قبل عقدين من اندلاع الحرب العالمية الثانية، اكتشف عالم الأرصاد الجوية الياباني واسابورو أويشي. تدفقا للتيارات الهوائية عالية الارتفاع، والتي تعرف الآن باسم “التيارات النفاثة”، والتي تمتد عابرة المحيط الأطلسي. أجرى أويشي مجموعة من التجارب باستخدام أكثر من بالون أطلقها من مواقع مختلفة في اليابان، ونجح في تأكيد وجود هذه التيارات الهوائية القوية والمستمرة. التي تتدفق من الغرب إلى الشرق.

اختار العالم الياباني نشر أبحاثه بلغة غريبة ونادرة، لم يكن يتحدث بها سوى قلة قليلة من الناس، عرفت باسم لغة الـ “إيسبيرانتو”. لكن الخبراء العسكريون اليابانيون أدركوا أن بإمكانهم استخدام هذه التيارات الهوائية القوية، التي تتدفق على ارتفاعات عالية. كوسيلة نقل لقنابلهم عبر المحيط الهادئ، وصولا إلى الأراضي الأمريكية.

خلال فترة دامت خمسة أشهر انتهت في إبريل/ نيسان عام 1945. أطلق اليابانيون حوالي 9000 بالونا ناريا -وصلت 300 منها إلى الساحل الغربي للقارة الأمريكية- وكان عرض كل واحد منها عشرة أمتار، كما كانت مليئة بغاز الهيدروجين، وتحمل مئات الكيلوجرامات من المتفجرات والقنابل الحارقة. ويتم التحكم في مسارها وحركتها بدقة، بحيث لم يكن يسمح لها أن يزيد ارتفاعها أو ينخفض عن تسعة آلاف متر.

وعلى مدى ثلاثة أيام، كان البالون يحلق فوق المحيط الهادئ مستقلا التيارات النفاثة عالية الارتفاع. وفي اليوم الثالث بالضبط، تطلق آلية موقوتة شحنة القنابل فوق الأراضي الأمريكية. هذه القنابل كانت ذاتية التفجير، من أجل منع العدو من عكس هندستها التكنولوجية.

بعد عشرات الأعوام، تعود البالونات مرة أخرى لتصير أحدث سلاح للجيش الأمريكي ضد الصين وروسيا، وهو المشروع الذي أطلق عليه بعض المراقبون “الهواء الساخن”.

اقرأ أيضا: الشبكة الحديدية.. القمع الرقمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

سباق الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت

رصدت مجلة POLITICO  في تقرير حديث، مشروعًا لوزارة الدفاع الأمريكية للتغلب على المنافسة من الصين وروسيا. وذلك باستخدام البالونات، على ارتفاعات عالية-تتراوح بين 60 ألف و90 ألف قدم- إلى شبكة المراقبة الواسعة التابعة للبنتاجون. والتي يمكن استخدامها في نهاية المطاف لتتبع الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

يقول التقرير: قد تبدو الفكرة مثل الخيال العلمي. لكن وثائق ميزانية البنتاجون، تشير إلى أن التكنولوجيا تنتقل من المجتمع العلمي لوزارة الدفاع، إلى الخدمات العسكرية. وأوضح على لسان توم كاراكو، الزميل الأول في برنامج الأمن الدولي، ومدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الاستراتيجية والدراسات الدولية. قوله إن البنتاجون “يواصل الاستثمار في هذه المشاريع، لأن الجيش يمكن أن يستخدم البالونات في مهام مختلفة”.

وأضاف: على مدى العامين الماضيين، أنفق البنتاجون ما يقرب من 3.8 مليون دولار على مشاريع البالون. ويخطط لإنفاق 27.1 مليون دولار في السنة المالية 2023 لمواصلة العمل على جهود متعددة. وفقًا لوثائق الميزانية. في غضون ذلك، يتم العمل على برنامج أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، على الرغم من فشل الاختبار الأخير الأربعاء الماضي.

لكن POLITICO تشير إلى أن هذه البالونات قد تساعد في تعقب وردع الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، التي تطورها الصين وروسيا. وهي تقنية أرخص من الأقمار الصناعية باهظة الثمن التي تقوم بتتبع الصواريخ. حيث تقوم البالونات على شكل دمعة بجمع البيانات المعقدة، والتنقل باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

في الوقت نفسه، فاجأت الصين وزارة الدفاع الأمريكية، في أغسطس/ آب، باختبار صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت. قادرًا على حمل السلاح النووي، والذي أخطأ هدفه بصعوبة بحوالي عشرين ميلاً.

أيضا، بدأت روسيا تكثيف تطوير الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، رداً على انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية في عام 2002. وزعمت الحكومة الروسية إطلاق صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت في هجوم على أوكرانيا في مارس / آذار. وهو أول استخدام له في القتال.

البالون.. قنص المعلومات من السماء

لسنوات، أجرت وزارة الدفاع الأمريكية اختبارات باستخدام بالونات عالية الارتفاع، وطائرات بدون طيار تعمل بالطاقة الشمسية. لجمع البيانات، وتزويد القوات البرية بالاتصالات، وتخفيف مشاكل الأقمار الصناعية. هنا، اكتشفت POLITICO أن البنتاجون ينقل بهدوء مشاريع البالونات إلى الخدمات العسكرية، من أجل جمع البيانات ونقل المعلومات إلى الطائرات، حسبما ظهر في وثائق ميزانية وزارة الدفاع.

ظهر للعن مشروع العمارة الستراتوسفيرية السرية (COLD STAR) -وهو مشروع مصمم لتحديد مكان مهربي المخدرات- في عام 2019. في ذلك الوقت، أطلق البنتاغون 25 بالونًا للمراقبة من ساوث داكوتا. وأكد مسئولوه للمجلة الأمريكية أن برنامج COLD STAR قد انتقل إلى الخدمات العسكرية، دون الكشف عن تفاصيل سرية.

وبهدف ربط جميع التقنيات معًا. يجري البنتاجون تجارب لتقييم كيفية دمج بالونات عالية الارتفاع مع أقمار صناعية تجارية، في هجوم يُعرف باسم “سلسلة القتل“.

في عام 2020، بدأ الجيش الأمريكي في التفكير بجدية في الفكرة باعتبارها وسيلة مراقبة فعالة ورخيصة نسبيًا. وتحمست قيادة الدفاع عن الفضاء والصواريخ بالجيش باختبارات وتجارب البالونات على ارتفاعات عالية التي أجريت في نيو مكسيكو. وأوضح الجنرال دانيال كاربلر في مقابلة مع Defense News: “هناك أمور استثنائية يمكننا فعلها بالمناطيد على ارتفاعات عالية. ليس لدي تحليل للتكلفة، ولكن في رأيي، ستضاف بنسات على الدولار للقيام بذلك”.

كما أشارت تقارير إعلامية سابقة إلى أن الجيش الأمريكي كان يخطط لبناء شبكة من البالونات على ارتفاعات عالية. يمكن أن تنقل أسربا من الطائرات بدون طيار، فوق الأراضي التي يسيطر عليها العدو. بما في ذلك الطائرات المجهزة بأسلحة التسكع، أو “الطائرات الانتحارية بدون طيار”. ومع ذلك، فإن هذه المناطيد عالية الارتفاع قد تخدم أغراضًا أكثر أهمية.

اقرأ أيضا: هل تصبح إعادة تسليح سيناء قنبلة في وجه إسرائيل؟

كيف تعمل البالونات؟

تصنع شركة Raven Aerostar البالونات عالية الارتفاع التي يتم استخدامها في المشروع. وهي تتألف من وحدة تحكم في الطيران يتم تشغيلها بواسطة بطاريات يعاد شحنها بألواح شمسية متجددة. بالإضافة إلى ذلك، فهي تحتوي على حزمة إلكترونيات حمولة تنظم الاتصالات والملاحة وسلامة الطيران، وفقًا لما شرحه راسل فان دير ويرف، مدير الهندسة في الشركة، لـ Eurasian Times.

وأشار ويرف إلى أن التقنية تستخدم سرعات الرياح والاتجاهات لإرسال البالون إلى الموقع المقصود. تتيح تيارات الرياح للبالون أن يطفو على طول مسار الرحلة المحدد. وتستخدم الشركة نظامًا مخصصًا للتعلم الآلي، للتنبؤ باتجاهات الرياح، والجمع بين بيانات المستشعرات الواردة في الوقت الفعلي.

يمكن أن تكمل البالونات العمل الذي تقوم به الطائرات والأقمار الصناعية التقليدية، ويمكن إنتاج بالونات الستراتوسفير وإطلاقها بسرعة وبتكلفة منخفضة. من المحتمل أن تكون هذه هي التكنولوجيا التي ينوي الجيش الأمريكي تبنيها بطريقة مماثلة إن لم تكن بنفس الطريقة.

يلفت توم كاراكو، مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الاستراتيجية والدراسات الدولية. إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية تعمل أيضًا على استخدام طائرات بدون طيار مجهزة بحمولات الستراتوسفير. جنبًا إلى جنب مع البالونات، لتتبع الأهداف الأرضية المتحركة، وتوفير الاتصالات، واعتراض الإشارات الإلكترونية. “الفكرة هي أن تنتقل التكنولوجيا إلى الجيش وقيادة العمليات الخاصة الأمريكية”، وفقًا لوثائق الميزانية.