عاود الدولار الأمريكي الارتفاع أمام الجنيه المصري مسجلًا أعلى مستوى له منذ خمس سنوات عند متوسط بين البيع والشراء عند 18.76 جنيه. وسط موجة صعود عالمية للعملة الأمريكية، التي تكتسب دعمًا كبيرًا من قرارات الاحتياطي الفيدرالي الخاصة برفع سعر الفائدة.
تتحمل العملة المحلية ضغطًا كبيرًا منذ رفع الاحتياطي الفيدرالي الفائدة واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي سببت نقصًا في العملات الأجنبية. مع تضرر قطاع السياحة، وخروج أموال ساخنة بصورة مفاجئة. ذلك إلى جانب ارتفاع أسعار السلع الأولية وتقليص حجم التصدير للحفاظ على احتياجات السوق المحلية في الوقت ذاته.
ويحتل الجنيه المصري حاليًا مرتبة متقدمة ضمن أسوأ العملات أداءً خلال العام الحالي. بعدما خسر نحو 3 جنيهات تعادل نحو 14.5% من قيمته. ذلك بعد استقرار استمر طوال 2021 عند مستوى 15.64 جنيهًا للشراء، 15.74 جنيها للبيع في تعاملات البنوك الرسمية.
ودفع الجنيه المصري خلال 2022 ثمنًا غاليًا لخروج الأموال الساخنة من سوق المال المصري التي عززت الطلب على الدولار الأمريكي. وقد أنتجت ضغطًا كبيرًا على الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، الذي سجل انخفاضًا بنحو 1.63 مليار دولار خلال مايو/أيار الماضي، ليبلغ نحو 35.495 مليار دولار أمريكي.
بلغت الأموال الساخنة التي خرجت مصر منذ بداية العام نحو 20 مليار دولار على وقع رفع الفائدة في أمريكا والحرب الروسية الأوكرانية. ولم تستطع في المقابل الحصول على استثمارات وودائع من دول الخليج إلا بقيمة 12 مليار دولار حتى الآن.
الجنيه المصري.. مسيرة تراجعات تتجاوز العقد
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور وليد جاب الله إن الجنيه كأي عملة في العالم معرض للانخفاض والارتفاع. لكن مشكلته تعود إلى عام 2011 مع توقف الاقتصاد والاضطرابات حينها، ودعم الدولة المستمر له من الاحتياطي النقدي. ما أدى لوجود سعرين أحدهما رسمي ثابت وآخر مرتفع في السوق السوداء.
وسجل الجنيه المصري أمام الدولار في عام 2011 مستوى 5.93 جنيه. قبل أن يدخل في رحلة ارتفاع مستمرة ليسجل 6.05 جنيه في 2012، و6.86 في 2013، و7.07 جنيه في 2014، و7.6 جنيه في 2015، و10.08 جنيه في 2016، و17.79 جنيه عام 2017 كأحد تداعيات تعويم الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
وقد تراجع الدولار في 2018 إلى مستوى 17.79 جنيه ثم 16.63 جنيه في 2019، و15.75 في 2020، و15.64 جنيه في 2021 بل أن يعاود الارتفاع مجددًا خلال 2022 ليتحرك من مستويات الـ15 جنيهًا إلى مستوى الـ 16 جنيًها منذ مارس/آذار 2022.
يضيف جاب الله أن الجنيه بدءًا من 2018 وحتى 2021 تحسنت قيمته مع تحرير السعر الصرف وإلغاء السوق السوداء. لكنه حاليًا يعاني من تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد، خاصة قطاع السياحة. وفي أعقابها الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في خروج أموال ساخنة وارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميًا.
يشير إلى أن الحرب الروسية تضغط على الاقتصاد المصري وجدت السلطات النقدية أنها لن تستطيع وحدها امتصاص تداعيات على الاقتصاد. لذا سمحت بتصحيح سعر الصرف، خاصة مع رفع سعر الفائدة الأمريكية.
ويتم العمل حاليًا على تنمية موارد الدولة وجذب استثمارات أجنبية في محاولة لامتصاص الصدمة أملا في عودة الجنيه لمستويات ما بعد 2017.
العودة لصندوق النقد.. هل تدعم الجنيه؟
يرى قطاع عريض من بنوك الاستثمار ومحللو أسواق المال، أن مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي ضرورية حاليًا للحصول على تمويل لم يتم تحديده بعد. لكنه سيتقرب من 10 مليارات دولار. ذلك من أجل دعم الاحتياطي النقدي ومعه الجنيه في مقابلة سلة العملات الصعبة.
تقول حنان رمسيس، محللة أسواق المال، إن الجنيه المصري يتعرض لضغط كبير مع وجود أقساط للديون والالتزامات الخارجية مستحقة خلال النصف الثاني من العام. وأمام الحكومة خيار مثل صندوق النقد الذي يتسم بالفائدة المنخفضة. لكنه يفرض اشتراطات من بينها ترك سعر الصرف دون تدخل أو بالأخرى تخفيضه. وهو أمر يضغط على التزامات الموازنة. مضيفةً أن الطلب على الدولار حاليًا لسداد تلك الالتزامات في المقام الأول في ظل تقليص الاستيراد من الخارج.
ووضعت الحكومة خطة سداد ديون خارجية للعام الحالي بواقع 11.5 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الحالي، و5.9 مليار دولار في النصف الثاني، بحسب تقارير البنك المركزي.
بحسب رئيس الوزراء -مصطفى مدبولي- فإن 91% من الدين الخارجي عبارة عن ديون متوسطة وطويلة الأجل. وجزء منها عبارة عن قروض ميسرة ليست ضاغطة على الدولة المصرية. في حين تصل نسبة الديون قصيرة الأجل إلى نحو 8.8% من إجمالي الدين الخارجي.
أضافت رمسيس أن هناك اتجاه آخر لدعم الجنيه عبر جذب الاستثمارات العربية للسوق المحلية في ظل إحجام الاستثمار الأجنبي عن الدخول للسوق المحلية في ظل ارتفاع العائد على السندات الأمريكية لأعلى مستوى منذ 8 سنوات، وبالتالي تمثل عائدًا أفضل بالنسبة لقطاع من المستثمرين.
الدولار الأمريكي.. الرابح الأول من رفع الفائدة
وارتفع الدولار مقابل أغلب العملات الرئيسية في ظل إقبال المستثمرين على العملة الأمريكية كملاذ آمن ووسيلة للتحوط ضد مخاوف التضخم بعد تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي “جيروم باول” بالتزام البنك بخفض معدل التضخم في السوق الأمريكي، ولن يكون هناك أي تردد في اتخاذ قرارات رفع معدل الفائدة للسيطرة على الأسعار.
قبل الإعلان عن قرار الاحتياطي الفيدرالي بشأن الفائدة، وصل الدولار إلى أعلى مستوى له منذ 2003 بعدما سعرت الأسواق بشكل كامل باتجاه لرفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس وهو ما حدث فعلاً بجانب ارتفاع عوائد سندات الخزانة.
ارتفعت السندات الأمريكية خلال أسبوع واحد بصورة ملحوظة فالسندات استحقاق عامين ارتفعت من مستوى 3.07% إلى 3.18%، وأجل 5 سنوات من 3.26% إلى 3.34% وأجل 10 سنوات من 3.16% إلى 3.23% وأجل 30 عامًا من 3.20% إلى 3.28%.
أضافت رمسيس أن هناك اتجاه من شأنه تعزيز سعر صرف الجنيه يتمثل في التوجه الروسي للتبادل بالجنيه والروبل وكذلك توجه الصين للتعامل مع اليوان وهو أمر من شأنه تخفيض الطلب على العملة الأمريكية أمام الجنيه المصري، الذي ربما يكتسب دعمًا أيضًا من تصدير الغاز لأوروبا، وتصدير الطاقة الكهربائية إلى لبنان والعراق.
التبادل التجاري بعيدًا عن الدولار
يمثل التبادل التجاري بعيدًا عن الدولار الأمريكي حلا لأزمات الجنيه المصري حاليا، خاصة مع روسيا. إذ أن تراجع سعر صرف العملة المحلية ارتبط بزيادة الضغط على الاحتياطي لتوفير استيراد سلع أساسية وإنتاجية من الخارج بينها القمح والزيوت.
قالت وزيرة التجارة والصناعة، نيفين جامع، منتصف يونيو/حزيران الجاري إن مصر وروسيا تبحثان آلية سداد للسماح باستخدام الروبل الروسي في التبادل التجاري بعدما تعطلت حركة النقل البحري والجوي بسبب الأزمة الأوكرانية، إلى جانب المعاملات المصرفية وهناك حاجة لإيجاد آليات لتسديد المدفوعات، لأن مصر بحاجة إلى القمح الروسي
وزير الصناعة والتجارة الروسي يؤكد أيضًا أن موسكو والقاهرة اتفقتا على التحول إلى العملات المحلية في التسويات المتبادلة. فحجم التبادل التجاري بين البلدين يتيح لهما استخدام الروبل والجنيه في المعاملات التجارية. إذ سجل عام 2021 إلى 4.7 مليار دولار، بزيادة 5.1٪ عن 4.5 مليار دولار قبل عام.