في مطلع يوليو/تموز الجاري أطلقت مجموعة الأزمات نداء عاجلا للمساعدة في تفادي حدوث كارثة في البحر الأحمر تمثلها ناقلة البترول اليمنية “صافر”. والتي يمكن أن تنفجر أو تتصدع في أي لحظة.

ويشير الخبراء إلى أنه من شبه المؤكد أن انهيار “صافر” قد يتسبب بكارثة بيئية ستتجاوز بكثير حادثة التسرب النفطي للناقلة Exxon Valdez عام 1989. وهي الأعلى للضرر البيئي حتى الآن. كما أنها ستفاقم أيضا المحنة الإنسانية الحادة في اليمن ويمكن أن تعقّد الجهود الرامية لإنهاء الحرب في هذه البلاد.

وذكرت دراسة أعدتها منظمة acaps البحثية السويسرية -مهتمة بتطورات حالة الناقلة اليمنية- أن السفينة التي يبلغ طولها 376 مترا تحوي 1.14 مليون برميل نفط خام. وهو ما يعادل أربعة أضعاف كمية النفط المتسرب في كارثة صهريج Exxon Valdez.

وتكلّف المرحلة الأولى من العملية -أي تفريغ النفط- 80 مليون دولار. أما المرحلة الثانية -وهي وضع الناقلة الجديدة في مكانها- فيمكن أن يتكلف 64 مليون دولار أخرى.

اقرأ أيضا: السفينة صافر.. كارثة عائمة قبالة سواحل اليمن

“صافر”.. كارثة نفطية عائمة

أُنشئت السفينة صافر كناقلة عملاقة في عام 1976 وتم تحويلها لاحقا إلى منشأة تخزين وتفريغ عائمة للنفط. وهي ترسو قرب ميناء رأس عيسى النفطي على بعد 60 كم شمال ميناء الحديدة -الخاضع لسيطرة جماعة أنصار الله الحوثية.

وتعود ملكية السفينة لشركة النفط الحكومية “صافر لعمليات إنتاج واستكشاف النفط”. وكانت قبل اندلاع الحرب تُستخدم لتخزين النفط الوارد من الحقول المجاورة لمحافظة مأرب وتصديره. حيث تستقبل إنتاج خمس شركات نفطية. وعبرها يتم تصدير النفط الخام من أنبوب قريب قادم من حقول مأرب.

لكن الحرب أوقفت عمليات التصدير بشكل كامل. ومعها ظلت السفينة بحمولتها واحدة من الملفات المجمدة بفعل المأزق الأمني والسياسي. ما أدى إلى تدهور السلامة الهيكلية للناقلة بشكل كبير منذ تعليق عمليات الصيانة لها عام 2015.

سلاح في يد الحوثي                                                 

وجد الحوثيون في ناقلة النفط المتأزمة فرصة ثمينة للمساومة وكسب نقاط في مواجهة الحكومة المدعومة خارجيا. للدرجة التي هدد فيها بعض قادة الجماعة ذات مرة بتفريغ حمولة السفينة في البحر الأحمر إن لم يُوقف التحالف العربي -بقيادة السعودية- القصف على صنعاء.

وعلى مدار الأعوام الماضية أبرم الحوثيون اتفاقات عديدة مع ممثلي الأمم المتحدة تقضي بوصول خبراء أمميين إلى السفينة. لكن الجماعة كانت تعرقل المساعي في اللحظات الأخيرة بحجة أن الحكومة اليمنية “لا تفي بوعودها”.

وفي واحدة من تلك المحاولات جهَّزت الأمم المتحدة فريقًا في جيبوتي بالمعدات اللازمة لإجراء عملية الصيانة بعد اتفاق مع الحوثيين. لكن الجماعة ماطلت لأشهر حتى اضطر الخبراء للعودة. وقتها قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية -مارك لوكوك- إن المنظومة الدولية “ملت مماطلة الحوثي واضطرت إلى إرسال فريق التقييم والمهندسين إلى منازلهم بعد أشهر من الوصول والإقامة في جيبوتي بصحبة معداتهم”.

في المقابل يقول الحوثيون إن الحكومة اليمنية هي المسئولة عن تأخر عمليات الصيانة. لأنها تمنع وصول المازوت إلى السفينة. لكن الأخيرة قالت إنها تراقب الشواطئ لمنع تدفق الأسلحة الإيرانية للحوثيين وليس لعرقلة وصول المواد الغذائية والمشتقات النفطية إلى اليمن.

أكبر كارثة بيئية

في وقت سابق أفادت دراسات دولية بأن السفينة تهدد بوقوع أكبر كارثة بيئية ذات آثار إنسانية واقتصادية بالغة السوء في ساحل البحر الأحمر والدول المجاورة. ويستغرق الوقوف عليها عقودا. كما أن احتمال وجود ألغام بحرية في المنطقة المحيطة بالسفينة يهدد بكارثة أوسع. وإلى جانب تأثيرها المدمر على الحياة البحرية في البحر الأحمر فإن انتشار بقعة زيت في المنطقة من شأنه أن يدمر مصدر رزق للكثيرين ممن تعتمد أعمالهم على صيد الأسماك.

في نهاية يونيو/حزيران 2020 أعربت الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي عن قلقها الشديد إزاء ما قالت إنه “خطر متنام من حدوث خرق في جسم الناقلة. أو أن تنفجر محدثة كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية لليمن وجاراتها”.

وطلبت الدول الأعضاء في المجلس من جماعة الحوثي “منح خبراء فنيين تابعين لمنظمة الأمم المتحدة تصريحا فوريا وغير مشروط. بالصعود على متن الناقلة لتقييم حالتها. وإجراء أي إصلاحات ضرورية ممكنة. إلى جانب تقديم توصيات بشأن استخراج آمن للنفط من على متنها”.

بالفعل في يوليو/تموز 2020 دخلت المياه مؤخرا إلى غرفة محرك الناقلة. ما زاد من مخاطر غرقها أو انفجارها. وكانت قد أجريت لها عملية إصلاح مؤقتة. إلا أن الأمم المتحدة قالت إنه كان من الممكن أن ينتهي الأمر بكارثة.

كما حذّرت دراسة أعدتها Green Peace من أن اليمن ستكون بحاجة إلى فترة طويلة للتعامل مع تبعات التلوث البحري. بخلاف أن البيئة في البحر الأحمر ستكون بحاجة إلى أكثر من 30 عاما للتعافي من التداعيات الوخيمة المترتبة على تسرب النفط في المنطقة.

ومن شأن تسرب النفط في هذه المنطقة أن يعيق واحدا من أنشط الممرات الملاحية لسفن الشحن في العالم. ويؤثر على إيصال الإمدادات والمساعدات إلى ميناء الحديدة الذي يعتبر شريان الحياة الرئيسي لما يقارب ثلثي سكان اليمن.

اقرأ أيضا: خزان صافر العائم

التبرع لإنقاذ البحر الأحمر

في مايو/أيار 2022 أعلنت دولة قطر عن إسهامها بقيمة 2 مليون دولار أمريكي لمواجهة التهديد الذي تشكله ناقلة النفط العائمة “صافر” قبالة الساحل اليمني. وذكرت وكالة الأنباء القطرية أن ذلك جاء أمام مؤتمر “المانحين لليمن” المعني بالتعهدات رفيعة المستوى لناقلة النفط العائمة “صافر”. والذي نظمته الأمم المتحدة بالتعاون مع حكومة هولندا.

وفي يونيو/حزيران 2022 قال ديفيد جريسلي -منسق الأمم المتحدة للشئون الإنسانية في اليمن في إفادة صحفية على الإنترنت: “نحاول الوصول إلى الرقم البالغ 80 مليون دولار بحلول نهاية الشهر الجاري. إن الأمر ممكن لكنه سيتطلب دفعة. ولهذا السبب فإننا ندعو الجمهور لمساعدتنا في عبور خط النهاية”.

وأضاف: “20 مليون دولار ليست كثيرا عندما تنظر إلى التكلفة الإجمالية التي قد تسببها هذه الكارثة. فإذا حدث بالفعل تسرب فإن التقديرات التي تلقيناها بشأن عملية التنظيف وحدها ستبلغ 20 مليار دولار”.

وحذر من أن حالة الصدأ والتآكل المتقدمة للناقلة صافر “تعني أن وقوع كارثة ليس مجرد احتمال أو توقع. بل يقين إذا لم نتحرك”.

وأوضح منسق الأمم المتحدة أن الحوثيين والحكومة اليمنية “قلقون من بدء خطة الأمم المتحدة لنقل نفط صافر”. وأن العقبة الوحيدة المتبقية كانت نقص التمويل. وأضاف أن العملية ستصبح أكثر صعوبة إذا لم تكتمل بحلول أكتوبر/تشرين الأول. أو نوفمبر/تشرين الثاني. حيث “ستشتد الرياح والتيارات المائية وتزداد فرصة تفكك السفينة”.

كما أكد جريسلي -في حديثه أمام المشاركين في منتدى اليمن الدولي- أن انفجار الخزان سيكلف 20 مليار دولار فقط من أجل تنظيف النفط الخام المتسرب. مؤكداً أن الصيد سيتأثر لمدة لا تقل عن 25 عاما في المنطقة. كما ستتضرر الاستثمارات في ‎البلاد اليمنية بشكل مؤكد وسيصل التأثير إلى الدول المشاطئة للبحر الأحمر.

الحاجة لإكمال التبرعات

أثمرت مناشدة الأمم المتحدة للحصول على المال للمرحلة الأولى عن جمع 60 مليون دولار حتى الآن. وقد وصلت الإسهامات من الحكومات الهولندية والألمانية والسعودية والسويسرية والبريطانية والأمريكية. لكن يتبين أن جمع الـ20 مليون الأخيرة هو الأكثر صعوبة -وفق خبراء Crisis Group.

ويشير الخبراء إلى أن إنفاق 80 مليون دولار الآن تكفي مشقة إنفاق مليارات الدولارات لاحقا. والتي ستكون تكلفة عملية تنظيف البيئة والتعامل مع التداعيات الثانوية. مثل ازدياد حدة المجاعة في اليمن. والتداعيات الأخرى التي ستتأثر بتسرب النفط على طول ساحل البحر الأحمر.

بالطبع ستؤثر أي تداعيات على عمليات الشحن البحري وتشكل تحديات إضافية في سلسلة الإمداد العالمي. والتي من شأنها أن تؤثر على الاقتصاد الدولي. وكلفة عدم القيام بما يلزم أكثر وضوحا. مثل حادث سفينة إيفر جرين التي أغلقت قناة السويس لمدة ستة أيام في مارس/آذار 2021. والتي “تشكل تذكارا صارخا بالانقطاعات التي يمكن أن يسببها إغلاق من ذلك النوع حتى ولو كان قصير الأمد”.