بينما تواصل القوات الروسية حربها في الأراضي الأوكرانية المجاورة، فإن صراعًا أخر يتطور في العالم المسيحي الأرثوذكسي بطلته كنيسة روسيا التي أوفدت مبعوثها إلى القاهرة لتأسس كنيسة لها في العاصمة المصرية وسط غضب كنيسة الإسكندرية للروم الأرثوذكس التي قطعت علاقاتها مع الكنيسة الروسية قبل سنوات نتيجة لاستقطاب حاد داخل مجامع الأساقفة تسببت فيه صراعات الكنيسة الروسية وشقيقتها الأوكرانية التي انسلخت عنها.
اقرأ أيضًا.. كيف تسبب الاستعمار في تصوير المسيح الشرقي كرجل أبيض؟
كيف بدت الكنيسة القبطية المصرية منحازة للروسية ضد اليونانيين؟
استقبل البابا تواضروس الثاني، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الأسبوع الماضي بالمقر البابوي في القاهرة المطران ليونيد مطران إيبارشية إفريقيا للكنيسة الروسية، والسفير جيورجي بوريسينكو سفير روسيا في القاهرة، وفقًا لما أعلنته الكنيسة القبطية رسميًا على لسان متحدثها الإعلامي ثم سلم المطران ليونيد للبابا تواضروس خطاب من البطريرك كيريل بطريرك موسكو للكنيسة الروسية يفيد تعيين المطران ليونيد كمطران لإيبراشية روسية في إفريقيا، وهو الأمر الذي أغضب كنيسة الإسكندرية للروم الأرثوذكس (الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية) التي قطعت علاقتها مع كنيسة روسيا وترى إن روسيا تتوسع وتؤسس كنائس في مناطق تابعة للكنيسة اليونانية وفقًا للقوانين الكنسية القديمة وتقسيمات العالم المسيحي حتى إن بطريرك الروم الأرثوذكس اليوناني ثيؤدوروس يسمى بطريرك الإسكندرية وسائر إفريقيا.
الكنيسة المصرية تهب أحد كنائسها بالجيزة للروس
وسط هذا الغضب اليوناني، فإن الكنيسة القبطية منحت المطران الروسي ليونيد كنيسة هدية ليقيم عليها أول قداس روسي في مصر كتبرع من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لاستخدامها مجانًا كمقر للكنيسة الروسية في إفريقيا في منطقة حدائق الأهرام بالجيزة وأشارت بطريركية موسكو إلى أنها استلمت الكنيسة في احتفال أقيم في 25 يونيو الماضي، وترأس خلاله المطران ليونيد أوف كلين، أول قداس إلهي في الكنيسة بصفته إكسارخ (مطران) روسي على الأراضي الأفريقية إذ تخدم الكنيسة الجديدة الروس المقيمين في مصر أو الذين يزورونها كسياحة.
الكنيسة القبطية ليست طرفًا في الصراع
باحث متخصص في علم الاجتماع الديني رفض الإفصاح عم اسمه لأسباب شخصية أوضح لمصر 360 في تصريحات خاصة: “بالنسبة للكنيسة القبطية المصرية فإن العالم المسيحي ينقسم إلى كنائس شقيقة وأخرى غير شقيقة حيث تتسم الكنائس الشقيقة بالاتفاق في الإيمان والتقليد الكنسي وهذا التقليد ليس بقوة القانون الكنسي ولكنه يمثل العرف كذلك فإن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية هي كنيسة لا خلقدونية أي لا تعترف بمجمع خلقدونية وماتبعه من قوانين ونظم. من هذه الكنائس الخلقدونية مثلًا الكنيسة الروسية والكنيسة اليونانية”، مضيفًا: “لكنها في الوقت نفسه أي الكنيسة القبطية دخلت حيز أو نادي كنائس الانتشار في نهاية الخمسينيات وبدأ البابا كيرلس السادس بمعاونة الراحل الأنبا صموئيل أول أسقف للخدمات العامة والاجتماعية والعمل المسكوني يؤسس كنائس لخدمة الأقباط في المهجر بينما قبل ذلك كانت الكنيسة القبطية تعرف بكنيسة وادي النيل”.
الكنيسة القبطية واتفاقية تعاون مع كنيسة موسكو
يبين الباحث إن الكنيسة القبطية بدأت في تلك الفترة أي مطلع الستينيات في الاندماج في الحركة المسكونية العالمية التي تنقسم لذراعين الأول هو الحوار اللاهوتي مع الكنائس الأخرى في العالم والثاني هو علاقات عمل مشترك في مجالات تنموية أو استضافة مهاجرين لإقامة الصلوات في الكنائس المحلية في بعض الدول وهي علاقات خارج إطار الاتحاد الإيماني بسبب العمل المسكوني والانتشار القبطي الواسع، مؤكدًا أن هذه العلاقات اشتملت الكنيسة الروسية منذ سنوات بعيدة رغم إنها كنيسة متشددة خلقدونية ولكن البابا تواضروس زار روسيا والبطريرك كيريل حيث تم استقباله باحتفاء كبير على مستوى الدولة كلها ووقع بروتكول تعاون وأسس لجنة لإدارة هذا التعاون في مجالات عدة منها الرهباني والدراسي والبعثات مستمرة بين الكنيستين.
تساءل الباحث: “أمام هذا المشهد فإن المطران الروسي زار مصر ليؤسس كيانًا للكنيسة الروسية في مصر فما هي البدائل المطروحة أمام البابا تواضروس؟ مجيبًا: كل ما صدر بعد الانشقاق في مجمع خلقدونية غير ملزم للأقباط الأرثوذكس المصريين كما أن توتر العلاقة بين الكنيسة الروسية و الروم الأرثوذكس لا يلزم الكنيسة القبطية بأي شيء”.
اعتبر الباحث إن هذا الخلاف بين الكنيسة الروسية واليونانية مريب وتحوطه الكثير من علامات الاستفهام لأنه مر بمرحلتين الأولى حين تم الاستقلال الأوكراني عن روسيا وحين حدث هذا الاستقلال بابا الإسكندرية للروم الأرثوذكس ثيؤدوروس الثاني كان مؤيدًا لروسيا في البداية ودعم المطران اونوفري التابع لروسيا وأعلن رفضه للتقسيم في أوكرانيا.
عدها بعدة أشهر التقى نائب وزير خارجية اليونان في زيارة معلنة ثم بعدها بأسبوع وصل البابا ثيودوروس الثاني لكنيسة الروم الأرثوذكس في القاهرة ليصلي فذكر البطاركة بترتيبهم الرسولي وفي النهاية ذكر المطران ابيفانيوس رئيس الكنيسة الأوكرانية المستقل عن روسيا وكأنه يغير مواقفه للضد وهو أمر يمكن فهمه من خلال دعم أوروبا التباعد بين أوكرانيا وروسيا ولكنه لم يصدر بيان يشرح تغيير موقفه.
كيف خطفت كنيسة روسيا رعايا الكنيسة اليونانية في إفريقيا؟
وواصل الباحث: “موسكو من ناحيتها بدأت ترسل قساوسة إلى إفريقيا حيث قلب بطريركية الاسكندرية للروم الأرثوذكس وحاولت كنيسة موسكو استقطاب القساوسة السود في كنيسة الروم الأرثوذكس لأنهم يعانون من مشكلة عرقية هي تفوق العنصر اليوناني داخل تلك الكنيسة وكأنها نادي جالية وليس مجتمع مؤمنين مؤكدًا: معظم المطارنة الروم الأرثوذكس الذين يخدمون في إفريقيا لا يجيدوا أي لغات مشتركة مع الايبراشيات التي يخدمون فيها فلا يتحدثون العربية ولا الإنجليزية ولا الفرنسية بل اليونانية فقط وذلك في كل الايبراشيات وهو ما جعل مهمة الكنيسة الروسية أسهل في استقطاب كهنة أفارقة دون وجود استعلاء عرقي”.
لماذا غضبت كنيسة الروم الأرثوذكس من تحركات الروس في مصر؟
في المقابل فإن بيشوي مجدي الباحث في اللاهوت الأرثوذكسي والمرتل بكنيسة الروم الأرثوذكس يرى إن ما فعلته كنيسة روسيا تعدي على القانون الكنسي الذي يرتب الحدود الإدارية والتنظيمية بين الكنائس وأيضًا على مستوى الرعاية الكنسية ومن ثم فإن الكنيسة الروسية قد أخطأت حين تعدت على حدود كنيسة الروم الأرثوذكس وأسست بطرخانة في إفريقيا كشكل من أشكال المكايدة بعد قطع العلاقات بين الكنيستين على خلفية أزمة استقلال أوكرانيا عن الكنيسة الروسية ودعم الكنيسة اليونانية لهـذا الاستقلال.
مجدي أشار إلى إن الكنيسة القبطية المصرية دخلت طرفًا في هذا الصراع حين عضدت تأسيس ايبراشية للروس في مصر وأفريقيا لأن الكنيسة القبطية تعلم جيدًا إن كنيسة الروم الأرثوذكس مسئولة جغرافيا عن تلك المنطقة وفقا للقانون الكنسي الملزم ومع ذلك منحتها كنيسة بمنطقة حدائق الأهرام بالجيزة كهدية لتؤسس ايبراشية في إفريقيا التي لا تتبعها رسميًا.