في 13 مايو 2016 جاء رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أكد أن بلاده لن تنجر إلى سباق تسلح جديد. لكنها ستعدل خططها لإعادة تسليح الجيش بما يتناسب مع مستوى الخطر. وكان هذا التصريح خلال اجتماع لقادة وزارة الدفاع الروسية ومؤسسات الصناعات العسكرية في منتجع سوتشي جنوب روسيا.
ولفت بوتين إلى أن الولايات المتحدة تستغل تأثيرها على وسائل الإعلام العالمية من أجل تضليل الرأي العام العالمي بشأن أهداف نشر الدرع الصاروخية. لكنها عاجزة عن إقناع المسئولين العسكريين الروس بأن هذه المنظومة تحمل طابعا دفاعيا بحتا. وذهب إلى أن “هذه المنظومة ليست دفاعية على الإطلاق. بل هي جزء من القدرات الاستراتيجية النووية للولايات المتحدة تم نقله إلى مناطق أخرى. وفي هذه الحال بالذات إلى أوروبا الشرقية”.
وحذَّر “بوتين” من أنه “على أصحاب القرار الذين قبلوا بعناصر من الدرع الصاروخية الأمريكية في أراضيهم أن يتذكروا أنهم عاشوا حتى اليوم بهدوء وأمان. أما الآن وبعد نشر عناصر الدرع الصاروخية في هذه المناطق فإننا في روسيا سنضطر للتفكير في سبل وقف المخاطر التي تنشأ وتهدد أمن روسيا”.
وتوالت الاتهامات من جانب موسكو. حيث أوضح “بوتين” أن منصات الإطلاق التي من المقرر نشرها في مجمع الدرع الصاروخية في بولندا مؤهلة لإطلاق صواريخ متوسطة وقصيرة المدى. ويمكن أن يتم نشر مثل هذه الصواريخ خلال فترة قصيرة جدا وبصورة خفية.
ثم ذهب إلى أن “خروج الولايات المتحدة بشكل أحادي من اتفاقية الحد من منظومات الدفاع الصاروخي. الخطوة الأولى نحو محاولة زعزعة توازن القوى الاستراتيجي بالعالم. أما خطوة نشر عناصر الدرع الصاروخية في أوروبا فتمثل الضربة الثانية لنظام الأمن الدولي”.
وكالعادة اتهم واشنطن برفض الدعوات الروسية كافة لاستعداد موسكو للتعاون مع الأمريكيين في مجال الدفاع الصاروخي.
وعلى الفور خرج نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف ليؤكد أن موسكو ما زالت تأمل أن تراجع واشنطن خططها بشأن نشر الدرع الصاروخية.
وهدد بأن خيار خروج روسيا من اتفاقية الحد من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى غير مطروح في الوقت الراهن لكن هذا الخيار غير مستبعد.
ولكن اجتماع “سوتشي” كان خطيرا ومهما لأنه شهد عددا من المقترحات والمبادرات التي أكدت أن روسيا تستعد بقوة للرد على نشر عناصر الدرع الصاروخية في أوروبا. إذ أعلن رئيس لجنة الشئون الدولية بالمجلس الفيدرالي الروسي قنسطنطين كوساتشوف أن الحكومة قدمت للمجلس معلومات كاملة عن قيام دول أخرى بنشر أنظمة الدرع الصاروخية مع ربطها بمعاهدة “ستارت 3”. وأن المجلس سيبحث الالتزام بتلك المعاهدة يوم 10 يونيو 2016.
وقال كوساتشوف “إننا نواجه اليوم عدم استعداد الولايات المتحدة من الناحية العملية للإقدام على الحد من أنظمة الدرع الصاروخية. ورفضها الحازم لإبرام معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية”. مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه لدى إبرام معاهدة “ستارت 3” في عام 2011 تبنى البرلمانيون الروس إعلانا تضمن الظروف التي تحتفظ روسيا في ظلها بحق فسخ المعاهدة. ومن بينها نشر الولايات المتحدة أو دولة أخرى أو مجموعة من الدول منظومة للدفاع الصاروخي قادرة على تخفيض فاعلية القوات الاستراتيجية الروسية.
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا صرحت بأن موسكو تحتفظ بحق اتخاذ الإجراءات الضرورية بما فيها ذات طابع عسكري-تقني. على خلفية نشر منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية في رومانيا.
والمعروف أن معاهدة مواصلة تقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية “ستارت 3” تم توقيعها بين روسيا والولايات المتحدة في براغ في أبريل عام 2010 لتحل محل معاهدة “ستارت” لتقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية الموقعة في 1991.
أما نائب رئيس الوزراء الروسي دميتري روجوزين فقد قال إنه “من الواضح تماما أن الوضع في العالم يفرض علينا ضرورة الاستعداد لمختلف السيناريوهات للعمل. والاستعداد للتصدي للمخاطر من أنواع مختلفة يعتبر بحد ذاته عاملا رادعا يحول دون تحقيق تلك المخاطر على أرض الواقع. لقد قمنا بتحليل الإيجابيات والسلبيات المتعلقة بمدى الاستعداد لحالة الاستنفار في مختلف المنشآت. وقدرتها على تنفيذ المتطلبات الرئيسية في إطار الطلبية الدفاعية للدولة. والتي قد تكون الأكثر ضرورة وسرعة خلال 3 أشهر”.
كما أشار إلى أنه “في شهر نوفمبر من العام نفسه على الأرجح ستقدم قاعدة قانونية جديدة ستسمح بالرد على النزاعات كافة بأقل قدر من التكاليف”.
وشهد هذا الاجتماع أيضا إطلاع الرئيس الروسي “بوتين” على تفاصيل سير التجارب وتغيير قواعدها. وهو الأمر الذي كان من شأنه أن يسمح لروسيا على وجه السرعة بصناعة أسلحة تفوق من حيث مواصفاتها التقنية أسلحة الخصوم المحتملين.
وطلب “بوتين” خلال الاجتماع مواصلة تشجيع ودعم مؤسسات المجمع الصناعي-العسكري في روسيا وتطوير قدراتها الإنتاجية والتكنولوجية لاحقا.
وقال إن القوات المسلحة الروسية تلقت في عام 2015 نحو 4 آلاف وحدة جديدة من الأسلحة والمعدات العسكرية. ما كان يعني أن مؤسسات المجمع الصناعي-العسكري نفذت طلبية الدولة الدفاعية بنسبة 97٪. وأن الجيش الروسي تسلَّم خلال عام 2015 أيضا 96 طائرة و81 مروحية و152 منظومة دفاع جوي صاروخية و291 محطة رادار وغيرها من المعدات الأخرى.
أما الأمر الآخر والمهم فقد ورد من جانب وزارة الدفاع الروسية. إذ صرح وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو بأن أكثر من 800 شركة روسية تشارك في إنتاج أنظمة الصواريخ الاستراتيجية العابرة للقارات التي تعمل بالوقود الصلب وتطلق من الأرض والبحر.
وكشف شويجو عن هذه المعلومة في رسالته بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس معهد موسكو للتكنولوجيا الحرارية. حيث تأسس هذا المعهد في 13 مايو عام 1946. وقال وزير الدفاع الروسي إن “معهد موسكو للتكنولوجيا الحرارية- هو الشركة الوطنية الوحيدة التي تقوم بتطوير أنظمة الصواريخ الاستراتيجية الباليستية العابرة للقارات التي تعمل على الوقود الصلب والتي يتم نشرها على الأرض وفي البحر.
وهذا هو ذروة جبل الجليد العلمي والصناعي الضخم المبني على أساس التعاون القوي بين أكثر من 800 شركة روسية”.
وشدد شويجو على أن المعهد بصفته شركة رائدة في فرع الصناعة يضمن تطوير اتجاهات أساسية جديدة مثل إنشاء أنظمة صواريخ أرضية متحركة من طراز “توبول” و”يارس” وغيرها من الأنواع التي تتميز بمواصفات فنية وتكتيكية غير مسبوقة بين الأنظمة المشابهة.
في هذا الوقت كانت تجري في المعهد أعمال البحث والتطوير في موضوعات عدة كعمليات التصميم التجريبية. إضافة إلى الأعمال البحثية العلمية الهادفة إلى زيادة فعالية ورفع المستوى التقني لأسلحة الصواريخ. والمعروف أن روسيا بدأت في عام 2008 عملية إصلاح عسكري واسع النطاق. وأصبح أحد أهم عناصره برنامج إعادة تسليح القوات المسلحة.
وتقرر في عام 2010 تخصيص 20 تريليون روبل (250 مليار دولار حسب سعر الصرف في الأسبوع الأخير من شهر مايو 2016) حتى عام 2020 بهدف إيصال نسبة المعدات الجديدة في القوات المسلحة إلى 70٪.
وعلى الفور أعلن معهد موسكو لتكنولوجيا الاستشعار الحراري أنه كُلّف من قبل الحكومة الروسية بالمهام الرئيسية في تصميم مجمع الرماية التابع للدرع الصاروخية الروسية المستقبلية.
وأوضح المصمم العام في المعهد يوري سولومونوف أن هذه المنشأة الرائدة في تصميم الصواريخ الموجهة حراريا ستشارك في تطوير صواريخ باليستية تعمل بالوقود الصلب خصيصا للجيل الجديد من الغواصات الذرية الروسية. وفي الوقت الراهن يتولى المعهد تطوير الصواريخ الباليستية من طراز “بولافا” المخصصة للغواصات الروسية الحديثة “بوري”.
هذا المشهد وما يحيط به دفع الرئيس البلغاري آنذاك روسين بليفنيليف إلى اتهام موسكو -في كلمة أمام البرلمان الأوروبي- بأنها تسعى إلى “زعزعة استقرار” الاتحاد الأوروبي. وأنها “لا تدعم مبادئ النظام الدولي” وأن “الكرملين يحاول تدمير أسس الاتحاد الأوروبي”.
ولم يقتصر الأمر على بلغاريا بل انسحب على عدد من دول أوروبا الشرقية وعلى رأسها رومانيا. فقد اعتبر الرئيس الروماني آنذاك كلاوس يوهانيس التصريحات الروسية الأخيرة بشأن الدرع الصاروخية الأمريكية في أوروبا الشرقية بأن “لا أساس لها”. وشدد على ضرورة تعزيز أمن حلف الناتو لأن “التصريحات الأخيرة (في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2016) من جانب روسيا بشأن منظومة الدفاع الصاروخي غير صحيحة في جوهرها ولا علاقة للمنظومة بروسيا. ولا يمكنهم تخويفنا”.
وأوضح أن “التهديدات غير المبررة تؤكد مرة أخرى أن موقفنا من تعزيز أمن الناتو -على اعتباره رد فعل شرعيا على تصرفات روسيا في البحر الأسود- موقف صائب”.
كما قال أيضا “إننا في الشرق نتعامل مع روسيا التي أصبحت أكثر نشاطا وأكثر عداء تجاه جيرانها. والتي تنتهك الأعراف القانونية الدولية. والتي أثرت جديا من خلال تحركاتها العسكرية في البحر الأسود بما في ذلك القرم المحتلة بطرق غير شرعية على الميزان الأمني في البحر الأسود”.
وفي هذا السياق نفسه أعلنت بولندا أن هناك إجماعا بين الدول الأعضاء في حلف الناتو على أن العلاقات بين الحلف وروسيا لن تعود إلى سابق عهدها أبدا.
هذا التصريح الخطير جاء بعد يوم واحد فقط من دعوة المجلس البرلماني لحلف شمال الأطلسي يوم 30 مايو 2016 الدول الأعضاء في الحلف إلى الاستعداد للرد على “التهديد المحتمل” المتمثل في عدوان روسي ضد الدول الأعضاء في الناتو. وأكد رئيس المجلس مايكل تيرنر أن “التحدي الذي تمثله روسيا حقيقي وخطير”.