بعد انتظار دام أكثر من شهرين بدأت منذ أيام أولى جلسات “الحوار الوطني” بجلسة إجرائية لمجلس أمناء الحوار. وقد سادت الفترة الماضية مداولات مطولة بين المعارضة ممثلة في “الحركة المدنية” وممثلي الدولة. انتهت إلى التشكيل الحالي لمجلس الأمناء والذي عقد اجتماعه الأول الثلاثاء 5 يوليو.

جرى في الاجتماع إصدار اللائحة المنظمة لعمل مجلس الأمناء وإصدار مدونة السلوك للحوار الوطني. وقد أكد المنسق العام للحوار في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد الاجتماع أن القرارات جاءت بموافقة أعضاء المجلس كافة. لذا فإن ما أصدره المجلس من قرارات يوم الثلاثاء الماضي يرسم الإطار العام للحوار.

وأتصور أن هناك عددا من الملاحظات على قرارات المجلس يمكن إيجازها في الآتي:

  • الشرعية الرئيسية للمجلس مستمدة من دعوة الرئيس للحوار. والتي أطلقها في حفل إفطار الأسرة المصرية. وقد كانت دعوة الرئيس موجهة بشكل جلي نحو “المختلفين” بهدف “الإصلاح السياسي”. كما أعلن عدد من أعضاء مجلس الأمناء في جلسته الافتتاحية أن تشكيل المجلس جاء مناصفة بين النظام والمعارضة وفق تفاوضات تمت خلال الأسابيع الماضية. فأعضاء المجلس –أو نصفهم على الأقل– مسئولون أمام المعارضة عن مخرجات الحوار باعتبارهم شريكا. كما أن الرئيس مسئول عن التعاطي بإيجابية مع فعاليات الحوار وتنفيذ مخرجاته باعتباره الداعي والراعي الرئيسي له.
  • نصت لائحة مجلس الأمناء على تشكيل مجلس الأمناء كما وضحت تشكيل “الأمانة الفنية” من العاملين والمتدربين بالأكاديمية الوطنية للتدريب. ولكن الأزمة الحقيقية في تشكيل “اللجان النوعية” -بحسب النصوص الخاصة بتشكيلها في المادة الأولى والمادة الثامنة عشرة من اللائحة- باعتبارها جزءا من هيكل إدارة الحوار. فقد حددت المادتان اللجان النوعية بثلاث لجان رئيسية. وأعطت الحق لمجلس الأمناء في إنشاء لجان نوعية كلما اقتضت الحاجة. وقد حددت المادة الثامنة عشرة لإدارة اللجان “مقرر” و”مقرر مساعد” لكل لجنة من اللجان. ولكن المادة قصرت ترشيح المقررين والمساعدين على المنسق العام دون أن تعطي هذا الحق لأي من أعضاء المجلس. واقتصر دور أعضاء المجلس داخل اللجان على الحق في حضور المناقشات وأولوية “الكلام”.
  • في حالة “خلو” مكان أحد أعضاء المجلس لأي سبب يقوم المنسق العام بإجراء المشاورات اللازمة لملء الخلو. وقد اشترطت اللائحة أن يقوم المنسق بمجرد “العرض” على مجلس الأمناء و”مراعاة إحداث التوازن المطلوب”. لم تنص المادة صراحة على وجوب موافقة المجلس على الترشيح وليس مجرد العرض. كما لم توضح كيف يتم “مراعاة التوازن” في الاختيار!
  • أعطت المادة الرابعة والخامسة من اللائحة للمنسق العام صلاحية تحديد مواعيد وأماكن جلسات مجلس أمناء الحوار. واكتفت بمجرد “إخطار” الأعضاء بذلك.
  • حددت المادة السادسة الأغلبية كطريقة لحسم القرارات في المسائل الإجرائية. ولكنها اعتمدت التوافق آلية لاتخاذ القرارات المتعلقة بالحوار. وفي حالة الخلاف يتم رفع المسألة مع مخرجات الحوار مصحوبة بالمناقشات. وهو ما يشكل أزمة حقيقية. فإذا فشل مجلس الأمناء في التوافق على المخرجات فلن يكون هناك مخرجات من الأساس وسيتم رفع جميع الآراء لرئيس الجمهورية.
  • حظرت المادة السادسة على الأعضاء بمجلس الأمناء مجرد “اقتراح” أي من المسائل الإجرائية لأخذ الرأي فيها. وقصرت الحق في الاقتراحات على المنسق العام ورئيس الجلسة.
  • احتوت المادة السابعة “فخا” إجرائيا. وهو صحة جلسات المجلس إذا ما بدأت مكتملة النصاب حتى وإن انصرف عدد من الأعضاء عن الاجتماع. فإذا بدأ الاجتماع صحيحا واستمر لساعات طويلة استوجبت أن ينصرف أغلب الأعضاء. فإن القرارات التي يتم “تمريرها” تعتبر صحيحة رغم عدم اكتمال النصاب. وإذا حدث خلاف بين الأعضاء أدى إلى انسحاب بعضهم من الجلسة فإن الجلسة تعتبر صحيحة وقراراتها سليمة.
  • سحبت المادة الثالثة عشرة من جميع الأعضاء حق التحدث باسم المجلس. واقتصر تمثيل المجلس في المنسق العام مع حق الأعضاء في التعبير عن آرائهم “الشخصية”. فلا يحق لعضو أو مجموعة من أعضاء المجلس إصدار بيانات إعلامية تعلن مواقفهم وآراءهم ومراجعاتهم لما يتم داخل جلسات الحوار.

يظهر من مجمل قراءة اللائحة تعاظم دور المنسق العام للحوار وتزايد دور الأمانة الفنية مع تنازل واضح من مجلس الأمناء عن صلاحياته لصالح الجهتين. كما يكتنف الغموض دور اللجان النوعية وطريقة تشكيلها والجهة المنوط بها اختيار أعضاء اللجان. كما يوجد باللائحة عدد من الفخاخ الإجرائية قد تتسبب في أزمات فيما بعد حال حدوث خلافات وشقاقات داخل مجلس الأمناء.

أعتقد أن تمرير اللائحة جاء بسبب أجواء “حسن النيات” لدى ممثلي المعارضة داخل مجلس الأمناء. والتي أتمنى أن تستمر حتى نهاية الحوار. وأن تشهد الخطوات المقبلة مزيدا من التوافق. وأن يحسن المنسق العام استغلال صلاحياته الموسعة. وأن تقدر الأمانة الفنية المسئولية الملقاة على عاتقها وأن يكون اختيار مقرري اللجان النوعية على القدر نفسه من التوافق الذي جرى به تشكيل مجلس الأمناء.