رغم المواقف السابقة لإدارته من المنطقة يبقى الرئيس الأمريكي جو بايدن أول رئيس يزور الشرق الأوسط منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001 دون مشاركة القوات الأمريكية في مهمة قتالية. بل جاء يسعى في رحلته إلى إسرائيل والمملكة العربية السعودية -وتشمل قمة مع قادة دول عربية أخرى- إلى ما يمكن أن يطلق عليه “التكامل الإقليمي” من وجهة نظر واشنطن.
وفي حين ركزت الرحلات الرئاسية الأمريكية السابقة على حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. أو إدارة البرنامج النووي الإيراني. أو تعزيز الديمقراطية أو زيارة القوات في مناطق الصراع النشطة. تشير العديد من التحليلات الغربية إلى أن “هناك شيئا جديد يختمر في الشرق الأوسط”. في إشارة إلى السعي لتكوين التحالف الدفاعي الشرق أوسطي المزعوم أو تسريع خطوات التطبيع السعودية-الإسرائيلية.
في مقاله المنشور في Washington Post بعنوان “لماذا أذهب إلى السعودية؟”. كتب الرئيس الأمريكي يقول: “كرئيس وظيفتي هي الحفاظ على بلدنا قويًا وآمنًا. علينا مواجهة العدوان الروسي ووضع أنفسنا في أفضل وضع ممكن للتغلب على الصين. والعمل من أجل استقرار أكبر في العالم”.
وأضاف: “للقيام بهذه الأشياء يتعين علينا التعامل مباشرة مع البلدان التي يمكن أن تؤثر في تلك النتائج. المملكة العربية السعودية واحدة من هذه الدول. وعندما ألتقي بالقادة السعوديين يوم الجمعة. سيكون هدفي هو تعزيز شراكة استراتيجية للمضي قدمًا. تستند إلى المصالح والمسئوليات المشتركة. مع التمسك أيضًا بالقيم الأمريكية الأساسية.
اقرأ أيضا: خلال زيارته للسعودية.. بايدن يلتقي “الرئاسي اليمني” لدعم هدنة طويلة مع الحوثيين
أوضح الرئيس الأمريكي أن كونه أول رئيس يطير من إسرائيل إلى جدة بالمملكة العربية السعودية سيكون “رمزًا صغيرًا للعلاقات الناشئة والخطوات نحو التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي. والتي تعمل إدارتي على تعميقها وتوسيعها”. كما أوضح أنه في جدة سيجتمع بالقادة من جميع أنحاء المنطقة “للإشارة إلى إمكانية وجود شرق أوسط أكثر استقرارًا وتكاملًا”.
استغلال تطورات المنطقة
خلال الزيارة يستغل البيت الأبيض تطورين مهمين. كلاهما ورثه عن إدارة ترامب وقد يسهمان في إعادة تشكيل المنطقة بطريقة تخدم المصالح الأمريكية والمحلية. أهمهما -بالطبع- اتفاقيات إبراهيم. التي أسست العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين. واتفاقيتين أخريين بين إسرائيل والمغرب والسودان.
في تحليل نشره Atlantic Council يشير دانيال شابيرو الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في إسرائيل وعمل كمدير للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض. إلى أن الاتفاقات الإبراهيمية وما يتبعها من العلاقات الطبيعية بين إسرائيل والدول العربية توفر إمكانيات هائلة لمستقبل أكثر سلامًا وازدهارًا لشعوب المنطقة من وجهة النظر الأمريكية.
يقول: إنها تعكس وتشجع المواقف المتغيرة بالفعل. خاصة بين الشباب العرب. الذين يرون أنه من الطبيعي للعرب والإسرائيليين أن يعيشوا ويعملوا معًا. يؤكد بايدن خلال زيارته التزام الولايات المتحدة بتوسيع اتجاه التطبيع. حيث يشارك في قمة افتراضية رباعية الأطراف مع قادة إسرائيل والإمارات والهند. فيما يسمى بصيغة I2U2.
يضيف: يأمل بايدن في إعلان خطوات من جانب السعودية تجاه التطبيع. مثل السماح بتحليق لمدنيين إسرائيليين في مجالها الجوي. وسيشجع الأطراف في منتدى النقب -الذي يضم إسرائيل ومصر والإمارات والبحرين والمغرب والولايات المتحدة- على تطوير منظمتهم الإقليمية الناشئة. بمشاريع عملية تعود بالنفع على مواطنيهم. مع فتح الباب للأردن للانضمام رسميا والفلسطينيين للمشاركة.
التطور الإقليمي الرئيسي الثاني هو أن نجاح اتفاقيات إبراهيم -إضافة إلى العناد الإيراني بشأن الاتفاق النووي- دفع الولايات المتحدة إلى نقل إسرائيل إلى مسئولية القيادة المركزية الأمريكية CENTCOM في عام 2020. بدلًا من منطقة عمليات القيادة الأوروبية. من أجل مزيد من التعاون مع الدول العربية. كما وقعت إسرائيل في فبراير/شباط الماضي اتفاقية أمنية رسمية مع البحرين. تضمنت تعيين ضابط ارتباط إسرائيلي في مقر الأسطول الخامس الأمريكي في المنامة.
بايدن وتحالف شركاء الشرق الأوسط
ضمن أهداف زيارة بايدن السعي إلى دمج الدفاعات الجوية لإسرائيل ومصر والأردن ودول الخليج للدفاع ضد تهديد الصواريخ الباليستية والأنظمة الجوية غير المأهولة. والتي أطلقتها إيران ووكلاؤها في العراق واليمن وسوريا ولبنان. وهي خطوة أقل شأنا من مشروع الناتو الشرق أوسطي. والذي واجه إعلانا أردنيا وحماسا إماراتيا في مواجهة رفض مصري وتردد سعودي.
لكن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس أعلن بالفعل -في إحاطة أمام الكنيست الإسرائيلي- أن الدولة العبرية انضمت إلى ما أسماه “تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط MEAD“. وهي شبكة دفاع جوي إقليمية بقيادة الولايات المتحدة تضم دولًا عربية.
وقال جانتس: “خلال العام الماضي كنت أقود برنامجا مكثفا مع شركائي في البنتاجون والإدارة الأمريكية. سيعزز التعاون بين إسرائيل ودول المنطقة. هذا البرنامج بدأ العمل به بالفعل. وتمكن بنجاح من اعتراض محاولات إيرانية لمهاجمة إسرائيل ودول أخرى”.
رغم أن جانتس لم يذكر أسماء الدول العربية فإن العديد من المراقبين يفترضون أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من المحتمل أن تشمل الإمارات والسعودية والبحرين وقطر ومصر و/أو الأردن. كما نقلت The Wall Street Journal عن مسئول إسرائيلي كبير -لم يذكر اسمه- أن البرنامج “لا يزال قيد التنفيذ” و”هناك بالتأكيد شركاء يرون أنه حساس للغاية للحديث عنه”.
يقول شابيرو: تشير هذه الاتجاهات معًا إلى ظهور تحالف إقليمي من شركاء الولايات المتحدة المعتدلين. الذين يواجهون تهديدات أمنية مشتركة. ويشتركون في تحديات اجتماعية واقتصادية وطاقية ومتعلقة بالمناخ. يمكن أن يتحمل هذا التحالف المسئولية الأساسية المتمثلة في الاهتمام باحتياجاته الأمنية مع قيام الولايات المتحدة بدور داعم نشط.
وأضاف: بعيدًا عن المجال الأمني فإنهم في وضع يسمح لهم بالعمل معًا لاغتنام الفرص. في مجالات التكنولوجيا والتجارة والزراعة والمياه والأمن الغذائي والطاقة والصحة والتعليم. بمرور الوقت يمكن دعم التحالف من خلال هيكل إقليمي واسع متعدد الأطراف. حيث يجمع القادة في اجتماعات منتظمة رفيعة المستوى لاتخاذ قرارات استراتيجية ووضع جداول الأعمال.
اقرأ أيضا: مصر والسعودية.. حجر العثرة أمام “الناتو الشرق أوسطي”
الدعم في مواجهة روسيا والصين
يلفت السفير الأمريكي السابق في إسرائيل إلى أن “التأثير الأكبر للتحالف بين الدول العربية وإسرائيل سيكون إظهار فوائد أعمق وأوسع للتطبيع لمزيد من مواطني هذه البلدان. وإبقاء هذا التجمع الإقليمي كنادٍ يريد الآخرون الانضمام إليه”. يسهم المجلس الأطلسي في هذه العملية بمبادرة N7 التي تجمع العرب والإسرائيليين معًا.
يقول: مع هذا التحالف الناشئ يمكن للولايات المتحدة أن تكون شريكًا استراتيجيًا لدول المنطقة. التي تأخذ زمام المبادرة بشكل جماعي في تلبية احتياجاتها الخاصة.
لن تحتاج دائمًا إلى أن تكون رأس الرمح. من المرجح أن يؤدي الوجود الأمريكي المُغاير للعب هذا الدور إلى الحفاظ على الدعم المستمر من الحزبين. ما يمكّن الولايات المتحدة من حماية مصالحها والوفاء بالتزاماتها”.
ويؤكد أنه بصفتها الشريك الرئيسي لهذا التحالف فإن الولايات المتحدة أيضًا في وضع أفضل لكسب التزام أعضائها بدعم المصالح الأمريكية الأساسية. عندما تواجه هذه التحديات من قبل الخصمين العالميين -روسيا والصين- “مع تأطير رحلته بالحرب في أوكرانيا. سيدافع بايدن عن زيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار العالمية. من أجل تشديد لدغة العقوبات ضد روسيا. وإتاحة إمدادات الطاقة غير الروسية للأسواق الأوروبية”.
لكن المبدأ نفسه ينطبق في سيناريوهات أخرى. عندما تكون للولايات المتحدة مصالح استراتيجية أساسية على المحك. مثل صد محاولات الصين لبناء قاعدة عسكرية في الإمارات. أو الحصول على تقنيات إسرائيلية حساسة. أو تهديد تايوان. أو كما يقول شابيرو. إن الشرق الأوسط “لم يكن قط أولوية قصوى في بداية فترة بايدن الرئاسية. ولكن في منتصف عامه الثاني في المنصب فإن الفرصة والضرورة تشكلان مبادرة استراتيجية ذات مغزى في المنطقة. يمكن أن تجني فوائد لمصالح الولايات المتحدة لسنوات عديدة قادمة”.