تصطدم مساعي الحكومة للدخول بقوة في إنتاج الهيدروجين الأخضر بتحديات عدة. في مقدمتها التكاليف المرتفعة للإنتاج ومحدودية الطاقة المتجددة في مصر وصعوبة التخزين. والتي يمكن من خلالها الانطلاق من الهيدروجين الرمادي والأزرق إلى الأخضر.
للهيدروجين ألوان وهو معنى مجازي يتم وفق الطريقة التي يتم توليده عبرها. وليس لونه فهو غاز عديم اللون من الأساس. ويشير “الأخضر” إلى التقنيات الأكثر نظافة باعتباره لا يتضمن أي انبعاثات ملوثة للبيئة “زيرو كربون”. كما يمكن استخدامه كوقود للسيارات مباشرة لجودته ونقائه. بينما “الأزرق” فهو أقل نقاء ويتضمن انبعاثات كربون بنسبة 10% وهو صالح للأنشطة الصناعية.
ويتولد الهيدروجين الأخضر عبر عملية التحليل الكهروكيميائي للماء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة. كطاقة الرياح وناتج الانبعاثات الناجمة عن تلك العملية أكسجين نظيف يتم تحريره في الجو. والبعض يشتق منه الهيدروجين الأصفر الذي يتم تصنيعه عبر التحليل الكهربائي باستخدام الطاقة الشمسية فقط.
أما الهيدروجين الأزرق فينتج من عملية إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار شديد السخونة. ويتم تخزين غاز ثاني أكسيد الكربون في باطن الأرض. أما الهيدروجين الرمادي فسيتخرج عبر التقنية ذاتها لكن مع إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الهواء وبالتالي يعتبر ملوثًا للبيئة.
يوجد أيضًا الهيدروجين الأسود الناتج من الفحم. ويكثر استخدامه في اليابان عبر ما يسمى بـ”التغويز” وهي عملية تحويل المواد العضوية كالخشب إلى أول أكسيد الكربون والهيدروجين عند درجات حرارة عالية. مع كميات من الأكسجين محسوبة بدقة. وينتج عن هذه العملية مزيج غازي يدعى غاز الاصطناع.
يوجد “الهيدروجين الوردي” ويرتبط بالتحليل الكهربائي الناتج عن الطاقة النووية. والهيدروجين الفيروزي “التركوازي” ويتم إنتاجه من الغاز الطبيعي أو الكتلة الحيوية باستخدام التحلل الحراري اللا هوائي “الهضم”. ويشير للتخلص من النفايات العضوية باستخدام الكائنات الحية الدقيقة دون وجود الأكسجين.
36 ألف ميجـاوات طاقة تفصلنا عن سوق الهيدروجين الأخضر
من بين ألوان الهيدروجين يبقى الأخضر هو الأكثر كلفة. فإنتاج طن واحد منه يتطلب 61 ميجاوات في السـاعة مـن الكهربـاء المتجـددة. وبالتالي إحلاله محل الهيدروجين الرمادي الذي تنتجه مصر حاليًا يحتاج إلى 36 ألـف ميجـاوات. تعـادل أكثر مـن 60% مـن إجمالي قـدرة توليـد الكهربـاء الحالية بحسب دراسة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.
جعلت تلك الصعوبات العالم يتجه إلى إنتاج الهيدروجين “غير الأخضر” بأصنافه. إذ يتم إنتاج نحو 120 مليون طن هيدروجين سنويا. معظمها باستخدام الغاز والفحم اللذين يمثلان معًا 95% من الإنتاج العالمي. ما يعني أن الأخضر نسبته فقط 5% وفق تقرير إمدادات الهيدروجين العالمي لعام 2021 الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.
وبحسب الوكالة فإن الهيدروجين المنتج اليوم من الوقود الأحفوري دون احتجاز الكربون يؤدي إلى ما يقرب من 900 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. أي ما يعادل الانبعاثات الناتجة عن المملكة المتحدة وإندونيسيا معًا.
خلال السنوات الخمس الماضية ارتفع عدد المشروعات التي لا تزال قيد التطوير لإنتاج الهيدروجين الأخضر عالميًا إلى 350 مشروعًا. و40 أخرى بالمراحل الأولى. وفي حالة تحقيق كل هذه المشاريع فإن الإمداد العالمي منه سيصل إلى 8 ملايين طن بحلول 2030 مقابل 50 ألف طن حاليًا. 80 مليونًا مطلوبة عام 2030 في مسار الوكالة الدولية للطاقة إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
لمواجهة تحدي الطاقة الكهربائية النظيفة وضعت وزارة المالية خطة تستهدف تحسين تنافسية مصر بمؤشر الأداء البيئي من خلال زيادة نسبة الاستثمارات العامة الخضراء الممولة حكوميًا إلى 50% بحلول 2025.
كما تستهدف وزارة الكهرباء الوصول بالقدرات المركبة من الطاقات المتجددة إلى نحو 10 آلاف ميجاوات عام 2023. مع وضع خطة لزيادة الطاقات المتجددة إلى 42% بحلول 2035.
يمثل الإنفاق على مشروعات الطاقة المتجددة بهدف إنتاج الهيدروجين نشاطًا مربحًا مهما كانت التكلفة. فالتقديرات تشير إلى أنه بحلول 2050 ستصل قيمة سوق الهيدروجين الأخضر عالميًا إلى 600 مليار دولار.
خيارات صعبة لتخزين الهيدروجين الأخضر
لا يشكل حجم إنتاج الطاقة المتجددة التحدي الوحيد أمام إنتاج الهيدروجين الأخضر بمصر. إذ يوجد تحدٍ يتعلق بالتخزيـن قبل الاسـتهلاك أو النقل. وهي مشكلة دفعت منتجي الهدروجين عمومًا إلى استخدام أكثر من 60% من سوقه البالغة 150 مليار دولار في عملية إنتاج الأمونيا. تلتها عملية تكرير النفط وإنتاج الميثانول.
لتخزين الهيدروجين الأخضر بمصر توجـد خيـارات. منها التخزيـن في كهوف الملـح أو حقول الغاز. وفي الحالـة المصرية يبدو الخيار الأول -اسـتخدام حقـول الغاز المسـتنفذة لتخزيـن الهيدروجيـن في مناطـق دلتـا النيـل والصحـراء الغربية. فلا توجد معلومات كاملة حول عدد كهوف الملح التي يتم استخدام بعضها في أغراض سياحية وعلاجية. لكن يواجه التخزين في الآبار المستنفذة مشكلة في إمكانية تفاعـل الهيدروجين مع المـواد المتبقية في هـذه الحقول. مـا قد يتسـبب في إطلاق غاز كبريتيـد الهيدروجيـن.
وكبريتيـد الهيدروجيـن، غاز عديم اللون قابل للاشتعال وهو كريه الرائحة تشبه رائحته العفن. ويستخرج من الغاز المصاحب للبترول ويتم فصله بالحرارة وتتم معالجته وتكثيفه لتسهيل عملية نقله. ويُستخدم على نطاق واسع في التحاليل الكيميائية.
الأمونيا.. خيار رخيص لكن مرهون بالمشتري
يبقى الخيار الثاني هو تحويل الهيدروجين إلى الصـورة السـائلة في شـكل الأمونيا الخضـراء. وهي أرخـص البدائل المتاحة لمصر من حيث تكلفـة تخزينـه. خاصة أنها المنتـج الأول لها بأفريقيا ولديهـا خبرة راسـخة في إنتـاجها وتخزينهـا ونقلهـا. إلا أن كثيـًرا مـن المراقبيـن يؤكدون أن خيار تخزيـن الهيدروجيـن الأخضر بتحويله إلـى الأمونيـا الخضراء سـيعتمد في الأسـاس علـى الكيفية التي سـيتم بها اسـتخدام الهيدروجيـن الأخضر. وما إذا كان سـيتم اسـتخدامه بالكامـل محليًا أم سـيتم تصديره إلـى الخارج.
“الأمونيا الخضراء” هي نتاج تفاعل الهيدروجين والنتروجين معًا عند درجات حرارة مرتفعة وضغط عالٍ. وينتج عن عملية تصنيعها الماء والنيتروجين. والأمونيا يمكن تكسيرها لتوفير غاز الهيدروجين عند الحاجة ولديها كثافة أعلى للطاقة.
تعتبر مصر مـن أوائل الدول في منطقة الشـرق الأوسـط وشـمال أفريقيا التي أنتجت واسـتخدمت الهيدروجيـن الأخضر في إنتاج الأمونيا عـام 1960. وذلك عبر شركة “كيمـا” باستخدام الطاقة الكهرومائية من سـد أسـوان.
وتواجه مصر تحديات أيضًا فيما يتعلق بالتحول نحو الهيدروجين الأخضر. بينها متطلبات اسـتثمارية ضخمـة تتراوح بين 11 مليـارا و29 مليـار دولار تتضمن تكاليـف تطويـر مشـروعات الطاقة المتجـددة لتزويـد الكهربـاء أنظمة التحليـل الكهربائـي.
لكن تعول الحكومة كثيرًا على التعاون مع المستثمرين الأجانب. بعد توقيع شركتي “مصدر” الإماراتية و”حسن علام للمرافق” المصرية لتطوير محطات لإنتاج الهيدروجين الأخضر في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وعلى ساحل البحر المتوسط. على مراحل مختلفة تمتد حتى عام 2030. وذلك لإنتاج ما يصل إلى 480 ألف طن هيدروجين أخضر سنويا عبر محللات كهربائية بقدرة4 جيجاوات.
وتوجد شركات دولية مثل سيمنز الألمانية وإيني وسنام الإيطاليتين وديمي البلجيكية وهيونداي وروتيم الكوريتين. والتي تدرس مشروعات تجريبية أو تعد دراسات جدوى أو تناقش الأمر مع الحكومة المصرية.
ووقعت الحكومة مذكرات مشروعات الهيدروجين الأخضر بالسخنة. والتي ستبلغ أكثر من 10 مليارات دولار. وتستهدف المنطقة توطين هذا النوع من الصناعات في مناطقها المتكاملة بالسخنة وشرق بورسعيد.
توليد الهيدروجين والمياه العذبة
من بين التحديات أيضًا كمية المياه العذبة التي تتطلبها عملية التحليـل الكهربائي. فإنتـاج كجـم من الهيدروجيـن تتطلـب ما يقرب مـن 9 لترات ماء. وبالتالي على مصر أن تزيد من استثمارات محطات التحلية. خاصة أن المياه المالحة لا يمكن استثمارها حتى لا تتلف الأجهزة.
وبحسيب الدراسات فإن إنتاج 2.3 مليار طن من الهيدروجين يتطلب نحو 20.5 مليار متر مكعب سنويًا من المياه العذبة. والتي تمثل 1.5 جزء في المليون من المياه العذبة المتوفرة على الأرض. لكن هذا لا يزال أقل بنسبة 33٪ من الاستخدامات الحالية المتعلقة بطاقة الوقود الأحفوري التي تستخدم في التكسير والتبريد.
وتنفذ وزارة الإسكان حاليًا نحو 19 محطة لتحلية مياه البحر بطاقة إجمالية 682 ألف متر مكعب. وذلك بمحافظات شمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر ومطروح وبورسعيد بتكلفة 9.4 مليار جنيه.
ويبلغ إجمالي عدد محطات التحلية القائمة حاليا 60 بطاقة 440 ألف متر مكعب يوميًا بمحافظات شمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر ومطروح والإسماعيلية. ليصبح إجمالي طاقة محطات التحلية المتوقع حتى عام 2022 نحو 1.7 مليون متر مكعب يوميًا. تمثل 6% من إجمالي الاستهلاك الحالي لمياه الشرب. كما تخطط وزارة الإسكان لطرح خمس محطات أخرى بطاقات تصل إلى نحو 10.5 مليون متر مكعب شهريًا.
لماذا الهيدروجين الأخضر أهم من الغاز والنفط؟
يحتوي الهيدروجين على ما يقرب من ثلاثة أضعاف الطاقة التي يحتويها البنزين. فالطاقة في لتر من غاز الهيدروجين هي تقريبا الطاقة في 2.8 لتر بنزين. كما أن الهيدروجين يحتوي على كثافة حجمية منخفضة. إذ يتم تخزينه على متن مركبة كغاز مضغوط لتحقيق نطاق قيادة المركبات التقليدية.
وتُظهر البيانات المأخوذة من محطات التزود بالوقود بالهيدروجين بالتجزئة. والتي تم جمعها وتحليلها من قبل المختبر الوطني للطاقة المتجددة في أمريكا. أن التزود به أسرع بكثير. فمتوسط الوقت الذي يكفي للتزويد بالوقود أقل من 4 دقائق.
في كاليفورنيا تم فتح 47 محطة هيدروجين للبيع بالتجزئة للجمهور اعتبارًا من منتصف 2021. بالإضافة إلى واحدة في هاواي. بجانب 55 محطة أخرى في مراحل مختلفة من البناء أو التخطيط في كاليفورنيا.
كما تنتظر شركة السكك الحديدية بألمانيا نتائج أول تجربة لقطار صنعته شركة “سيمنس” الألمانية للصناعات الهندسية. ويعتمد على الهيدروجين الأخضر بمدى 600 كيلومتر. وتهدف الشركة إلى جعل سككها الحديدية محايدة مناخيا خلال الثلاثين عاما القادمة واستبدال 1300 قطار يعمل بالديزل.
وتنتظر مصر فرصا جيدة في مجال الهيدروجين الأخضر. فالكمية المطلوبة في أوروبا بحلول عام 2030 تتجاوز أكثر من 10 ملايين طن سنويًا. ولتلبية هذا الطلب يجب أن يعمل منتجو الهيدروجين المحتملون وشركات إنتاج الهيدروجين معًا لتسريع بناء القدرات المطلوبة.
وتلعب شركة الطاقة H2-Industries دورا في هذا المجال. وهي واحدة من أكبر منشآت تحويل النفايات إلى الهيدروجين في العالم. وبدأت الشركة مشروعا بمصر على مراحل. أولها تمثل 20٪ من الحجم الإجمالي لمحطة الطاقة المستقبلية. وستستغرق نحو 24 شهرًا حتى أول إنتاج للهيدروجين الأخضر.
ومن المقرر أن يبدأ إنتاج المرحلتين الأخريين خلال العامين المقبلين. مع مزيد من التوسعات الممكنة اعتمادًا على النفايات التي يتم توفيرها وفقًا للرئيس التنفيذي للشركة ميشيل سوتش.