1500 جنيه لب وشكولاتة، بند في قائمة دونها رجل عندما قررت خطيبته إنهاء العلاقة. كتب تلك القائمة بالهدايا والتكاليف التي أنفقها في فترة الارتباط، وكان ما سبق من مصروفات اللب والشكولاتة ضمن بنود هذه القائمة، التي انتشرت صورتها كالنار في الهشيم على مواقع التواصل. حيث تعليقات تتغنى في حب قاتل نيرة أشرف، أمام حالتين من التطرف في التعامل مع شكل الحب، ولأن الحب شعورًا معنويًا، لا يمكن الإمساك به، لكن يمكن التعامل مع أثاره والسلوك الناتج عنه، فإننا دومًا أمام أشكال متنوعة جميعها تدخل من باب الحب.
الشكولاتة والحب
شخص مجهول، ربما كان مخترع الشكولاتة أو أحد المسوقين، ربط هذا الشخص بين الشكولاتة والحب، وبين دلال بعض الفتيات والشكولاتة، كمعادل للدلال والحب. وأخذ الناس يتداولون تلك القيمة الاستهلاكية كدلالة حقيقية ومسلمة لا تدخل في حيز المناقشة. المُدهش أن البنات التي تُحب الشكولاتة تبدو كأنها استثناءات ووضع غريب. ربط المشاعر بسعر استهلاكية، أحد حيل الرأسمالية في التسويق، فأصبح السلوك الاستهلاكي هو الحقيقة، وباتت الأشكال والسلوكيات التي تخلو من سلع ومنتجات، هي سلوكيات لا تُشير إلى الحب.
يتراوح سعر قطعة الشكولاتة المتوسطة بين عشرة ومائة جنيه، تختلف باختلاف النوع والمكونات. ولو أضفنا أن نوع الشكولاتة أحد المعاملات في الإشارة إلى إمكانات الرجل ومكانته وكرمه، سنجد أن الكثيرون يسعون لتقديم الشكولاتة مرتفعة السعر، حتى لا يكون شكله أمام الحبيبة متدن. وبينما تنخفض قيمة الجنيه أمام السلع وحالة شبه ثابتة للأجور، والتي بالتبعية تنهار أمام ارتفاع الأسعار، نجد أن فترة الارتباط مكلفة جدًا للرجل. فيكون السؤال كم شاب/رجل يمكنه دفع التكلفة دون أن ينتظر ردها؟
صفقة الحب
كان الشعر بطل قصص الحب الشهيرة في التاريخ، عنتر وعبلة، قيس وليلي، جميل وبثينة، كُثير وعزة وغيرهم، والشعر كلمات، والكلام غير مُكلف، لكن خروج المشاعر من الدوائر المعنوية إلى دوائر الأسواق والأفعال المادية جعل المشاعر نوع من الصفقات الخفية والمتفق عليها بين الطرفين. فالحبيب عليه أن يتفانى ماديًا حتى يُثبت الحب، وأصبح الانفاق مؤشرًا على جدية وصدق العلاقة لا يمكن التغاضي عنه، بل يلتهم الحديث عنه وقت الصديقات عند مناقشة أو تداول أخبار الحب والعلاقة التي تنشأ، فثمة عقد اجتماعي متفق عليه، هناك صفقة مشتري وبائع وسعر، صفقة ضمنية، لا يتحدث أحد عن بنودها لأن الطرفين يجدان في مناقشة تفاصيلها إهانة للجميع، لكن تفاصيل الصفقة تظهر عند الاختلاف، وعندما يجد الرجل أنه خسر الحب، فالبعض يحاول تقليل خسائره، ومن هنا بدأت تظهر قوائم النفقات في فترة الخطوبة.
هذا السلوك الذي لم يُعرف سابقًا، إذ كانت العروسة عندما ترد هدايا الخطوبة، ونحن نتحدث عن الهدايا الواضحة، فكان قبول الرجل لذلك انتقاصًا منه، لكن الآن فتكاليف اللب والشكولاتة يتم حسابها، والسؤال الجاد والبعيد عن السخرية تمامًا هل كان الرجل يقوم بحساب كل ما ينفقه في فترة الخطوبة؟ هذه الطريقة تؤكد طرحنا في أن الأمر صفقة، فنحن لا نقوم بالحساب الا في الصفقات سعيًا لحساب المكسب وتقليل الخسارة.
ميراث الرجل من الخبرات السيئة في الحب والزواج
مظلومية المرأة في كثير من الأحيان هي الأعلى صوتًا، فالمرأة وطريقة التعامل التي تم اعتمادها على نطاقات واسعة معها، جعلت منها الضحية دومًا، وباتت التجارب السيئة والخبرات المؤلمة ميراث مشترك، فسيدة في أقصى جنوب مصر، يمكن أن تتأثر وتنفعل بتجربة مؤلمة لأخرى في شمال مصر، فالجندر المحكوم عليه بالنقصان يواجه دومًا تعنيفًا وضغوطًا لمجرد النوع.
هذه الخبرات ترسم صور نمطية بأن المرأة دومًا مظلومة، ولأنه ليس هناك أمر مطلق، فلا يمكن أن نتجاهل أن بعض النساء يمارسن ضغوطًا وقهرًا للرجال، لكن ليست دائمًا خبرات الرجل واسعة الانتشار للمعرفة والمناقشة، بل يتم تداولها للسخرية في كثير منها، مثل تلك القائمة التي انتشرت بل وأجري عنها موضوعًا صحفيًا.
الرجل تعامل مع الحب/الخطوبة كصفقة كم تم اعتماد ذلك مجتمعيًا، ودفع وأنفق، في ظل ارتفاع في الأسعار وأزمات اقتصادية آخذة في النمو، ثم قرر الشريك التخارج ومن ثم كان لابد من خطوة الحسابات.
انتشار مثل هذا النوع من الحسابات والمناقشات يجعلنا بحاجة لطرح قضية المشاعر وكشف طرق التحقق من مصداقيتها، فإذا كان تسليع المشاعر نمط أفرزته الرأسمالية كترويج للعديد من المنتجات، فإن الأزمة الاقتصادية العالمية، ستجعل كثير من الرجال يهجر الحب لأنه صار مكلف، والبعض قد يذهب لأشكال متطرفة، دون أن يأخذ الطريق الاستهلاكي التي فُطرِتْ عليه المخيلة النسائية في العقود السابقة، هناك عشرات وربما مئات أو ألوف من الخبرات السيئة، التي قد يتبادلها الرجال متهمين الضحايا بأنهن سيئات أو يستحققن مصيرهن من الأذى إذا وقع.
هجر الحب
ترتكز الأزمات الاقتصادية على عدد من المحاور منها ارتفاع الأسعار والتضخم والبطالة وثبات الأجور، والأزمة التي يعيشها العالم بمختلف دوله، تضغط الغالبية تحت وطأة النمط الاستهلاكي الذي اعتاده الجميع، وفي الوقت نفسه ثبات الأجور أو البطالة التي تتزايد، فتُصبح محاولات الحبيب لتقديم حُبه بدون أشكال مادية ومنتجات استهلاكية هو نوع من التشكيك في مصداقية المشاعر، بما جعل الدخول في علاقة حقيقية أمر مُكلف، بحيث تُصبح التكلفة شبحًا يهدد العلاقات، ومهما بدت الفتاة متفهمة لظروف الرجل المادية، فإن العائلة والصديقات يلعبن دورًا مهمًا في تحريك العلاقة نحو التسليع، والتشكيك في نوايا الحبيب ذلك أنه لم يبذل ماديًا بما يليق، وقد يكون البعض مُحق بناء على تجارب عديدة، الاتهامات المتبادلة بين الطرفين سواء الضمنية أو المعلنة تُصبح كوابيس تهدد الرجل الذي يفكر بعقله وليس سهلًا أن ينساق خلف مشاعره، هل يمكن للرجل أن يعترف بالحب دون تقديم هدايا؟ دون إنفاق ما يستطيعه وما لا يستطيعه حتى يؤكد صدق نواياه؟
هل نحن بحاجة لمناقشة جدية حول العلاقات والارتباط؟ أم الاستمرار في تسليع المشاعر ومن ثم عزوف الكثير عن العلاقات الجادة لارتفاع تكلفتها؟