دفع تخفيض الولايات المتحدة اهتمامها بالشرق الأوسط، المنطقة إلى العديد من التحديات الأمنية والاقتصادية. كما أنه فتح الباب أمام أحلام توسيع النفوذ الإقليمي لبعض القوى، وخاصة إسرائيل وإيران، اللتان تتنافسان حاليًا على المساحة التي تركتها واشنطن، قبل أن تعود إليها تحت وقع مآلات الحرب الروسية – الأوكرانية، وإن كان بترتيبات جديدة تمهد لحليفها الأول (تل أبيب) لعب الدور المنتظر في مواجهة طهران. وبعيدا عن هذا البعد الإسرائيلي، فإن المنطقة حافلة بالتشابكات و”الاشتباكات” بين أطرافها المتعددة الأخرى وفي الصدارة التنازع السعودي الإيراني.
وقد شهدت المنطقة -مؤخرا- زيارات مكوكية واتفاقيات ثنائية، أغلبها جاء معبرًا عن محاولات دؤوبة لضبط الملفات وتهيئة الأوضاع استعدادًا لزيارة بايدن، المقررة منتصف يوليو/ تموز المقبل. وهنا، يشكل العراق رقمًا هامًا في هذا المشهد الشرق أوسطي. فرغم أنه قد لا يكون طرفا في هذه التشابكات والاشتباكات والتنازعات الإقليمية، الا أنه بحكم الجغرافيا وأوضاعه السياسية المعقدة، لا بد وأن يعاني من تأثيرات هذه التنازعات على أراضيه ومصالحه. خاصة عندما تكون المنازعات متعلقة بإيران ذات التـأثير الحاسم داخل العراق، والسعودية جار العراق وخصم إيران اللدود. ومن هنا يمكننا أن ندرك ونفهم ونقدر مساعي المصالحة التي يضطلع بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بين طهران والرياض. فهذه المصالحة المأمولة هي أيضا بل وأساسا مصلحة عراقية في المقام الأول فمن شأنها حال تحققها أن تجنب بغداد الاكتواء بنيران وشظايا صراع إقليمي بعد أن اعتادت أطراف عدة على تصفية حساباتها البينية على الأراضي العراقية.
فعقب زيارته السعودية ولقائه ولي العهد محمد بن سليمان، زار رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، إيران مؤخرا حيث جرى التباحث حول عدد من القضايا، على رأسها ملف الوساطة بين السعودية وإيران. لكن هذا لم يحجب عددا من القضايا والملفات الأخرى والتي سيجري استعراضها في هذا التقرير الموسع.
الكاظمي في إيران.. الوساطة أولًا
تحمل زيارة الكاظمي إلى إيران أهمية كبيرة. كونها ذات أهداف إقليمية ودولية. فهي تأتي في إطار استكمال جهود الوساطة بين السعودية وإيران، التي تمثل أولوية استراتيجية بالنسبة للعراق، في ظل حاجتها للحفاظ على مصالحها الاقتصادية المرتبطة بكلا الدولتين.
وقد لعب العراق دورًا مهمًا في تقريب وجهات النظر السعودية الإيرانية، باستضافة جولات الحوار بينهما. ومنذ انتهاء الجولة الأخيرة، يسعى العراق بخطوات متصلة نحو تخفيف حدة التوترات بين الطرفين. كما أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في 16 يونيو/ حزيران، على أن حكومة بلاده مصممة على مواصلة تسهيل المحادثات المباشرة بين السعودية وإيران في بغداد.
وقد انطلق الكاظمي إلى السعودية بهدف حثها نحو استئناف مفاوضات خارطة طريق تصحيح العلاقات مع إيران. ومن بعدها لقائه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، حاملًا رسائل السعودية لأجل تيسير عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وصرح عبد اللهيان خلال اللقاء بأن طهران تدعم إعادة فتح متبادل للسفارات مع السعودية.
دعم الهدنة في اليمن
أحد أهم ملفات الاشتباك الخليجي الإيراني هو مسألة الصراع في اليمن. فخلال اللقاء، أكد رئيسي على دعمه الهدنة في اليمن. ذلك بهدف إرساء السلام والاستقرار.
كما شدد على أهمية الحل السلمي بإرادة داخلية من اليمنيين، ودعم الحوار لإنهاء الحرب. معتبرًا أن استمرار الحرب لن يؤدي إلا إلى زيادة معاناة الشعب. ودعا لإطلاق الحوار بين اليمنيين.
ويدعم اتفاق الموقف السعودي الإيراني إزاء الهدنة في اليمن إمكانية التعاون بين البلدين في حلحلة الأزمة. وكذلك يشكل نقطة إيجابية في إطار عودة العلاقات بين البلدين.
وفي سياق متصل، صرح المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، بأن “إيران ترحب بتمدید وقف إطلاق النار في اليمن لمدة شهرين آخرين”، عقب إعلان المبعوث الأممي “هانس جروندبرج”، بدء سريان هدنة في اليمن في 2 إبريل/ نيسان.
احتواء زيارة بايدن
في ظل انتظار الشرق الأوسط الزيارة الأولى للرئيس الأمريكي، سارعت الدول نحو توحيد الرؤى حول القضايا المزمع عرضها ومناقشتها مع الجانب الأمريكي. وكذلك تصفير الخلافات والقضايا العالقة. وهذا ما حملته الزيارات المكوكية المستمرة بين دول الشرق الأوسط وبعضها. لا سيما تصفية الخلافات مع تركيا، وتعزيز العلاقات بين دول الخليج وقطر.
وعلى الجانب الإيراني، تحمل الزيارة عدة مخاوف، في ظل الحوار الدائر حول تطبيع مزيد من الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل. إلى جانب الآراء المطروحة بخصوص فكرة ناتو شرق أوسطي، يجمع الدول العربية مع إسرائيل لمواجهة التحديات الإقليمية المشتركة.
ومن المتوقع أن تشتمل المحادثات تحديات أمن الخليج الناجمة عن برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني. وكذا شبكة وكلاء طهران في الشرق الأوسط. وبالتالي عدة ترتيبات أمنية قد تضر بالمصالح الإيرانية في المنطقة.
وفى هذا السياق، انتهجت إيران سياسة تهدئة التوترات مع دول الشرق الأوسط. لا سيما ترحيبها بالهدنة في اليمن. وكذلك أعلنت رغبتها في عودة مباحثات الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة.
تخشى طهران أن تضر زيارة بايدن إلى السعودية بالاتفاق النووي. وقد صرح رئيسي: “نعتقد أن الحوار بين قادة دول المنطقة من شأنه أن يحل المشاكل الحالية. مع التأكيد على أن التدخل الأجنبي لا يحل مشاكلنا. بل يعقد الأمور”؛ للتقليل من جدوى الدور الأمريكي في المنطقة.
ضمان حياد العراق
يزور الرئيس الأميركي جو بايدن السعودية في 15 و16 يوليو/تموز المقبل. ذلك تلبية لدعوة من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، حيث مع المقرر أن يشارك في القمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي، والرئيس الأردني عبد الله الثاني، والرئيس عبد الفتاح السيسي، والكاظمي.
وبحكم ما يرتبط به العراق وإيران من المصالح، جاءت زيارة الكاظمي لتشكل خطوة استباقية لتجنب أي تصورات إيرانية سلبية عن مشاركة العراق.
وطبقًا لجريدة “الجريدة” الكويتية نقلًا عن مسئولين حكوميين، فإن زيارة الكاظمي إلى السعودية وإيران ناقشت جدول أعمال القمة العربية الأمريكية المرتقبة في جدة. وأيضًا تأكيد العراق لإيران والسعودية بأنها لن تكون مع محور ضد أي محور آخر إقليمي أو دولي، في خطوة حاسمة تؤكد حياد العراق بين الطرفين.
تداعيات زيارة الكاظمي
لا يمكن فصل زيارة الكاظمي بمحطتيها في السعودية وإيران عما يمر به الشرق الأوسط من إعادة صياغة لمفاهيم الأمن الإقليمي، وهي تحمل تداعيات، أهمها:
التأكيد على نفوذ العراق الإقليمي
مثلما تملك سلطنة عمان من مقومات الوسيط المثالي في صراعات الشرق الأوسط، كذلك يحاول العراق الحصول على ثقة الحلفاء في إمكانية حلحلة الخلافات بالمنطقة، لاسيما وأنها ترعى جهود الوساطة بين 5 دول وفقا لما صرح به الكاظمي، وإذا تمكنت من فتح القنوات الدبلوماسية بين طرفي النزاع الأبرز في الشرق الأوسط، من المتوقع أن يرتفع نفوذها الإقليمي، مما يساعد في حصولها على الدعم الكافي لحل خلافاتها الداخلية.
وقد صرح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي “عامر الفايز”، بأن “استقرار الأوضاع في المنطقة يصبّ في صالح العراق، وهو ما دفع الحكومة العراقية إلى العمل على تهدئة الأوضاع بين إيران والسعودية، حتى لا تكون هناك انعكاسات سلبية على الداخل العراقي بسبب الصراع والخلاف الإقليميين.. ويجب أن يبقى العراق متوازنا في علاقاته الدولية لضمان نجاح جهود الوساطة.
مغازلة مصر
أكدت مصر مرارا رفضها إنشاء تحالف ضد أي طرف في إطار قمة النقب منذ 3 أشهر. وذلك ردا على أن الاجتماعات كانت موجهة ضد إيران. وبذلك ضمنت إيران تحييد الموقف المصري. وتحاول إيران جس نبض مصر من خلال عدة رسائل. حيث نوه عبد اللهيان خلال لقائه مع الكاظمي إلى وجود عدد من القواسم المشتركة بين إيران ومصر.. وإن تعزيز العلاقات بين طهران والقاهرة يخدم المنطقة والعالم الإسلامي”، كما قامت إيران أول من أمس بتعيين ناصر كنعاني متحدثاً باسم الخارجية الإيرانية، والذي عمل سابقا في القاهرة في منصب رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية.
عودة مباحثات الاتفاق النووي
نقلت صحيفة “واشنطن بوست” موافقة الأمريكيين على الدخول في جولة جديدة من محادثات الاتفاق النووي الإيراني هذا الأسبوع في العاصمة القطرية الدوحة. وعلى الفور توجّه كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي علي باقري كني الثلاثاء إلى الدوحة. وأكدت الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة مستعدة لاستكمال وتطبيق الاتفاق النووي، وسط مساعي الاتحاد الأوروبي لإنهاء تعثر المفاوضات من أجل إحياء الاتفاق النووي.