستورد من الخارج حاليًا وبالتالي لن يحمل القرار تأثيرًا عليها فيما يتعلق بالمعروض من الذهب حاليا أو في المدى الزمني الطويل، مضيًفا أن سوق الذهب المحلي تشهد قدرًا من الركود حاليًا مع ارتفاع الأسعار خلال الفترة الأخيرة.