لغط كثير تشهده الساحة السياسية المصرية بشأن ما يتعلق بمحاولات إقليمية ودولية لتسوية بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان. وإمكانية مشاركة فصيل من الجماعة في الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس عبد الفتاح السيسي نهاية إبريل/ نيسان الماضي.

الصمت من جانب جميع الأطراف -أو بمعنى أدق تفضيل خيار عدم الرد من الجانبين- وكذلك التضارب في المواقف المعلنة في ظل ظرف إقليمي يتجه في مجمل تحركاته نحو تهدئة الملفات الفرعية للتفرغ إلى الآثار السلبية الوخيمة التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية زاد ضبابية المشهد. خاصة فيما يثار بشأن إمكانية قبول الحكومة المصرية بالتسوية مع الجماعة بعد الجدل الواسع الذي خلفته تقارير إعلامية مؤخرا بشأن طرح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ملف المصالحة مع الإخوان على المسئولين في مصر خلال زيارته الأخيرة للقاهرة في إطار تهدئة إقليمية.

زيارة بن سلمان إلى القاهرة
زيارة بن سلمان إلى القاهرة

دائرة الحوار الوطني تتسع يوما بعد يوم

بعض التصريحات الصادرة عن شخصيات مقربة من دوائر صناعة القرار في الدولة المصرية حملت إشارات استشعر البعض منها تراجعا من جانب النظام الحالي عن موقفه المتشدد من الجماعة. وكان أبرزها ما جاء على لسان منسق الحوار الوطني ضياء رشوان الذي يشغل منصب رئيس الهيئة العامة للاستعلامات “جهة حكومية تتبع رئاسة الجمهورية” بقوله إن دائرة المدعوين للحوار الوطني “تتسع يومًا بعد يوم”. مضيفا خلال تقديم برنامجه التلفزيوني أن هناك أطرافا أو أشخاصا موجودين خارج مصر تريد المشاركة في الحوار. لافتا إلى أن “هناك أطرافا تنتمي لجماعة الإخوان أو قريبين منها تريد المشاركة في الحوار والبعض يريد أن يشكك”.

الحديث خلال الأيام الماضية تزايد بشدة بشأن مساع من جانب أعضاء بالجماعة في الخارج لاستكشاف موقف النظام المصري عبر شخصيات معارضة مقربة منهم مثل أيمن نور. فيما ذهب آخرون إلى محاولات خليجية لإعادة صياغة العلاقة بين الجماعة ودول الخليج في إطار تنافس خليجي. وذلك لإعادة تموضع يتماشى مع الأزمات الراهنة. وبالتحديد قبل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة. إلا أن مصدرا وثيق الصلة بالجبهة الإخوانية المعروفة إعلاميا بـ”جبهة لندن” والتي يقودها إبراهيم  منير نفت بشكل قاطع تلقي قياداتها أي إشارات من الدولة المصرية أو المقربين منها بشأن إمكانية التحاور أو حتى جس النبض -حسب تعبير أحدهم.

ضياء رشوان مديرا للحوار الوطني
ضياء رشوان مديرا للحوار الوطني

وأوضح المصدر أن الحديث عن التسوية بين الجماعة والدولة بات موسميا يتزايد في مواسم بعينها أو من الممكن القول مع الأزمات الدولية الكبرى”.

إخوان السجون أقرب

ولم يقل المصدر إن الجماعة -جبهة لندن- تغلق الباب في وجه أي تواصل مع الدولة المصرية. مدللا على عدم صحة ما تردد مؤخرا بشأن اتصالات أو محاولات من إخوان الخارج. بقوله: “ما الذي يجعل الدولة المصرية تسعى للتواصل مع أطراف خارج مصر سواء في لندن أو في تركيا وتحت أيديها في السجون مرشد الجماعة ومكتب إرشادها بالكامل. ولو أرادت فهم أقرب إليها من حيث المسافة للحديث معهم. وحال تم الاتفاق وقتها على أي شيء سينصاع الإخوان في الخارج لمرشدهم السجين”.

رسائل عكسية

وفيما كان الحديث يتصاعد بشأن التسوية والمصالحة امتلأ المشهد بالإشارات التي تشي برسائل عكسية طالت مكونات الجماعة كافة. ففي التاسع والعشرين من مايو/أيار الماضي جاءت الأحكام القضائية الصادرة بحق متزعم جبهة لندن -إبراهيم منير- بالسجن المؤبد حاملة إشارة واضحة أن الدولة المصرية مصرة على التعامل مع الجماعة باعتبارها “ملفا قضائيا وجنائيا. وذلك بحكم القضايا المتورطة فيها والتي يحاكم قادتها بشأنها أمام المحاكم المصرية. ما يعني صعوبة انتقال الملف إلى موائد السياسة.

وجاءت الأحكام التي شملت القائم السابق بأعمال مرشد الجماعة محمود عزت في أعقاب بيانين صادرين عن يوسف ندا -عراب الجماعة الموجود في سويسرا- وجبهة إسطنبول. والتي فهم منها مواربة بشأن دعوة الحوار التي كان الرئيس المصري أطلقها في نهاية إبريل/نيسان الماضي.

إعدام
إعدام

ولم تمر إلا أيام قليلة حتى لحقت جبهة إسطنبول بركب الرسائل العكسية بقرار من الدائرة الرابعة إرهاب بمحكمة جنايات أمن الدولة العليا بالقاهرة. وذلك بإخطار جهاز الشرطة الجنائية الدولية “الإنتربول” لإدراج 6 متهمين على النشرة الحمراء. في مقدمتهم محمود حسين -متزعم جبهة إسطنبول- ومدحت الحداد -رئيس اللجنة الإدارية السابقة للإخوان المصريين في تركيا. وتتبعهم وضبطهم وتسليمهم إلى السلطات المصرية في القضية رقم 7449 لسنة 2022 قسم النزهة. وذلك لاتهامهم بالانضمام لجماعة إرهابية وتهريب أموال للخارج.

وأمس الثلاثاء كانت أحدث الرسائل العكسية بعشرة أحكام بالإعدام في القضية المعروفة إعلاميا باسم “كتائب حلوان”. بحق 10 من أعضاء الجماعة جاء في مقدمتهم يحيى موسى -المحسوب على ما تعرف بجبهة “المكتب العام” أو جبهة محمد كمال. والتي تشكل ثالث أضلاع مكونات الجماعة المتشرذمة حاليا.

في المقابل يرى أحد المقربين من إخوان تركيا أن هناك تعقيدات شديدة تجعل من ملف إخوان مصر آخر الملفات حال كانت هناك تسوية إقليمية. مشيرا إلى أن البداية قد تكون مع إخوان اليمن أو إخوان تونس ثم التهدئة مع الإخوان في السعودية والدعاة المحسوبين عليهم في سجون المملكة. مستدركا: “يبدو أن الظروف الدولية قد تجبر الجميع على الوصول لتلك النقطة (التسوية)”.

محاولات فردية بعيدا عن الدولة

السيسي يستقبل أمير قطر
السيسي يستقبل أمير قطر

ويفسر المصدر المقرب من قيادات الجماعة بتركيا ما أثير مؤخرا بشأن إمكانية مشاركة أعضاء بالجماعة أو مقربين منها في الحوار الوطني بالقول إن هناك شخصيات سياسية غير رسمية ولكنها على علاقة بما يدور في مصر حاليا من مناقشات تواصلت مع أيمن نور. وكانت تستفسر بشكل عام عن موقف الإخوان من العمل بالسياسة مجددا حال كانت هناك تسوية. وما نوعية الطلبات التي قد يطلبونها. مضيفا: “لا أظن أن تلك الشخصية قامت بذلك بتكليف من جهة ما في الدولة. ولكن كانت محاولة شخصية منه ربما لإضفاء أهمية حول دائرة تحركاته وما يمكن أن يقدمه للدولة من خدمات”.

حالة التضارب والتخبط أيضا عبر عنها رئيس حزب الكرامة -أحمد طنطاوي- في حوار صحفي له مؤخرا مع موقع “إرم نيوز” الإماراتي في تعليقه على ما أثير أخيرا بشأن الموقف من الإخوان. وما إذا كان لها مكان في الحوار الوطني. وقال “طنطاوي” إن ”هناك إشارات متضاربة وغير مفهومة. فنسمع على لسان من نثق بأنهم لا ينطقون بألسنتهم كلاما. ثم نرى كتيبا صادرا عن الأكاديمية الوطنية للتدريب يتضمن رأيا في الجماعة باعتبارها من بين الفصائل التي رحبت بدعوة الحوار”.

واستكمالا لاستعراض المشهد المتشابك يقول المصدر المقرب من الجماعة في تركيا إن ما يزيد صعوبة الذهاب نحو تسوية -وإن كان ذلك غير مستحيل -حسب تعبيره- هو حجم التقاطعات في ملفات المنطقة. مضيفا: “مثلا لو أن ما يجري يتم في إطار محاولات أمريكية وخليجية لتشكيل تكتل إقليمي يحد من خطورة إيران فمن الصعب أن ينخرط الإخوان في ذلك بشكل واضح. كون أن أحد مخرجات الجماعة -حركة حماس- حسبت نفسها مبكرا على معسكر “روسيا-إيران-حزب الله” وهو ما يمثل جدلية سيكون على قيادة الجماعة إقناع صفوفها بضرورة تخطيها”.

احتمال التطورات المفاجئة

جو بايدن
جو بايدن

مقابل ذلك كله يرى مصدر مقرب من إدارة الحوار الوطني أنه لا يمكن استبعاد أي تطور قد يطرأ على المشهد السياسي في مصر خلال الفترة القادمة. وذلك لسبب رئيسي وهو طبيعة الضغوط التي تتعرض لها الأطراف كافة تحت وطأة الأزمات الدولية المتتالية. مستدركا: “ولكن يجب التعامل بحذر مع المصطلحات التي يتم إطلاقها”.

وأشار إلى أن “مصطلح المصالح الذي تردد مؤخرا هو مصطلح فضفاض للغاية”. وتابع: “قد يبدأ هذا المصطلح بعودة الإخوان للحياة السياسية في مصر -وهو أمر مستبعد تماما- وينتهي إلى حد عدم ملاحقة أفراد الجماعة الذين لم تلوث أيديهم بدماء ولم ينخرطوا في تحريض ضد الدولة ويرغبون في العيش بأمان وممارسة أعمالهم وحياتهم”.

ضغوط التهدئة مع الجماعة

ولم يستبعد المصدر نفسه أن هناك ضغوطا تمارسها أطراف دولية للتهدئة مع الجماعة حتى يتم الالتفات لملفات أخرى بالمنطقة. مشيرا إلى أن الأيام القليلة الأخيرة شهدت تطورات على صعيد ملف الدعوة للحوار. منها توسيع هامش الملفات المطروحة للحوار. وكذلك توسيع هامش نوعيات الشخصيات المشاركة به –حسب تعبير المصدر. لافتا إلى أن “الأثر الطيب الذي خلفته المشاورات الخاصة بالحوار بين مكونات المعارضة لدى الخارج زاد حماس المسئولين في مصر لتوسيع دائرة المشاركة فيه”.

ختاما يمكن القول إنه ربما تدفع الظروف الدولية الراهنة إلى تغيرات في المشهد لا يمكن تحديد حجمها ومداها. ليس في مصر وحدها ولكن في منطقة الشرق الأوسط بالكامل. كما أسهمت الظروف ذاتها في مقاربات ومصالحات دولية كان أبرزها بين قطر ودول الرباعي العربي. وكذلك بين تركيا والإمارات من جهة وتركيا والسعودية من جهة أخرى. وذلك بعد سجالات حادة لم يكن يظن أكثر المتفائلين أن تحدث بعدها مصالحات بين القيادات خلال عقد أو عقدين من الزمن.

ولكن فيما يبدو من اللحظة الراهنة أن مجمل ما يدور لا يتجاوز الأحاديث الجانبية. والتي لا ترقى إلى وصفها بـ”تغير ملموس” في المواقف والسياسات العامة من جانب أطراف المشهد.