زيارة مفاجئة في توقيت دقيق قام بها أمير قطر تميم بن حمد إلى مصر مؤخرا. فيما تشهد المنطقة حراكا واسعا. خصوصا قبل الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط منتصف يوليو/تموز  المقبل. ما دفع الأكاديمي الإماراتي المقرب من دوائر صناعة القرار في بلاده عبد الخالق عبد الله للقول بأنها “الزيارة الأهم والمصافحة الأهم والابتسامة الأهم هذا الأسبوع”. وذلك تعليقا على صورة استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لـ”تميم”. رغم أن الأسبوع المشار إليه تضمن زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مصر.

في إبريل/نيسان الماضي أعلنت قطر نيتها استثمار أكثر من 4.5 مليار دولار في مصر. في وقت أعلنت فيه الحكومة المصرية عن سياسات جديدة. خاصة بجذب الاستثمارات الأجنبية وإشراك القطاع الخاص والاستعداد لطرح شركات مملوكة للحكومة في البورصة. فيما لم يتضح بشكل دقيق مصير ملف جماعة الإخوان المسلمين. والتي كان دعمها من جانب الدوحة أساس خلافات مصر وقطر في أعقاب الإطاحة بحكم الجماعة في مصر 3 يوليو/تموز 2013 .

تكهنات كثيرة أثيرت فور الإعلان عن الزيارة بشأن أهدافها وتوقيتها. فيما تزايدت التكهنات في أعقاب صدور البيان الختامي. والذي تضمن اعترافا رسميا من الدوحة بثورة 30 يونيو/حزيران.

عودة اللقاءات القطرية المصرية
عودة اللقاءات القطرية المصرية

التوسع في الاستثمارات القطرية في مصر

بشكل واضح أشار البيان الرسمي الصادر عن مؤسسة الرئاسة المصرية في أعقاب المشاورات التي جرت بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر إلى التوافق بين البلدين. فيما يخص الاستثمارات القطرية بالقول: “تم التوافق على تطوير التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات. خاصةً في قطاعات الطاقة والزراعة. إلى جانب التعاون الاستثماري وتنشيط حركة التبادل التجاري. وتحديدا ما يتعلق بتعزيز تدفق الاستثمارات القطرية إلى مصر في ضوء خدمتها للمصالح المشتركة للبلدين”.

ووفقا لأحدث بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري سجلت الاستثمارات القطرية في مصر خلال الربع الأول من العام المالي الجاري من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول 2021 نحو 121.8 مليون دولار. وذلك بعدما سجلت الاستثمارات القطرية في مصر تراجعًا خلال الفترة بين أعوام 2016- 2017 و2017- 2018. قبل أن تعود إلى مستويات مرتفعة بداية من عام 2018- 2019.

بنوك وعقارات

استثمارات قطر في مصر
استثمارات قطر في مصر

وتتنوع الاستثمارات القطرية في مصر بين البنوك والعقارات. فيما يعد أبرزها بنك قطر الوطني الأهلي مصر (QNB) وشركة الديار العقارية. بجانب إسهام شركة قطر للطاقة عبر شركة التكرير العربية باستثمارات في مشروع مصفاة الشركة المصرية للتكرير.

وكان آخر الاستثمارات القطرية في مصر إعلان العملاق القطري “قطر إنرجي” نهاية مارس/آذار الماضي إبرام اتفاقية مع شركة إكسون موبيل للاستحواذ على حصة في منطقة استكشاف قبالة سواحل مصر.

بموجب شروط الاتفاقية ستمتلك شركة قطر للطاقة 40% من حصة المقاول في منطقة شمال مراقيا البحرية في البحر الأبيض المتوسط. في حين أن شركة تابعة لإكسون موبيل “المشغل” ستحتفظ بنسبة 60% المتبقية من الامتياز.

وسبق هذه الاتفاقية إعلان شركة الديار القطرية بدء تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع “سيتي جيت” بمليار جنيه خلال حفل أقيم أكتوبر/تشرين الماضي. سبقها افتتاح الشركة فندق سانت ريجينس المطل على النيل قرب مقر وزارة الخارجية المصرية قبل أن تعلن الشركة نفسها افتتاح فندق آخر في العاصمة الإدارية.

وكشف مصدر مطلع على العلاقات بين البلدين أن هناك توافقات تم تأكيدها خلال زيارة الأمير القطري بشأن استثمارات لبلاده تصل قيمتها إلى نحو 12 مليار دولار تعتزم الدوحة ضخها في السوق المصرية خلال السنوات الثلاثة المقبلة.

ووفقا للمصدر فإن هناك اهتماما قطريا بقطاعي الطاقة والنقل البحري والمواني في مصر. حيث تعتزم الدوحة توجيه جانب كبير من استثماراتها المرتقبة في قطاع المواني المصرية تحديدا.

حديث المصدر الذي تحدث لـ”مصر 360″ تدعمه تصريحات سابقة لوزير النقل المصري كامل الوزير خلال زيارة قام بها إلى قطر في 17 إبريل/نيسان الماضي التقى خلالها نظيره القطري جاسم السليطي.

خطط النقل

وزير النقل كامل الوزير
وزير النقل كامل الوزير

وقال الوزير المصري إن مصر وقطر بصدد توقيع مذكرات تفاهم تمهيدا لتوقيع اتفاقات لتشغيل إحدى محطات ميناء “السخنة” المصرية بشكل مشترك. لافتا إلى أن خطة قطر الشاملة للنقل 2022-2050 تتطابق مع استراتيجية مصر للنقل 2050. مؤكدا وجود خطط كبيرة بين البلدين في مجال المواني والنقل البحري والكهربائي على غرار المونوريل والقطار الكهربائي الخفيف.

ووسط توسع قطر في تطوير مواردها الاقتصادية بعيدا عن موارد الطاقة “نفط وغاز مسال” بدأت عبر “صندوق قطر للاستثمار” المختص بالاستثمار الداخلي والخارجي -والذي شمل قطاع المواني- بعمليات التطوير أو الشراكة أو الاستحواذ الكامل.

وفي إطار ذلك تم تأسيس شركة “كيو تيرمينلز (QTerminals)عام 2016. والتي شُكلت باتفاق بين “مواني قطر” وشركة “الملاحة القطرية”. وبدأت مهمتها الأولى بتشغيل ميناء حمد. وانطلقت بعدها في البحث عن موانٍ خارجية للاستثمار بها وتطويرها ضمن خطة قطر للوصول إلى رؤية 2030 التي تتضمن تحويل البلاد إلى مركز تجاري إقليمي.

وتعمل الشركة منذ تأسيسها في تشغيل محطات الحاويات لتوفير الحاويات والبضائع العامة وسفن الدحرجة والمواشي وخدمات الإمداد البحري. علاوة على ذلك تعمل على إتاحة المجال أمام واردات قطر وصادراتها وتدفقات التجارة البحرية وتحفيز النمو الاقتصادي محليا وإقليميا.

بخلاف قطاعي الطاقة والنقل البحري يقول المصدر إن هناك تنافسا كبيرا بين الإمارات وقطر على إحدى الشركات  المصرية في مجال الأغذية. والتي ثار بشأنها جدل كبير خلال الفترة الماضية. فيما تتجه الدوحة إلى حسم هذا السباق لصالحها خلال الأيام القادمة في ظل استعادة حيوية العلاقات مع مصر.

صراع قطري-إماراتي على مواني البحر الأحمر

وجه آخر لاستعادة حيوية العلاقات المصرية القطرية واتجاه الدوحة لزيادة وجودها الاستثماري خلال الفترة المقبلة كشف عنه المصدر الذي تحدث لـ”مصر 360″ قائلا: “التنافس القطري الإماراتي في المنطقة خلال الفترة الماضية في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر. سيضاف له وجه جديد. حيث تعتزم الدوحة تعويض ما فاتها في السوق المصرية نتيجة الخلافات السياسية”. مشيرا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تسابقا وصراعا بين الدوحة وأبوظبي على الاستثمار في قطاع المواني المصرية في ظل التطلعات التوسعية للبلدين.

الصراع بين أبوظبي والدوحة على مواني البحر الأحمر المصرية ليس وليد اللحظة. ولكنه ممتد منذ سنوات. وسبق لقناة “الجزيرة” القطرية أن بثت فيلما وثائقيا تحت عنوان “حرب المواني” عن صراع بعض الدول على مواني القارة السمراء. وتحدث الفيلم عن التحركات الإماراتية على وجه التحديد في الاستيلاء على ميناء “دوراليه” للحاويات في جيبوتي. والذي يعد أكثر مواني القرن الأفريقي أهمية في التجارة بأفريقيا. قبل أن تقوم جيبوتي في 22 فبراير/شباط 2018 بتجريد شركة “مواني دبي” من الامتيازات التي حصلت عليها بعد تعارض المصالح.

التنافس القطري الإماراتي يأتي في وقت أعلنت فيه الحكومة المصرية تأسيس شركة قابضة تضم أكبر 7 موانٍ. وهي الإسكندرية ودمياط وشرق وغرب بورسعيد والأدبية والسخنة وسفاجا. وذلك تمهيدا لطرح حصة منها في البورصة.

في هذا السياق يرى الدكتور حامد فارس -أستاذ العلاقات الدولية والعربية- أن مصر تحولت إلى قبلة للاستثمارات الخليجية والأجنبية. وهو ما يتضح في زيارة 4 قادة ومسئولين خليجيين في غضون أسبوع للقاهرة.

تسريع استعادة العلاقات المصرية التركية

الرئيس التركي رجب أردوغان
الرئيس التركي رجب أردوغان

ويشير “فارس” في حديثه لـ”مصر360″ إلى أن الزيارة الرسمية الأولى لأمير قطر إلى مصر والاعتراف بثورة 30 يونيو تؤكد طي صفحة الخلافات بين القاهرة والدوحة. فضلا عن فتح صفحة جديدة ضمن تحالف إقليمي سياسي واقتصادي وأمني قد يشمل تركيا لاحقا. خاصة لما للتقارب المصري القطري من تأثير على تسريع وتيرة مسارات استعادة العلاقات بين القاهرة وأنقرة خلال الفترة المقبلة.

مستقبل العلاقات المصرية التركية وارتباطه بتحسن العلاقات بين القاهرة والدوحة أكده الدكتور عبد المنعم سعيد -الخبير السياسي وعضو مجلس الشيوخ المصري- بقوله في تصريحات إعلامية إن العلاقات المصرية التركية قد تشهد تطورا خلال الفترة المقبلة. مشددا على أن زيارة أمير قطر الأخيرة “تعني الكثير”.

العلاقات الثنائية أهم من الإخوان

أمير قطر
أمير قطر

في مقابل ذلك يرى الدكتور محمد عفان -مدير منتدى الشرق للدراسات الاستراتيجية في الدوحة- أن هناك قراءات فيها مبالغة كبيرة لما يمكن أن تحمله الزيارة الأخيرة. وقال: “هناك مبالغات تحمّل تلك الزيارة أكثر مما تحتمل”. مضيفا لـ”مصر 360″ أن الزيارة التي تأتي في توقيت تستشعر فيه الأطراف كلها الضغوط الدولية ترتكز أساسا على العلاقات الثنائية الضيقة بين البلدين أكثر من التطرق للملفات الإقليمية.

وذهب “عفان” إلى أن زيارة أمير قطر ابتعدت عن أي ضغوط متبادلة بشأن ملفات مثل الإخوان. مشيرا إلى أن هذا الملف لم يعد يمثل رقما بارزا في السياسة القطرية. مشيرا إلى أنه ربما يكون تم التطرق للعلاقات المصرية التركية. ولكن بشكل جانبي وليس كمكون أساسي ضمن المباحثات بين البلدين.

وعن التأثيرات التي يمكن أن تخلفها الزيارة على مستوى التنافس القطري الإماراتي في المنطقة أوضح أن “القاهرة تسعى لفتح مسارات بديلة على المستويات السياسية والاقتصادية”. لافتا إلى أنه “ربما يكون ذلك نتيجة استشعار خيبة أمل بسبب بعض المواقف الإماراتية مؤخرا في ملفات مرتبطة بمصر”.

واستطرد: “هناك حالة فتور تصيب التحالفات الإقليمية في الوقت الراهن. وهو ما يجعل كل طرف يتحرك بشكل فردي لتأمين مصالحه بعيدا عن التحركات كتكتل”.