اجتهد الجميع طوال الفترة الماضية في وضع تصورات ومحددات لكي يتحول الحوار الوطني الذي دعا له رئيس الجمهورية إلى “حالة جادة” يمكن أن تنتج تغييرا مأمولا على المستويين السياسي والاقتصادي.
ضمن هذه المحددات طالب “البعض” بحضور المصريين بالخارج جلسات الحوار الوطني باعتبار أن لهم الحق في طرح ما يرونه في شئون وطنهم، والتحدث بكل وضوح عن أزمات البلد وأهله، والمشاركة في وضع الحلول للمشكلات التي تحاصر مصر من اتجاهات عدة.
ملايين من المصريين ينتشرون في دول العالم، وتتنوع مجالات عملهم، وكثير منهم مهتمون بالسياسة والشأن العام، أضف إلى كل هذا أمتلاكهم لخبرات مختلفة وجديدة وجيدة في التعامل مع الأزمات الاقتصادية والسياسية بحكم اطلاعهم على تجارب وأنظمة سياسية غربية بلغت درجة كبيرة من التقدم.
الدستور المصري منح المصريين في الخارج الحق في التصويت والترشح للانتخابات العامة. وهو بهذا المعنى قد أكد على حقهم في المشاركة في شؤون وطنهم، فضلا عن إبداء الرأي في همومه وأزماته واختيار ممثلي الشعب في المجالس المنتخبة بأصواتهم، أي أنهم شركاء حقيقيون في صنع المستقبل لهذا البلد.
مشاركة المصريون بالخارج في الحوار السياسي المنتظر في رأيي أمر في غاية الأهمية والحيوية، وهي خطوة تضفي مزيدا من الجدية على فكرة الحوار، وتخلق أجواء من الثقة وحسن النية في أن القادم يمكن أن يكون مختلفا عن كل ما فات، وفي اعتقادي أن الشروط التي تنطبق على المشاركين في الحوار من الداخل يجب أن تنسحب على المصريين في الخارج أيضا: كل من لم يشارك في العنف أو يحرض عليه، وبصرف النظر عن مدى اختلافه أو اتفاقه مع السلطة الحالية، حتى لو كان معارضا جذريا للسلطة وسياساتها وإدارتها للبلد طول السنوات الفائتة.
في اعتقادي أن الحديث عن مشاركة أسماء محددة من المصريين بالخارج، مثل الدكتور عمرو حمزاوي، وغيره هو مؤشر طيب يوحي بأنه لا استبعاد لأحد حتى هذه اللحظة، وفي اعتقادي أيضا أن استكمال هذه الخطوة بشخصيات أخرى متنوعة في أفكارها وخلفياتها السياسية سيوحي بأن هناك رغبة حقيقية في طي صفحة الماضي وبدء صفحة جديدة لمستقبل مختلف، وأظن أن اختيار أسماء معارضة بشكل حقيقي للنظام الحالي هو مكسب للجميع بما فيهم السلطة نفسها، وهو بالتأكيد مكسب مهم للمجتمع الذي يستحق أن يستمع إلى كل الأصوات، وأن يستفيد من جميع أبنائه بعيدا عن الخلاف السياسي الذي رسخ طوال السنوات الفائتة لقاعدة الإقصاء والتخوين واستبعاد أصوات كثيرة وطنية ومخلصة، وقد آن الأوان أن تنتهي هذه الاتهامات وهذه اللغة السياسية التي خسرت مصر بسببها كثيراً من مصادر قوتها وتنوعها.
على أن مشاركة المصريين بالخارج لا يجب أن تتوقف على المعارضين السياسيين فقط رغم أهميتها، ولكنها يجب أن تشمل أيضا كل العقول المصرية المهاجرة، آلاف من المصريين يعملون في جامعات وهيئات ومؤسسات مهمة في أمريكا وأوروبا، وكثيرون منهم نسمع عنهم بشكل دائم في قوائم المتفوقين علميا وفكريا، كل هذه العقول المهاجرة لا يمكن أن يُحرم منها البلد، وليس من المناسب أو المنطقي أن ندعو لحوار حول مستقبل مختلف دون أن تكون عقول مصر العلمية والفكرية طرفا أساسيا ورئيسيا في الدعوة، فقد يكون هذا الحوار المنتظر هو المدخل للاستماع لإبداعات وصياغات جديدة تساهم في حل أزماتنا الكبيرة والكثيرة، وقد يكون من الأنسب أن يعد القائمون على الحوار قائمة بالعلماء وأساتذة الجامعات والأطباء وغيرهم من المصريين المهاجرين والمقيمين بالخارج، والبدء في توجيه دعوات لهم لحضور جلسات الحوار، والاستماع لوجهات نظرهم والاستعانة بهم في وضع تصورات وحلول للأزمات الاقتصادية والاجتماعية وفي كل ما له علاقة بالبحث العلمي والتصنيع والتصدير وغيرها، وهي خطوات يمكن اعتبارها وكأنها رسم جديد لخريطة المستقبل بالجميع وللجميع.
المؤكد حسب معلوماتي حتى هذه اللحظة على الأقل هو أن هناك نية لدى القائمين على إدارة الحوار في توجيه الدعوة لعدد من المصريين في الخارج للمشاركة في الحوار، وأظن أن هذا يخضع للدراسة الآن، وهي خطوة أتمنى أن تكتمل بلا تراجع أو تردد، بل أتمنى أن نستمع في القريب العاجل لأسماء مصرية جديدة تضاف إلى الإعلان عن اسم الدكتور عمرو حمزاوي.
في تقديري وحتى تكتمل التجربة بالنجاح يجب التحرر من أمرين: أولا الخوف من درجة معارضة الأسماء المطروحة للسلطة الحالية، بل في رأيي أن الأنسب والأكثر منطقية هو مشاركة المعارضين للسلطة من المصريين في الخارج مهما كانت درجة معارضتهم، ومنحهم الفرصة للحديث بكل حرية، وإبداء وجهات نظرهم من داخل البلد، أما الأمر الثاني الذي يجب التحرر منه فهو الرغبة في أن تكون مشاركة المصريين في الخارج رمزية وفي حدود ضيقة، فهذا التفكير سيضر بالتجربة ويفقدها معناها الحقيقي والجاد، فالأصل هو مشاركة كل الأصوات المعارضة، وفي إطار محددات الحوار التي يجب أن تسري على الجميع في الداخل والخارج وهي عدم الاشتراك في العنف أو التحريض عليه.
المصريون في الخارج قوة حقيقية ومضافة للبلد، آلاف من العقول التي ترتبط بوطنها مهما ابتعدت، والتي تنشد الخير والتقدم له مهما غابت، والاستعانة بهذه العقول والأصوات هو أمر يصب في نهاية الأمر في خانة قوة البلد وتقدمه، والترتيب الجاد لمستقبل مختلف، ومن الحكمة ألا تقاس فوائد وطنية بهذا المستوى بدرجة المعارضة أو الاختلاف مع السلطة القائمة، فالأصل أن مستقبل مصر وتقدمها مقدّم على كل ما عاداه من أفكار وخلافات وصراعات سياسية ستنتهي بكل تأكيد، ولن يبقى وقتها سوى قدرة السلطة والمعارضة معاً على بناء مستقبل أفضل لأجيال قادمة تستحق منا جميعا كل جهد وكل تضحية.