بعد ستة أشهر دون مواجهات واسعة النطاق. وصلت الحرب الأهلية التي دامت عشرين شهرًا في إثيوبيا إلى نقطة تحول في الاتجاه الصحيح. حيث أعلن رئيس الوزراء أبي أحمد عن خطط لعملية السلام في 14 يونيو/ حزيران. في حين نشر قادة جبهة تحرير تيجراي رسالة مفتوحة في نفس اليوم، قائلة إنها مستعدة للانخراط في محادثات.

بعد أسبوعين، عينت الحكومة الفيدرالية فريقًا مفاوضًا من سبعة أشخاص، برئاسة وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء ديميكي ميكونين. وهو من منطقة أمهرة. كما أن نائب زعيم الأمهرة، جيتاشيو جمبر، هو عضو آخر في الفريق. وكذلك رئيس المخابرات تيميسجين تيرونيه، رئيس أمهرة الأسبق.

كان التحرك نحو المفاوضات قد بدأ بعد الانسحاب من تيجراي. والذي تلته سلسلة من الإشارات التي تشير إلى استعداد الجانبين للتحول من المفاوضات العسكرية إلى المحادثات السياسية. ففي ديسمبر/ كانون الأول 2021، أمرت حكومة أبي أحمد الجيش الفيدرالي بالامتناع عن العودة بالكامل إلى تيجراي قبل إطلاق سراح سجناء المعارضة الرئيسيين. بما في ذلك عدد من قدامى المحاربين في جبهة تحرير تيجراي. كما قدمت خطة لحوار وطني لمعالجة المشاكل السياسية المزمنة في البلاد.

كانت الخطوة الرئيسية التالية هي الهدنة الإنسانية الفيدرالية في 24 مارس/ أذار 2022، والتي قال زعماء تيجراي إنهم سيردونها بالمثل. في الشهر التالي، انسحبت قوات تيجراي من معظم المواقع في منطقة عفار، التي سيطرت عليها في وقت سابق من العام الجاري، ردًا على تهديد محتمل من الجماعات المسلحة المحلية المدعومة من إريتريا.

اقرأ أيضا: اغتصاب وتطهير عرقي للتيجراي برعاية آبي أحمد: اختفوا وإلا سنقتلكم

20 شهرا من المعارك

في أوائل عام 2022، قدّرت الأمم المتحدة أن ما يصل إلى 30 مليون إثيوبي -ثلاثة أرباعهم من النساء والأطفال- بحاجة إلى مساعدات عاجلة. وقالت وكالة الأمم المتحدة الإنسانية في 27 يونيو / حزيران: “إن الأثر التراكمي للنزاع المستمر والعنف والصدمات المناخية مثل الجفاف الطويل والفيضانات التي حدثت مؤخرًا، تشكل العوامل الرئيسية لهذا”.

كانت الحرب الإثيوبية قد اندلعت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، عندما احتدم الخلاف السياسي الدستوري بين تيجراي والقادة الفيدراليين. في البداية، وبدعم من الأمهرة والقوات الإريترية، قامت الحكومة الفيدرالية بالتوغل في تيجراي، واستولت على عاصمتها ميكيلي . وسعت إلى محو حزبها الحاكم -جبهة تحرير تيجراي الشعبية- من الخريطة السياسية.

أحبطت حرب العصابات التي شنها التيجراي الحملة العسكرية الفيدرالية. بعد ذلك، في يوليو/ تموز 2021، شنت قوات تيجراي هجومًا نحو أديس أبابا في محاولة لإزاحة أبي وحكومته من السلطة.

مع ذلك، فشل الهجوم، يرجع ذلك جزئيًا إلى قدرة الحكومة الفيدرالية على شراء واستخدام طائرات بدون طيار. ونقص الدعم الدولي والمحلي لقوات التيجراي أو فكرة الإطاحة برئيس الوزراء آبي، والتعبئة الشعبية القوية من قبل السلطات الفيدرالية.

تراجعت القوات التيجراية إلى منطقتهم الأصلية في ديسمبر/كانون الأول. في نهاية المطاف، تمركزت القوات الفيدرالية في الغالب خارج حدود تيجراي، في حين أن حلفاءها من الأمهرة كانوا يسيطرون على تيجراي الغربية. واحتل الجنود الإريتريون أجزاء من شمال تيجراي، شرقا وغربا.

لماذا الطرفان مستعدان للمفاوضات؟

في ورقة سياسيات حديثة، يشير ويليام دافيسون الخبير في Crisis Group، إلى أن الحكومة الفيدرالية وقيادة تيجراي قررا أنهما -على الأقل في الوقت الحالي- أفضل حالًا للانخراط في عملية سلام ملتوية، بدلاً من محاولة تحقيق نصر عسكري صريح.

يقول: بخلاف الاعتراف المتأخر بعدم قدرة أي من الطرفين على الانتصار في ساحة المعركة. كان العامل الرئيسي الذي أقنع الطرفين بمواصلة المحادثات هو الظروف الأليمة التي يوجهانها نتيجة للصراع. وضعت الحكومة الفيدرالية وحلفاؤها الإريتريون والأمهرة تيجراي تحت ما وصفته الأمم المتحدة بأنه “حصار فعلي” منذ يونيو/ حزيران 2021 على الأقل. مما أدى إلى قطع الخدمات الحيوية، مثل الاتصالات والكهرباء، والأهم من ذلك، الخدمات المصرفية.

وأضاف: أدى الحصار والقتال إلى تعطيل الزراعة، وإغلاق طرق التجارة، وفرض قيود شديدة على إيصال المساعدات الإنسانية البرية. نتيجة لذلك، هناك ما يقرب من خمسة ملايين شخص في تيجراي بحاجة ماسة إلى الطعام والعلاج. بما في ذلك ما يقدر بنحو 116000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد.

لذلك، أوضح دافيسون أنه “بدلاً من شن هجوم مكلف ومحفوف بالمخاطر لاستعادة السيطرة على تيجراي الغربية، أو صد القوات الإريترية. يبدو أن قادة تيجراي اختاروا الآن محاولة إنهاء الحصار، وبالتالي إنقاذ أرواح لا حصر لها، على طاولة المفاوضات”.

من جانبها، تكافح الحكومة الفيدرالية عوامل اقتصادية بالغة السوء. حيث تعاني البلاد من انخفاض حاد في النمو الاقتصادي، وتصاعد سداد الديون، وارتفاع الأسعار باستمرار -بلغ التضخم السنوي 37% في أبريل/ نيسان- وكذلك احتياطيات أجنبية هزيلة.

ووفقا لورقة الخبير في Crisis Group، تعتقد مجموعة بحثية إثيوبية أن النمو سيتباطأ إلى %1 في السنة المالية المنتهية، بانخفاض كبير بواقع 6% عن العام السابق 2020-2021.  يلفت دافيسون إلى أن “حكومة أبي تدرك أنها بحاجة إلى متابعة صفقة مع الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي إذا أرادت الهروب من مأزقها الاقتصادي”.

ما هي عوائق إجراء محادثات مباشرة في إثيوبيا؟

رغم أن الجانبين يبدوان مستعدين للتفاوض. لكن، كان هناك بعض الخلاف، حول من سيتوسط في المحادثات. وأين يجب أن تتم.

في رسالته المفتوحة، قال زعيم تيجراي، ديبريتسيون جيبريمايكل، إن الأطراف يجب أن تجتمع في العاصمة الكينية نيروبي. تماشياً مع دور الوساطة البارز للحكومة الكينية الذي يفضله تيجراي. وزعم أيضا أن مبعوث الاتحاد الأفريقي للقرن الأفريقي، الرئيس النيجيري السابق أولوسيجون أوباسانجو، قريب جدا من أديس أبابا.

من جانبها، كانت الحكومة الفيدرالية تدعم بشكل عام أوباسانجو، الذي عمل حتى الآن كواحد من الوسطاء الرئيسيين في الصراع، إلى جانب المبعوث الأمريكي. وقد فضّل أوباسانجو إجراء محادثات في أروشا بتنزانيا بدلاً من نيروبي.

يقول دافيسون: قد يؤدي عدم الوضوح بشأن الوسيط، والموقع، إلى تأخير المحادثات. من المقرر أن تجري البلاد انتخابات عامة في 9 أغسطس / آب. تبدو -حتى الآن- أنها قادرة على المنافسة ومن المحتمل أن تكون مزعزعة للاستقرار إذا قام أي من المرشحين الرئاسيين الرئيسيين بحشد المؤيدين لمعارضة النتيجة الرسمية – على الرغم من أن هذه ربما لا تكون مستعصية.

التعقيد الآخر هو أن إريتريا، التي شن جيشها -إلى جانب القوات الفيدرالية وقوات أمهرة- حربًا أيضًا على قوات تيجراي، لن تكون ممثلة في المحادثات المزمعة. هكذا، فإن أي خطوات فيدرالية أخرى نحو السلام مع جبهة تحرير تيجراي قد تؤدي إلى رد فعل مفسد من أسمرة. كما يمكن لفصائل الأمهرة المتشددة أيضًا استخدام وسائل عنيفة لمحاولة عرقلة عملية السلام، خاصة إذا رأوا أنها تقوض مطالبتهم بتيجراي الغربية.

اقرأ أيضا: إثيوبيا.. نحو سيناريو مذبحة على “النمط الرواندي”

ما العقبات التي ستواجه المفاوضات الإثيوبية؟

رغم الدوافع الثنائية لوقف القتال، لا يزال الجانبان متباعدين بشأن القضايا المؤثرة. في مؤتمر صحفي في 15 يونيو/ حزيران، طرح ديبرتسيون مطالب تيجراي الرئيسية، وأهمها عودة تيجراي الغربية إلى إدارته الإقليمية. بعد أن ضمت قوات أمهرة المنطقة في نوفمبر / تشرين الثاني 2020، معلنة أن “غرب تيجراي هي أرضهم التاريخية”. وشردت بوحشية مئات الآلاف من سكان الإقليم. وانتشر الجنود الإريتريون في المنطقة أيضًا، بشكل جزئي، لتدريب حلفائهم من أمهرة.

مطلب آخر مهم لتيجراي، هو أن يحافظ الإقليم على القوة العسكرية التي أنشأها في سياق الصراع. بالإضافة إلى ذلك، كرر ديبرتسيون رغبة تيجراي في إجراء استفتاء على الانفصال عن إثيوبيا. وهو حق سيكون له بموجب الدستور، إذا اعترفت الحكومة الفيدرالية بإدارته كسلطة إقليمية قانونية. وفي الوقت الحاضر، تعتبر الحكومتان -الفيدرالية وحكومة تيجراي- بعضهما البعض غير شرعيين، بعد أن أعلنت ذلك خلال نزاعهما الدستوري قبل الحرب.

لكن، من غير المرجح أن تتبنى أديس أبابا فكرة الاستفتاء. في 2 يونيو/ حزيران، قال متحدث فيدرالي إن وحدة أراضي إثيوبيا غير قابلة للتفاوض. أما بالنسبة لقوة تيجراي المقاتلة، فمن المحتمل أن تصر أديس أبابا على أن تقوم ميكيلي بتقليص حجمها، لأنها تمثل تهديدًا مستمرًا للحكومة الفيدرالية ومنطقتي أمهرة وعفر المجاورتين.

هل يمكن أن تندلع المواجهات المسلحة؟

لا يمكن استبعاد عودة القتال بين أديس أبابا وميكيلي. خاصة إذا توقف الزخم نحو السلام أو تراجع، ربما كانت العودة إلى الصراع المسلح أمر غير مرجح في الوقت الحاضر. لكن لا تزال هناك مخاطر كبيرة، خاصة بين قوات تيجراي وأمهرة، وكذلك بين تيجراي وإريتريا.

كما يمثل اندلاع النزاع الحدودي بين إثيوبيا والسودان مؤخرًا تحديًا. بعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب الأهلية في إثيوبيا، حيث استولت القوات السودانية على معظم الأراضي التي يطالب بها كلا البلدين ، وهي منطقة زراعية غنية تسمى “الفشقة” تقع بالقرب من غرب تيجراي.

في 27 يونيو/ حزيران، اتهمت السودان القوات الإثيوبية بقتل سبعة من جنودها الذين أسرتهم. وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية إن “ميليشيا إثيوبية مسؤولة عن الوفيات التي زعمت أنها حدثت، عندما عبرت وحدة سودانية مدعومة من الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي الحدود إلى إثيوبيا”. وفي 28 يونيو / حزيران، احتل الجيش السوداني مدينة بركات الحدودية.

وسط كل هذا، يلفت دافيسون إلى أنه ربما تكون أكبر عقبة منفردة أمام الجهود الوليدة من قبل السلطات الفيدرالية وسلطات تيجراي لدفن الأحقاد. هي حكومة إريتريا وزعيمها منذ فترة طويلة أسياس أفورقي. حيث يمثل اتجاه آبي أحمد نحو السلام صداعا كبيرا لزعيم إريتريا.