من المقرر أن يزور رئيس الولايات المتحدة جو بايدن الشرق الأوسط في الفترة بين 13-16 يوليو/ تموز 2022. تبدأ جولته بزيارة إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ثم يطير مباشرة إلى جدة بالمملكة العربية السعودية. حيث يلتقي قادة المملكة، ويحضر قمة دول مجلس التعاون الخليجي، والذين ينضم إليهم هذه المرة قادة مصر والأردن والعراق.

تعكس المرحلةالأولى من الجولة رغبة الرئيس الأمريكي في إظهار التزامه تجاه إسرائيل، رغم المخاوف الإقليمية من انسحاب الولايات المتحدة عسكريًا وسياسيًا من المنطقة، في مقابل الاهتمام بمنطقة المحيطين الهندي والهادي. بينما تهدف زيارته إلى السعودية إلى تعزيز المصالح الأمريكية الفورية. حيث يأمل في التأثير على أسعار النفط، واستعادة مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتوسيع التنسيق العسكري الإقليمي تجاه إيران.

وبينما سيكرر الرئيس الأمريكي في لقاءاته مع القيادة الفلسطينية، التزامه بحل الدولتين، لكن -في واقع الأمر- لا توجد توقعات بحدوث انفراج سياسي. فيما ستعمل إسرائيل لمواكبة نهج الإدارة الأمريكية المتغير تجاه المملكة السعودية من أجل الاستفادة من الاحتمالات اللاحقة.

بالطبع، ستمثل إيران محورا من محاور زيارة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة. فلا يزال مستقبل الاتفاق النووي غير واضح، والإدارة الأمريكية على دراية بضرورة الاستعداد لواقع لا يوجد فيه اتفاق، وتواصل فيه إيران برنامجًا نوويًا نشطًا. هنا، تسعى الدولة العبرية لاستمرار التنسيق الوثيق مع أمريكا. حيث تدأب جاهدة لتحديد الخطوط الحمراء، والردود السياسية والاقتصادية والعسكرية إذا تم تجاوز الاتفاق النووي.

اقرأ أيضا: هل تنجح إسرائيل في دفع بايدن إلى “ضغط” إيران؟

الالتزام بأمن إسرائيل

في ورقة سياسات صادرة حديثا عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS. يشير تامر هايمان العضو المنتدب للمعهد، وإلداد شافيت مدير برنامج أبحاث العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة. إلى أن قرار بايدن بزيارة إسرائيل -الذي اتخذه قبل بضعة أشهر وقبل إضافة السعودية إلى خط سير الرحلة- “يعكس قبل كل شيء رغبته في التأكيد مرة أخرى على التزامه الشخصي الاستثنائي تجاه إسرائيل. ورغبته في التزام مكشوف بأمن إسرائيل وازدهارها “.

وأضافا: من وجهة نظره، تكمن أهمية الزيارة في حدوثها. ومن هنا، نيته القيام بالرحلة على الرغم من التطورات السياسية في إسرائيل “وجود حكومة مؤقتة والاتجاه لانتخابات عامة جديدة”. في اجتماعاتها مع القيادة الفلسطينية، ستعيد الإدارة الأمريكية تأكيد التزامها بحل الدولتين، لكن لا توجد توقعات بحدوث انفراج سياسي.

في حين أن زيارة إسرائيل مهمة لبايدن على المستوى الشخصي، فإن إدارته دفعته للذهاب إلى الرياض، التي تولي الإدارة الأمريكية أهمية كبيرة لجعلها زيارة ناجحة. وافق بايدن على الزيارة بعد مداولات مكثفة، وإدراكًا للانتقادات الكبيرة التي تثيرها، خاصة على الساحة الأمريكية المحلية. نظرًا لموقفه السابق بشأن تورط ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في مقتل الصحفي جمال خاشقجي.

“مع ذلك، فإن الواقع الجيواستراتيجي الناشئ يدفع الإدارة الأمريكية إلى إعطاء الأولوية لنهج واقعي يعلو على الالتزام بالقيم”، وفق الباحثين.

لماذا يضطر بايدن للذهاب إلى الرياض؟

تؤثر الأزمة الاقتصادية العالمية -الناجمة جزئيًا عن الحرب المستمرة في أوكرانيا- على الولايات المتحدة بشكل مباشر. مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم إلى مستويات جديدة، وتعزيز المخاوف من حدوث ركود خطير. كما تؤدي الانتخابات النصفية المقررة للكونجرس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، والمخاطر الملموسة بفقدان الأغلبية الديمقراطية، إلى زيادة فهم الإدارة الحالية بأن تغيير النهج ضروري. بما في ذلك في الاستراتيجية المتعلقة بالشرق الأوسط، من أجل إحداث تأثير إيجابي على أسعار النفط.

هناك العديد من القضايا على الأجندة الأمريكية- السعودية، والتي لا يُعتقد أن يتم حلها جميعًا خلال الزيارة. لكنها تشمل تحقيق انخفاض في أسعار النفط، من خلال التزام واضح من المملكة بزيادة الإنتاج بمرور الوقت. ترى الولايات المتحدة أن مثل هذا الالتزام -حتى لو لم يكن له تأثير مباشر على الأسعار- سوف يدعم الاستقرار في الأسعار، الذي سيكون له تأثير إيجابي على المدى الطويل.

يسعى بايدن كذلك إلى استعادة مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وإعطاء الدول العربية -وخاصة دول الخليج- إمكانية الاعتماد على واشنطن كحليف رئيسي لها “وهذا من شأنه أن يتحدى المفهوم الذي نما خلال العام الماضي. بأن الولايات المتحدة تنفصل عن الشرق الأوسط، وما يترتب على ذلك من نية دول المنطقة في النظر إلى الشرق، وخاصة الصين”. كما يُعلّق هايمان وشافيت.

اقرأ أيضا: معضلة أوكرانيا ومرونة نيكسون الغائبة.. ماذا قال كسينجر في كتابه الأخير؟

التحالف في مواجهة إيران

يهدف بايدن خلال زيارته إلى تأمين ما حول الاتفاق النووي. من حيث وضع خطة لتوسيع التعاون مع الدول العربية في الشأن الإيراني بالتنسيق مع إسرائيل-قدر الإمكان- حيث “من الواضح للإدارة الأمريكية أنه في واقع توجد فيه احتمالات ضئيلة بأن يتم تجديد الاتفاقية النووية. وتستمر إيران في التقدم في برنامجها النووي. وحتى إذا تم التوصل إلى اتفاق، فإن دول المنطقة تتوقع من الولايات المتحدة تقديم خطة عمل تحمي مصالحها. ويبدو أن للإدارة مصلحة في تقاسم أعباء التعامل مع إيران مع دول المنطقة، ومنعها من السير في اتجاهات لا تتناسب مع المصالح الأمريكية”.

أمّا الهدف الأهم لزيارة بايدن، فهو دفع إجراءات التطبيع الإقليمي. خاصة بين السعودية وإسرائيل. ذكرت تقارير أمريكية أن الإدارة تعمل على “خارطة طريق للتطبيع” بين البلدين. وبحسب تقرير لصحيفة The Wall Street Journal في 26 يونيو/ حزيران الماضي، فقد اجتمع مسئولون عسكريون مصريون في شرم الشيخ. مع نظرائهم من إسرائيل والسعودية وقطر والأردن والإمارات والبحرين لمناقشة التعاون في مجال الدفاع. كما قال محرر الصحيفة ديفيد كلود.

وقال التقرير “إنها المرة الأولى التي يلتقي فيها مسئولون إسرائيليون وعرب رفيعو المستوى لمناقشة التعاون العسكري ضد تهديد مشترك”. ولفت إلى أن المسئولين العسكريين “اجتمعوا لاستكشاف كيف يمكن للدول أن تدافع ضد قدرات إيران الصاروخية. والطائرات بدون طيار المتزايدة”. ولفت إلى أن الاجتماع كان بحضور الجنرال فرانك ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية السابق.

ووفق التقرير، اتفق القادة من حيث المبدأ على نظام للإبلاغ السريع عند الكشف عن التهديدات الجوية. ومع ذلك، فإن هذه التفاهمات “لم تكن ملزمة”. كما أشار إلى أن “المرحلة التالية هي تأمين الدعم السياسي من قادة الشرق الأوسط بشأن إجراءات الإخطار”. وقال التقرير إنه “على الرغم من أن إسرائيل وجيرانها في المراحل الأولى من مناقشة التعاون العسكري. فإن الأمر لا يزال حساسًا من الناحية الدبلوماسية”.

لذلك، خلال زيارته، من المفترض أن يناقش بايدن “رؤية للدفاع الصاروخي المتكامل والدفاع البحري MEAD” مع مضيفيه.

تحركات إسرائيل لاغتنام الزيارة

يرى هايمان وشافيت أن زيارة بايدن علامة فارقة “حتى لو كانت الزيارة رمزية بشكل ما . فهي تنضم إلى سلسلة طويلة من المحادثات التي جرت خلال العام الماضي، والتي ترمز إلى الاتجاه الذي تحدده الإدارة، والأهمية التي توليها للحوار المستمر على جميع المستويات مع الحكومة الإسرائيلية”. ويلفت الباحثان إلى أن إسرائيل لها مصلحة واضحة في الحفاظ على البراجماتية والعلاقة الحميمة التي تميز العلاقات الحالية.

يقول الباحثان: أتاح الحوار السري الجاري بين إسرائيل والولايات المتحدة خلال العام الماضي طرح مواقف صريحة، بل مواقف متناقضة. يجب أن يفهم كلا البلدين بوضوح المصالح المشتركة والمتباينة. القدرة على تنحية الخلافات، وصياغة سياسة مشتركة، هي أمور في المصلحة العليا لإسرائيل. في هذا السياق، يوصى بأن يكون لدى صانعي القرار في إسرائيل صورة واضحة عن مصالح وأولويات الإدارة الأمريكية. خاصة في سياق المنافسة مع الصين، والحرب في أوكرانيا، وأن تأخذ السياسة الإسرائيلية هذه المصالح بعين الاعتبار.

وأوضحا أنه “بقدر المستطاع. الهدف هو تعزيز فهم الإدارة، وفهم الكونجرس، أن إسرائيل حليف للولايات المتحدة. وانها تقف موقف الند في هذه العلاقة التحالفية”.

يشير الباحثان كذلك إلى أنه على الرغم من استئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي، فليس من المؤكد أنه سيتم التوصل إلى اتفاق. وبينما تدرك الإدارة الأمريكية أن عليها الاستعداد لواقع لا يوجد فيه اتفاق، وبينما يستمر برنامج نووي فاعل في إيران. فإن التنسيق الوثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة أمر حتمي.

يلفت الباحثان إلى أن زيارة بايدن “لديها القدرة على تعميق اتجاه التطبيع بين إسرائيل والدول العربية بشكل عام، والمملكة العربية السعودية بشكل خاص”. وذلك “حتى لو كانت فرص إنشاء تحالف إقليمي للناتو منخفضة”.

أوضحا: يجب صياغة خريطة طريق للعلاقات الوثيقة بين إسرائيل والمملكة. هذه أمور مهمة من الناحية الاستراتيجية لجميع الأطراف. من جانبها، ستقوم إسرائيل بالتركيز على طرح أفكار للتدابير السرية والعامة التي من شأنها أن تسهل على السعوديين عبور النهر، وتعزيز العلاقات الثنائية بوتيرة تناسبهم. إن تدشين شكل للعلاقات الإسرائيلية- السعودية، سيعتبر عودة مناسبة لجهود الرئيس بايدن.”