أطلقت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المرتقبة إلى المملكة العربية السعودية، العنان للثرثرة في مجتمع السياسة الخارجية الأمريكية. ظهرت بعض ردود الأفعال -بما في ذلك من الديمقراطيين المؤثرين- السلبية بلا تحفظ. فبينما قال عضو الكونجرس الديمقراطي آدم شيف: “حتى تقوم السعودية بتغيير جذري فيما يتعلق بحقوق الإنسان، لا أريد أن أفعل أي شيء معه”. في إشارة إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. لكن المدافعين عن قرار بايدن، يجادلون بأن المصالح الأمريكية -وحقائق القوة في الشرق الأوسط- تتطلب علاقة استراتيجية مع السعوديين، على الرغم من سجلهم السيئ في حقوق الإنسان والديمقراطية.
صار الخلاف والجدل بشأن السعودية لافتا للنظر في أوساط السياسيين الأمريكيين. لأن الرؤساء كانوا يجتمعون مع القادة السعوديين بانتظام منذ السبعينيات من القرن الماضي. لكن إدارة بايدن ذكرت -بعبارات لا لبس فيها- أنها ستعامل المملكة بشكل مختلف عن الإدارات السابقة.
وخلال حملته الرئاسية عام 2020، قال بايدن إنه سيجعل السعوديين “يدفعون الثمن” لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. مع رفضه للمشاركة السعودية في حرب اليمن، وقال إنه سيعاملهم على أنهم “منبوذون”. ظهر هذا جليا عندما أذن بمجرد توليه منصبه بنشر تقرير استخباراتي يفيد بأن ولي العهد كان مسؤولاً عن مقتل خاشقجي، عبر عملاء سعوديين في القنصلية السعودية في إسطنبول.
لذلك، تمثل الزيارة القادمة إلى السعودية انعكاسًا وتراجعًا لرئيس يواجه عددًا متزايدًا من المشاكل السياسية في الداخل. بعد أن خاض شوطا لا يستهان به من النبذ، فقد رفض بايدن التعامل مباشرة مع ولي العهد، ورفع الحوثيين -خصوم السعوديين في اليمن- من قوائم الإرهاب. وأزال بطاريات الدفاع الجوي الأمريكية من المملكة.
اقرأ أيضا: إسرائيل والسعودية وبينهما بايدن.. النفط والتطبيع والتعاون العسكري في الأفق
التراجع عن “نبذ” السعودية
يرى جريجوري جاوس، أستاذ الشؤون الدولية بكلية بوش للإدارة الحكومية والخدمة العامة بجامعة تكساس أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط يجب أن تعطي الأولوية للنظام على الأهداف الأخرى. وهذا يعني “التعامل مع الأنظمة والقادة الذين تلطخت أيديهم بالدماء إذا كان ذلك يخدم مصالح الولايات المتحدة”، حسب قوله.
تتوافق إعادة الارتباط الأمريكي مع السعودية مع هذه الأجندة. على الرغم من أن زيارة بايدن قد لا تتماشى مع خطاباته السابقة والقيم المعلنة، إلا أنه سيساعد في تصحيح العلاقة إذا تم تأدية الدور بشكل صحيح. يترتب على هذا أن تساعد في استقرار أسواق النفط العالمية، وتمديد الهدنة في الحرب الأهلية اليمنية، واحتواء الطموحات الإيرانية.
يقول جاوس: منذ توليه منصبه، كان بايدن منفتحًا -جزئيًا على الأقل- لإعطاء الأولوية للنظام في الشرق الأوسط على الأهداف الأخرى. مثل حماية حقوق الإنسان، وتعزيز الديمقراطية. بعد كل شيء، أعاد بايدن فتح المحادثات مع إيران، بوساطة الأوروبيين، حول استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة، التي نجحت خلال إدارة الرئيس باراك أوباما في دحر برنامج إيران النووي.
يضيف: عندما انسحب الرئيس دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة. جددت إيران برنامجها النووي، واقتربت منذ ذلك الحين من التسليح المحتمل. كانت إدارة بايدن على استعداد لوضع قائمة طويلة من القضايا مع طهران جانباً، بما في ذلك دعمها للمنظمات الإرهابية، ونظام بشار الأسد الوحشي في سوريا. وترسانتها المتنامية من الصواريخ الباليستية، لمحاولة وقف أو إبطاء تقدم برنامج إيران النووي. ليس هناك ما يرجح أن يؤدي إلى زيادة الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة أكثر من احتمال امتلاك أسلحة نووية إيرانية.
خطوة أخرى نحو النظام
في مقاله المنشور في Foreign Affairs يؤكد جاوس أن زيارة بايدن للسعودية هي خطوة أخرى نحو النظام والاستقرار.
يقول: مع الغزو الروسي لأوكرانيا الذي عطل أسواق الطاقة العالمية، أخذ دور الرياض -كأكبر مصدر للنفط- أهمية متجددة. يتطلب النظام في سوق النفط من السعوديين استخدام طاقتهم الإنتاجية المعطلة، للتعويض -على الأقل- عن بعض الإمدادات الروسية المفقودة بسبب العقوبات. وبدافع جزئي من اتفاقيات إبراهيم التي أبرمتها إدارة ترامب، بدأت المملكة بالتواصل مؤقتًا مع إسرائيل. وهو تطور سيسهم أيضًا في شرق أوسط أكثر تنظيماً وقابلية للتنبؤ.
إن تحقيق هذه المصالح الأمريكية الملموسة يبرر التقليل من أهمية اعتراضات بايدن على انتهاكات حقوق الإنسان السعودية وتقليل التوترات في العلاقة الأمريكية السعودية. هذا التحول يؤتي ثماره بالفعل. تم تمديد وقف إطلاق النار في الحرب الأهلية اليمنية ، نتيجة جزء من الدبلوماسية الأمريكية مع المملكة العربية السعودية ، لمدة شهرين آخرين في يونيو/حزيران. وقد وافق السعوديون بالفعل على تسريع الزيادات المخطط لها في إنتاج النفط خلال الصيف.
ويلفت جاوس إلى أنه “ليست إدارة بايدن وحدها هي التي تتجاهل المزيد من الأهداف الأيديولوجية بحثًا عن شرق أوسط أكثر تنظيماً. كذلك الحكومات في المنطقة. في الأشهر الأخيرة، أجرت السعودية وإيران سلسلة من المحادثات الثنائية بوساطة من الحكومة العراقية. كما أعادت الإمارات الانخراط المباشر مع إيران”.
في السنوات الأخيرة، وبخ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأمير السعودي محمد بن سلمان، علنًا، بشأن مقتل خاشقجي. وسعى على نطاق أوسع لتحدي محاولات القيادة السعودية للدول العربية السنية في الشرق الأوسط. لكن في نهاية يونيو/ حزيران، استقبل أردوغان ولي العهد في أنقرة.
وفي خطوة أكثر إثارة للجدل-على الأقل من وجهة النظر الأمريكية- استضافت حكومة الإمارات الرئيس السوري بشار الأسد في مارس/أذار، بعد دعم الثورة ضده لعدد من السنوات. وكانت هذه أول زيارة للأسد لدولة عربية، منذ بدء الحرب الأهلية السورية في عام 2011.
اقرأ أيضا: أول الأوراق الروسية.. زيارة الأسد إلى الإمارات: أبوظبي تبحث عن بديل لأمريكا
العودة إلى المسار الصحيح
لا يرى أستاذ الشؤون الدولية بكلية بوش أن أي من هذه التطورات تشير إلى أن السلام على وشك أن يتحقق في منطقة الشرق الأوسط. بل يلفت إلى أن فرص الصراع لا تزال موجودة على عدة محاور، هي الإيرانية- الإسرائيلية، والإيرانية- السعودية، والإسرائيلية- اللبنانية، والسورية- التركية، والسعودية- اليمنية. من بين محاور أخرى مرتفعة “لكن الخطوات نحو التقارب تشير بالفعل إلى أن القادة الإقليميين بدأوا في إعادة النظر في تكاليف عدم الاستقرار، وفوائد النظام”. ويؤكد: “يجب أن تشجع الدبلوماسية الأمريكية هذا الاتجاه وتشارك فيه”.
يوّضح جاوس: لقد تآكلت أسس العلاقات الأمريكية- السعودية التي كانت صعبة في بعض الأحيان. ومن الواضح أنها تتعلق بالمعاملات، ولكنها مفيدة للطرفين خلال الرئاسات الأمريكية الثلاث الأخيرة “أوباما، ترامب، بوش”. أدى الجمع بين زيادة إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة، وانخفاض أسعار النفط في النصف الثاني من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والقلق بشأن تغير المناخ. إلى استنتاج الكثيرين في الولايات المتحدة أن السعودية ونفطها لم يعدا بهذه الأهمية.
ولأن كل من أوباما وترامب وبايدن قاموا بشن حملة لإعادة توجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعيدًا عن الشرق الأوسط “تخوفت القيادة السعودية من أن يكون الانسحاب الأمريكي من المنطقة مبالغا فيه، بالنظر إلى استمرار الوجود العسكري والسياسي الأمريكي في المنطقة، لكن المشاعر حقيقية”.