قبل بضعة أشهر، بدت الحرب بين الحكومة وجماعة الحوثي في اليمن وكأنها واحدة من أكثر الصراعات استعصاءً في العالم. فبعد سبع سنوات من القتال، تفككت البلاد إلى خليط من الجماعات المتنافسة المتسلحة بشكل متزايد. والمدعومة من مجموعة من القوى الخارجية، بما في ذلك إيران والسعودية والإمارات.

تنوعت الأطراف المتورطة في الصراع، من المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء، والجماعات التي تقاتل الحوثيين على الأرض، وحكومة اليمن المعترف بها دوليا. وبالطبع التحالف الذي تقوده السعودية والذي يدعم الحكومة. لم يبد أحد من هؤلاء طيلة السنوات الماضية على استعداد لتقديم التنازلات اللازمة لإنهاء الصراع.

واليوم وصل القتال إلى أدنى مستوياته منذ بدء الحرب. فقد توقفت الهجمات عبر الحدود، سواء من قبل التحالف الذي تقوده السعودية على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. أو ضربات الحوثيين الصاروخية والطائرات بدون طيار التي يطلقونها على السعودية والإمارات.

ولأول مرة منذ ست سنوات، استؤنفت الرحلات الجوية التجارية في صنعاء. وفي الحديدة، ويؤدي التدفق المستمر للناقلات الآن إلى جلب الوقود الذي تشتد الحاجة إليه في لبلاد. كل هذا أصبح ممكنا بفضل الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة والتي تم التوصل إليها في إبريل/ نيسان الماضي. بين الحوثيين والحكومة اليمنية

اللافت للنظر أن الهدنة لم تصمد فحسب، بل تم تمديدها لشهرين إضافيين.

اقرأ أيضا: فشل مفاوضات «فك حصار تعز» يضع اليمن أمام سيناريو الحرب الشاملة

الحوثيون.. الثيوقراطية تحكم

في تحليل جديد نشرته Foreign Affairs. يُفكك بيتر ساليسبري، محلل اليمن في مجموعة الأزمات الدولية. وألكسندر فايسنبرجر، الباحث في معهد الأنثروبولوجيا الاجتماعية التابع لأكاديمية العلوم النمساوية. “ماهية الحوثيون”، لمعرفة أفضل الطرق للتفاهم معهم من قِبل المجتمع الدولي. خاصة أن الهدنة لا تزال هشة. مع استمرار تحولات القوة في ساحة المعركة.

لسنوات عديدة، وُصِف الحوثيون على أنهم متطرفون إسلاميون يسعون إلى تنصيب ثيوقراطية -الحكم الديني- شديدة المحافظة في اليمن. وأنهم وكلاء إيرانيون، وثوار مناهضون للغرب، وحتى إرهابيون، بعد تصنيفهم على أنهم جماعة إرهابية من قبل إدارة ترامب.

لكن، لا تعطي أي من هذه الصفات الصورة الكاملة.

يسمي الحوثيون حركتهم “أنصار الله”، ويصورون أنفسهم على أنهم ثوار يقاومون التأثير المفسد والقهر للقوى الغربية وإسرائيل. والتي يشيرون إليها غالبًا باسم “الكيان الصهيوني”. وهم حركة شيعية زيدية، تُعّد قريبة إلى المنهج السني منها عن “الشيعة الاثنا عشرية”. لذلك، تم اتهام الحوثيين بالسعي إلى إعادة الإمامة الأوتوقراطية الدينية التي حكمت اليمن لألف عام.

حتى ثورة اليمن في الستينيات، تركزت أيديولوجية الحوثيين على تعاليم مؤسسهم، حسين بدر الدين الحوثي -وهو رجل دين زيدي- وفي السنوات التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001. كونت الجماعة أتباعًا في شمال اليمن. وقد تأثر الحوثي بشدة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، والحركات الإسلامية السياسية مثل الإخوان المسلمين. وأبدت الجماعة غضبها من “الحرب الأمريكية على الإرهاب”.

جادل الحوثي بأن التدخلات الغربية في الشرق الأوسط – ودعم إسرائيل على وجه الخصوص- كانت تهدف إلى إخضاع العالم الإسلامي وسرقة موارده. وأنه فقط من خلال العودة إلى الشكل الصحيح للإسلام يمكن للأمة تجنب الهيمنة الأجنبية.

قُتل الحوثي نفسه على يد قوات الأمن اليمنية عام 2004 في أولى الحروب بين أتباعه وحكومة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح. وارتقى الأخ غير الشقيق الأصغر للحوثي “عبد الملك” ليحل محل أخيه كزعيم للحركة. وقاد المعارك ضد القوات اليمنية في موطن الحوثيين، على الحدود مع المملكة العربية السعودية. ولا يزال زعيم الجماعة، رغم أنه لم يظهر علنًا منذ سنوات.

صالح والحوثي.. من القتال إلى التحالف

في خريف 2014، سيطرت جماعة الحوثي على صنعاء، وأطاحت بالرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، خليفة صالح. ما دفع الرياض إلى إعلان أنها تواجه “حزب الله على حدودها الجنوبية”. قاصدة وجود وكيل إيراني يشكل تهديدًا لأمن المملكة. في مارس/ آذار التالي، عندما تحول الحوثيون وأعداؤهم السابقون إلى حلفاء موالين للرئيس السابق صالح، طاردوا هادي جنوبًا إلى مدينة عدن الساحلية، بينما جمعت الرياض تحالفًا عسكريًا قالت إنه سيهزم الحوثيين ويعيد هادي إلى السلطة. بعد فترة وجيزة، بدأت الرياض هجومًا جويًا على اليمن -بمساعدة المخابرات وأنظمة الأسلحة الأمريكية- لدعم حكومة هادي.

خلال سبع سنوات من القتال، لم يكتسب أي من الطرفين اليد العليا بشكل كامل. مع تأرجح ميزان القوى بين القوات المتنافسة. في الآونة الأخيرة -حتى أواخر عام 2021- وبدا أن الحوثيين على وشك الاستيلاء على مأرب الغنية بالنفط والغاز من القوات المتحالفة مع الحكومة اليمنية.

وفي يناير/كانون الثاني، وفبراير/شباط 2022. نجحت القوات المناهضة للحوثيين المتحالفة مع الإمارات في وقف حملة مأرب. وتسببت في خسائر كبيرة للحوثيين. على الرغم من أن الجماعة تقول إنها تواصل السعي للسيطرة على مأرب، لكن يبدو أن الانتكاسات على الأرض أجبرت الحوثيين على التفكير في الهدنة الجديدة التي توسطت فيها الأمم المتحدة مع الحكومة هذا الربيع، والتي جرى تمديدها.

يقول التحليل: لكن هذا ترك أيضًا دون إجابة السؤال الأكبر حول نوع التسوية الأوسع التي قد يكون الحوثيون -أو خصومهم- على استعداد لقبولها.

اقرأ أيضا: اختبار الهدنة: الحوثيون وحرب السرديّات في اليمن

الحوثي.. السلام قبل السياسة

منذ عام 2019 على الأقل، اقترح الحوثيون خطة واسعة لإنهاء الحرب تشمل وقف إطلاق النار. وفترة انتقالية للحوار الداخلي يشرف عليها طرف ثالث غير يمني محايد، وإعادة الإعمار. لكنهم وضعوا أيضًا شروطًا. في عام 2020، جعل الحوثيون إعادة فتح مطار صنعاء الدولي وإنهاء القيود المفروضة على دخول السفن إلى ميناء الحديدة شرطًا للحوار من أي نوع.

يلفت التحليل إلى أن جماعة الحوثي يعتقدون أنهم يواجهون نزاعين مترابطين ولكن منفصلين. الأول حرب مع السعودية، والثاني صراع على السلطة السياسية في اليمن لا يمكن حله إلا بعد طرد القوات الأجنبية من البلاد. يرفضون فكرة أن القتال على الأرض في اليمن يشكل حربًا أهلية، ويصفونها بدلاً من ذلك بأنه “عمل عدواني بقيادة الولايات المتحدة ونفذته السعودية” ضد حكومتهم الشرعية في صنعاء.

كما يصفون خصومهم اليمنيين بأنهم من مؤيدي القاعدة. ومرتزقة مسلحين ومدفوعين من السعودية والولايات المتحدة “لطالما أكد الحوثيون أن السبيل الوحيد لتحقيق السلام هو وقف الضربات الجوية التي تقودها السعودية. والانسحاب الكامل للقوات الأجنبية من اليمن. في المقابل، سينهي الحوثيون هجومهم عبر الحدود”.

هكذا يرى الحوثيون أن الموافقة على وقف الحرب الجوية والبرية، وفق شروط الهدنة الأممية. سيكون تنازلاً كبيراً في مقابل جهد جزئي لتلبية مطالبهم، وعملاً إضافياً من أعمال حسن النية من جانبهم.

بينما تخشى القوات المناهضة للحوثيين -داخل البلاد وخارجها- من أن يسمح اقتراح الحوثيين بدخول البلاد بأكملها تحت سيطرتهم. الأمر الذي يرون أنه مرادف لتأسيس نظام ديني قمعي “إذا قام التحالف الذي تقوده السعودية بسحب دعمه للقوات المناهضة للحوثيين في اليمن. فسيكون الحوثيون أقوى فصيل في الدولة التي مزقتها الحرب. بالنسبة للسعوديين، فإن الموافقة على شروط الحوثيين برمتها سيعني فعليًا التنازل عن النصر للجماعة دون أي ميزة سوى إنهاء استنزاف الموارد السعودية”.

أسلحة طهران الفتاكة

لم يفعل الحوثيون الكثير لبناء الثقة بين خصومهم. من غير المؤكد لبقية البلاد أن الطرق التي ستؤثر بها أيديولوجية الحوثيين على رؤيتهم لحكم اليمن لا تزال غير واضحة. على الرغم من أن حسين بدر الدين الحوثي كان معارضًا بشدة لنظام الحكم الجمهوري في اليمن -لأنه قد يسمح لليهودي بأن يصبح رئيسًا للدولة على حد قوله- إلا أنه لم يقترح شكلاً آخر من أشكال الحكم. وقد قال قادة الحركة الحاليون إنهم ملتزمون بنظام جمهوري، ولا يسعون إلى إعادة الإمامة. وحتى مع بعض التحذيرات، يأملون في إقامة ديمقراطية.

لكن العديد من معارضي الحوثيين يعتقدون أن حكمهم سوف يستلزم حكمًا دينيًا قائمًا على الطبقية الاجتماعية، ومتحالفًا مع إيران. بالفعل أقام الحوثيون في معظم المناطق التي يسيطرون عليها دولة بوليسية تقمع أي خطاب ينتقد . ويفرض أعرافًا اجتماعية محافظة، بما في ذلك حظر الموسيقى والفصل بين الجنسين. ويفرض أيديولوجية الجماعة في المدارس والمؤسسات الحكومية.

إضافة إلى كل هذا، يعتمد الحوثيون على الدعم الإيراني. الذي كان محدودا في بداية الحرب. لكن من الواضح أن العلاقة نمت وتعمقت على مدار الصراع. فقد حصل الحوثيون على أنظمة صواريخ وطائرات مسيرة إيرانية وصنعوها ونشروها على نطاق متزايد. يمكن أن تصل ترسانتها الآن إلى أهداف تبعد 800 ميل أو أكثر، بما في ذلك الرياض وأبو ظبي.

هنا، يخشى المسئولون الإسرائيليون من أن يتمكن الحوثيون قريباً من شن هجمات على جنوبي إسرائيل. بينما أسفرت الجهود المبذولة للقضاء على شبكات التهريب التي تعمل عبر السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر إلى اليمن. عن مصادرة بعض الأسلحة، لكنها لم توقف تدفق الأسلحة.

ورغم نفي الحوثيين تلقيهم أوامر من طهران. ولطالما وصفوا أنفسهم بأنهم لاعبون ذوو أهمية متزايدة فيما يسمى بمحور المقاومة – تحالف إيران وسوريا وحزب الله وأحيانًا حماس والجماعات شبه العسكرية المدعومة من إيران في العراق- لذلك، حتى لو انتهت الحرب. من غير المرجح أن تتنازل إيران عن شراكة استراتيجية مع قوة عسكرية كبرى في شبه الجزيرة العربية.