عمرو حمزاوي. واحد من قلائل تمسك بمبادئه وتوجهاته الليبرالية بعد صيف 2013 الساخن. عارض حكم الإخوان ولعب دورًا بارزًا في “جبهة الإنقاذ”. دعا إلى انتخابات رئاسية مبكرة وأيّد ثورة 30 يونيو. لكنّه رفض إجراءات ما بعد 3 يوليو 2013. وانتقد تحالف التيار الليبرالي والعلماني مع الجيش لإنهاء حكم الإخوان. فظلّ يكتب بانتظام مدافعًا عن “المسار الديمقراطي” والحقوق والحريات. محذّرًا من “صعود الفاشية” ومغبّة “موت السياسة” و”تبرير حكم الفرد” و”عودة الدولة الأمنية”.
بعد 7 سنوات قضاها في الغربة عاد عمرو حمزاوي -أستاذ العلوم السياسية- إلى مصر الخميس الماضي. في وقت تملأ فضاء مصر أحاديث الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي قبل أسابيع. ومن المقرر أن يُشارك فيه حمزاوي. بعدما وجهت إليه الدعوة للمشاركة من خلال ضياء رشوان -المنسق العام للحوار الوطني- فوافق فورا. وقال حينها إن “لديه شعورا بالسعادة الغامرة للعودة والمشاركة في عمل يخدم مصالح البلد” -وفق حوار تلفزيوني معه مؤخرًا.
التغريد خارج السرب
كانت ثورة 25 يناير بمثابة منصة الصعود السياسي لمدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة “كارنيجي”. فقد ملأت أحاديثه وحواراته الشاشات كأحد المنظرين المحسوبين على المعسكر الليبرالي. لكن عند نهاية حكم الإخوان وميلاد نظام 30 يونيو وجد نفسه في مرمى الهجوم والتشويه والاغتيال المعنوي. فانحسرت عنه الأضواء وطالته اتهامات العمالة والتخوين والانتماء إلى “قلّة مندسة” و”طائفة منبوذة”.
صاحب “هامش للديمقراطية في مصر” لم يمسك العصا من المنتصف في وقتٍ شهد استقطابًا حادًا. بل كتب ما يؤمن به ولم يرضخ لما ينال إعجاب الآخرين. وتميّزت كتاباته في صحيفة “الشروق” بعقلانية وموضوعية ولم يقع في فخ التأييد الأبدي للسلطة أو عداء الدولة. رفضَ العنف وإراقة الدماء وتهديد الأمن القومي. كما دافع عن سيادة الدولة وتماسك مؤسساتها. وفي الوقت نفسه لم يتوان عن الوقوف ضد السلطوية وانتقاد ورفض انتهاكات الحقوق والحريات و”ترويع الناس وتجاوز القانون وتراكم المظالم ومقايضة السلطة الواهية: الأمن والخبز مقابل الحرية” حسبما كتب في أكثر من مقال.
وفي إبريل/نيسان 2014 رفض “حمزاوي” ترشّح “السيسي” للرئاسة. واعتبره “شكلًا من أشكال تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية”. فاشتبك مع كثيرٍ من “الآراء الشعبوية” التي حملها خطاب السلطة ومؤيدوها وقتها عن “مرشح الضرورة” و”ناصر الذي يعود من جديد”. وفكّكها في أكثر من مقال. منها: “مصر 2014.. تفكيك أسطورة مرشح الضرورة”. و”مصر 2014.. تفكيك أسطورة الناصرية المُعدّلة”.
دفع “حمزاوي” ثمن مواقفه وآرائه كمعارض للسلطة ولم يظهر على الشاشات بعد 30 يونيو إلا مرات قليلة. فيما كانت نافذته الوحيدة التي يُطل منها على قرائه هي مقالاته في صحيفة “الشروق” التي كان آخر مقال نُشر له فيها يوم 26 إبريل/نيسان 2019. قبل أن تُعلن الصحيفة أخيرًا في 2 يوليو/تموز الجاري عودة “الليبرالي” إلى صفحاتها من جديد، لكتابة مقال أسبوعي كل سبت.
تأييد السلطة
يمكن وصف “حمزاوي” بأنه معارض أبدي للسلطة. فهو يرى أن مصر منذ يوليو 1952 “تعيش فترات استبداد خالصة تفتقد لأهم مبادئ الديمقراطية وهو تداول السلطة”. لكنّ ذلك لم يمنعه ذلك من تأييد النظام الحالي في أكثر من موقف.
الأول: بعد الضربة الجوية التي وجهتها مصر ضد أهداف تابعة لتنظيم داعش في ليبيا ردًا على إعدام 21 قبطيًا مصريًا ذبحًا على أيدي التنظيم الإرهابي. وقتها أيّد “حمزاوي” الرد المصري “بعيدًا عن عنتريات الرفض ودفن الرأس فى الرمال!”. بحسب عنوان مقاله المنشور في الشروق 18 فبراير 2015. قال إن مصر لم تكن تملك “رفاهية اللا فعل” ومارست حقها في الدفاع المشروع عن النفس. مطالبًا بأن يكون التحرك العسكري “محدودًا”. ويتزامن معه تحركات دولية وعربية من أجل نجاح الرد المصري على المستويات كافة.
الثاني: وسط الجدل الكبير والرفض الواسع الذي أحدثه توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية في إبريل/نيسان 2016. والتي تقضي بنقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين بالبحر الأحمر إلى المملكة. اتخذ “حمزاوي” موقف السلطة. كتب “أن الوثائق القانونية والحقائق التاريخية تثبت أن تيران وصنافير سعوديتان” كما يعتقد. وأضاف: “في حدود قراءة سريعة لبعض الكتابات القانونية والأكاديمية لم تدفع مصر أبدًا بسيادتها على صنافير وتيران ولم أعثر على إشارة رسمية واحدة لذلك. وصفت الجزيرتان كمناطق متنازع عليها بين مصر والسعودية لتأخر تحديد الحدود البحرية بين البلدين وبسبب الإدارة المصرية للجزيرتين منذ 1950”. ما وضع “الليبرالي” في مرمى نيران النقد.
الثالث: مع تسارع الأحداث والمواجهات في ليبيا في يونيو 2020 خرجت تصريحات لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي أكد فيها استعداد مصر للتدخل عسكريًا في ليبيا إذا تطلّب الأمر دفاعًا عن أمن مصر القومي. وقتها كتب “حمزاوي” في صحيفة “القدس العربي” مقالًا دعا فيه إلى وقوف المعارضة الوطنية إلى جانب الحكومة. وعلل ذلك بوجوب “تقديم رحابة الدفاع عن أمن مصر وشعبها على ضيق الصراعات السياسية والحزبية (..)”. وأوضح أن هذا لا يعني أن تصمت المعارضة عن الأمور الاقتصادية والاجتماعية الهامة ولا أن تتجاهل قضايا الحريات.
عمرو حمزاوي.. مراجعات ونقد ذاتي
شهدت مواقف عمرو حمزاوي وآراؤه مراجعات ونقدًا ذاتيًا منذ 30 يونيو وإلى الآن. كثيرًا ما كتب وتحدث عنه في ظل متغيرات وتقلّبات وأحداث كثيرة شهدتها مصر والعالم. انتقد أداء التيار المدني والحركات الديمقراطية بعد ثورة 25 يناير. قائلًا “إن التقييم الموضوعي عن مجمل أداء الحركة الديمقراطية بين 2011 و2013 هو تقييم بالسلب”.
واعترف بأن “الأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية تورطت في المعايير المزدوجة وعجزت بعد يناير عن تقديم رؤى وأطروحات جادة لبناء الديمقراطية واكتفت بالرفض والمعارضة”.
دعا التيارات المعارضة إلى التعامل بواقعية مع ما يجري في مصر. وصياغة “بدائل مقنعة للأوضاع القائمة بجميع مكوناتها الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والأمنية وكيفية تحسينها. دون تورط في المقايضة على الحقوق والحريات”. مؤكدًا أهمية التصالح مع القطاعات الشعبية والامتناع عن الاستعلاء عليهم. وإدراك الأسباب التي أدت إلى “انصرافهم عن الطرح الديمقراطي وإقرار الحقوق والحريات”.
لم يستثن “حمزاوي” نفسه. اعترف بأخطائه وإخفاقاته في العمل السياسي. “سواء فيما يتعلق بقضايا بعينها طرحتها ثم تراجعت عنها. أو أخطاء أخرى اعترفت بها علنًا وكانت مدفوعة بحسابات غير دقيقة مثل العزل السياسي دون ضوابط” -حسب قوله.
بناءً على هذه الأخطاء اختار “الليبرالي” العزوف عن المشاركة في الحياة السياسة بعد صيف 2013. وقرر التفاعل مع الواقع المصري وأزماته “كمثقف وباحث ومواطن مهتم بالشأن المصري أكتب ما أراه في سبيل واقع أفضل ودولة قوية ديمقراطية عادلة”.
الحوار الوطني
بينما وصف البعض مواقف “حمزاوي” المؤيدة بأنها “مهادنة للسلطة” يرى هو أنه يجب الحديث بموضوعية عن “الإنجازات” التي تجري في مصر دون أن نغفل “العثرات”. داعيًا الجماعة الوطنية إلى العمل على أن يدفع الحوار “الإنجازات والتقدم الذي حدث في تحقيق معدلات تنمية اقتصادية مرتفعة ومد شبكات الضمان الاجتماعي ومحاربة الإرهاب” إلى مزيد من الخطوات إلى الأمام. والعودة إلى لحظة تفكير مشترك لتجاوز العثرات والأزمات في لحظة فارقة عالميًا وإقليميًا ومصريًا.