ما هو وضع محطة الضبعة النووية التي تبنيها روسيا في مصر بقرض روسي يبلغ 25 مليار دولار، في ظل العقوبات المالية والتقنية وتجميد أصول روسيا في الخارج، وبالذات في الولايات المتحدة؟!

قالت موسكو الرسمية، يوم الأربعاء 29 يونيو 2022، إن هيئة الرقابة النووية والإشعاعية المصرية منحت شركة “روس آتوم” الروسية تصريحًا لبناء أول وحدة طاقة بمحطة “الضبعة” للطاقة النووية في شمال البلاد. ولكن صيغة البيان الصحفي الذي صدر تقول إن “مجلس أمناء الهيئة العامة للطاقة الذرية برئاسة سامي شعبان وافق على إصدار تصريح لبناء أول وحدة كهرباء بمحطة الضبعة للطاقة النووية”. أي أن المجلس المصري وافق فقط، لكنه لم يمنح بعد.

اقرأ أيضًا.. القطيعة بين روسيا وأوكرانيا.. العقاب الغربي سيستمر حتى إذا توقف الغزو الروسي

وكان رئيس شركة “آتوم ستروي إكسبورت” ألكسندر لوكشين قد صرح، في وقت سابق، بأن إنشاء أول وحدة للطاقة في محطة الضبعة النووية، التي بنتها شركة “روس آتوم” الروسية في مصر، يمكن أن يبدأ في النصف الأول من يوليو 2022، والتاريخ الرسمي هو 11 يوليو. (المسؤول الروسي قال “يمكن أن”…).

والمعروف أن مصر وروسيا تحدثتا في موضوع محطة الضبعة في عام 2014. وفي عام 2015، وقع الطرفان في القاهرة اتفاقية للتعاون في بناء محطة الضبعة للطاقة النووية، واتفاقية أخرى بشأن شروط قرض روسي لهذا الغرض بمبلغ 25 مليار دولار.

وفي ديسمبر 2017، وقع الطرفان في القاهرة أيضًا قوانين بشأن دخول العقود التجارية حيز التنفيذ لبناء محطة للطاقة النووية.

ويقول الطرفان المصري والروسي إن محطة الضبعة للطاقة النووية ستتكون من أربع وحدات طاقة تبلغ كل منها 1200 ميجاوات. وستعمل على المفاعلات النووية الروسية المتقدمة VVER-1200 من الجيل “3+” التي تلبي أعلى معايير الأمان بعد فوكوشيما. كما يقول الجانب الروسي.

الفكرة أن البلدان اتفقا منذ 7- 8 سنوات على بناء المحطة. وإلى الآن لم يتم بناء أي شيء. وبالطبع هناك إعلانات عن بناء مدرسة لتخريج فنيين مصريين، وبناء مسجد، وبعد المباني لمبيت ورعاية ومعيشة هؤلاء الفنيين.

في يوليو 2021، وقعت هيئة المحطات الكهروذرية المصرية اتفاقًا مع شركة “روس آتوم” الروسية حول البدء بتصنيع قلب المفاعل الخاص بوحدة توليد الكهرباء الأولى والتي من المقرر تشغيلها في عام 2026 وفق بنود العقد المبرم. ومن المقرر أيضًا أن يتم تشغيل الوحدات الأربع بالكامل عام 2032.

المحطة ستتكلف 30 مليار دولار. وقد منحت روسيا مصر قرضًا بـ25 مليار بفائدة 3%. وسيعمل المفاعل لمدة 60 سنة فقط. والوقود النووي سيكون روسيبًا فقط وحصرًا. كما أن الوقود النووي المستخدم (المستنفذ)، سيكون أيضًا ملك روسيا حصرًا وهي التي ستتكفل به، فالوقود النووي المستنفذ تعتبر روسيا أحد رواده وعرابيه وتجاره المتوحشين. والمحطة بالكامل ستنتج 4800 ميجاوات، بواقع 1200 ميجاوات لكل وحدة.

ولكن ما هو وضع هذه المحطة في ظل القيود الصارمة على روسيا في التجارة والصناعة وحركة الأموال والبنوك وتصدير النفط والغاز بسبب غزو أوكرانيا؟!

اقرأ أيضًا.. انفعالات الصديق الروسي وإثارة القلاقل

في الأسبوع الأول من يناير 2022، الإعلام الحكومي الروسي نَشَرَ عدة تقارير مهمة جدًا عن عملية بناء “مفاعل الضبعة” في مصر. وتم نشر مادة ضمن هذه التقارير عن مشاركة شركة كورية جنوبية في عملية البناء واستكمال منشآت وآليات تتعلق بالمفاعل. ومن الواضح أن هناك تفاصيل كثيرة مخفية أو يجري التعتيم عليها، لأن المواد التي يتم نشرها مفككة وغير مترابطة وتعطي انطباعًا بأنها كانت رسائل أو استباق لشيء ما خطير!

كما تم نشر مادة أخرى عن حدود حرية وحركة الشركة الكورية الجنوبية ومهامها، وعن وجود شركات أخرى أمريكية وأوروبية في مشروع بناء مفاعل الضبعة. وهذه أول مرة نسمع عن ذلك، وخاصة فيما يتعلق بالاستعانة بتقنيات دقيقة ليست متوافرة لدى روسيا التي تقوم ببناء المفاعل أصلًا. وهل ستخضع هذه التقنيات الدقيقة للعقوبات المفروضة على روسيا في هذا المجال؟! وكيف سيتم تعويضها وبأي آليات حتى لا يتعطل بناء المحطة؟!

الغريب أن الإعلام الروسي يطرح المواد “الإعلامية” المتعلقة بمحطة الضبعة بشكل يعطي انطباعًا بأن هناك مشكلات، وأن موسكو غير راضية عن تفاصيل ما، أو لا تعجبها خطوات ما تقوم بها القاهرة. والمواد المنشورة تشير بالفعل إلى وجود عدم استقرار (أو قلق) في عملية البناء. والأغرب أن كلام الطرفين الروسي والمصري عن بدء تشغيل المفاعل، كان يدور في حدود عامي 2024- 2026. وفي عام 2021، تم الإعلان عن أن تشغيل الوحدة الأولى سيكون في عام 2026. وفي وقت متأخر من نفس العام، بدأ الكلام ينعطف نحو أن تشغيل أول وحدة سيكون في عام 2026 على أن يحدث تشغيل متتالي لكل وحدة حتى عام 2030، وهي مواعيد غير واقعية على الإطلاق حتى بدون “وباء كورونا” وبدون “العقوبات” الغربية الصارمة على روسيا، وبالذات في مجال التقنيات الرفيعة.

عقد توقيع محظة الضبعة النووية

وفي ديسمبر 2021، أعلن الجانب الروسي أن تشغيل الوحدة الأولى سيكون في عام 2028 من دون التطرق لأي تفاصيل..

من المعروف أن الجانب الروسي عادة ما يتأخر في تسليم المحطات الكهروذرية. وفي الحقيقة، فإن مشروع التعاون الروسي- المصري شبيه، بل يكاد يتطابق مع مشروع التعاون السوفيتي- الهندي في هذا المجال من حيث آلية القروض. وقد تم تسليم وتشغيل المفاعل الهندي متأخرًا بفارق حوالي 10 سنوات عن الموعد المتفق عليه والذي تم الإعلان عنه. وحدث التأخير أيضًا في تسليم محطة “بوشهر” الإيرانية لعدة سنوات. وهناك أنباء عن تأخير تسليم محطة “أكويو” التركية التي تبنيها شركة “روس آتوم” الروسية في “مرسين” التركية بقدرة مماثلة لقدرة المحطة المصرية (4800 ميجاوات)، والتي تم وضع حجر الأساس لها عام 2018 فقط.

وتعد محطة “أكويو” أول محطة طاقة كهروذرية في تركيا يتم بناؤها على الساحل الجنوبي للبلاد. وستتألف المحطة من أربع وحدات طاقة (VVER- 1200). والمثير للاهتمام أنه قد تم إبرام اتفاق حكومي بين أنقرة وموسكو في مايو 2010. وفي أبريل 2018 وضع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان حجر الأساس. وفي نهاية سبتمبر 2021، أعلن أردوغان من مدينة سوتشي الروسية أنه من المتوقع تدشين وحدة الطاقة الأولى من المحطة في عام 2022. لكن لا حديث عن أي مواعيد أو تفاصيل بهذا الشأن حتى كتابة هذه السطور.

كما تقوم روسيا ببناء محطة “كودانكولام” الكهروذرية في ولاية “تاميل نادو” الهندية الجنوبية، على أساس الاتفاقية التي وقعتها الحكومتان الروسية والهندية في القرن الماضي (في عام 1998). وتم تشغيل الوحدة الأولى من هذه المحطة وانضمامها إلى المنظومة الوطنية الهندية للطاقة الكهربائية في عام 2013. وفي أواخر عام 2014، تم تسليمها إلى الجانب الهندي للاستخدام خلال عام واحد تحت ضمان الجانب الروسي. ثم شهد عام 2015 عملية إعادة تحميل الوقود النووي وإعادة تشغيل الوحدة ككل. أذ استغرق الأمر 17 عامًا كاملة.

هناك تقديرات غير رسمية، لكنها أقرب إلى الواقع، تشير إلى أنه من الممكن تسليم الوحدة الأولى لمصر وتشغيلها في الفترة من 2028 إلى 2030. ولكن لا أحد يمكنه التكهن أو التنبؤ بأي مواعيد تتعلق بتسليم وتشغيل الوحدات الثلاث الأخرى. هذا إذا سارت الأمور بشكل طبيعي وبدون أي ارتباكات بسبب العقوبات الغربية على روسيا وحرمانها من التقنيات الرفيعة وفصلها عن نظام التحويلات المالية العالمي (سويفت).

التساؤلات كثيرة حول قدرة مصر على المناورة، وإمكانياتها على إيجاد بدائل أخرى، خاصة وأن مصر ليس لديها مشكلات في الكهرباء، بل على العكس فهي تصدر الكهرباء للدول الأخرى. وماذا عن حالة آلات ومعدات المحطة خلال السنوات العشر المقبلة على أقل تقدير، وماذا سيحدث لها؟!