بينما تشتد الأزمات يظهر بوضوح ضِعاف النفوس، تتبدل الظروف، وتنقلب المشاعر، وفي خضم ذلك نُصبح في حالة من التوهان وفقدان الطريق، هل تكشف لنا الأزمات حقيقة العلاقات، أم تُساهم في مزيد من الأسى؟

يتفق الغالبية أن العلاقات السامة قائمة بشكل أساسي على طرف يستنزف الطرف الآخر، يضعه دومًا في خانة الضعف، يوكل إليه كل الوجع، ويستأنس بانسحاقه، إنه أمر أشبه بنبات الهالوك ذلك النبات الذي ينمو مجاورًا ومُلتفًا على نبات الفول، فيمتص الغذاء ويُضعف ساق الفول، فتخلو ثمرته وتقل قيمته.

الشريك من هذه النوعية مثل ناموسة لا تمل أبدًا من ارتشاف دمك، بينما تمل أنت طردها، فتحدث حالة من التآلف بينك وبينها، ظنًا أن الناموسة حين تشبع من دمك سوف تتوقف، وهو ما لا يحدث.

كيف تنبت العلاقات السامة؟

تبدأ الوحدة فتهدأ النفوس قليلًا، لكن الانسان الاجتماعي بطبعه، سرعان ما يجد في تلك الوحدة مؤرقًا له، تفكك الوحدة تماسك المرء، تجعله فريسة سهلة لأي محاولة اهتمام حتى لو زائفة، تجر الظنون صاحبها نحو موانئ وهمية، وبدلًا أن يكون هو الصياد يُصبح الفريسة.

تنبت العلاقات السامة حين يملأ الاحتياج النفوس، وتُصبح الابتسامة طريقًا ممهدًا، فتأتي البدايات المشرقة كعادتها، إذ نُصبح نحن البشر دومًا بحاجة إلى التقدير، بحاجة إلى الإحساس بأننا ذوو مكانة لدى آخر، أيا كان هذا الآخر، فعندما تفتقد التقدير، وتشغلك الوحدة اعرف أنك تربة خصبة للاستغلال، وأنك ربما صنعت علاقتك السامة بنفسك، دون الحاجة لجهود أصحابها.

كما تعلمنا في حصص العلوم ونحن الصغار فأي بذرة كي تنمو بحاجة إلى تربة وهواء وماء تلك المكونات الأساسية حتى نرى برعمها الأول، ثم يدعم الاهتمام نموها بعد ذلك واستمرار حياتها، العلاقات لا تختلف عن النبات، أو عن البذور، الحاجة إلى التقدير والامتنان، الوحدة والضغوط أنت مؤهل بشدة ليستغلك صاحب/ة كلمة جميلة، ويد تربت.

الوقت المناسب للسقوط كفريسة

دوي الحروب مؤلم، الحرب البعيدة يُسمع صوتها من كل نافذة، تأتي بعد وباء ابتلع كثير من الأرواح، ومضغ كل ساعات العمل، دفعنا جميعًا نحو عُزلة اختيارية، بات الخيار بين الحياة والاجتماعية أمر حاسم لصالح الحياة، وحين تفتت حصار العزلة، خرجنا لنجد ظروفًا طاحنة، بطالة، وضغوط مالية، وأزمات اقتصادية، فلم يعد غريبًا أن يُضحي الأخ بأخيه من أجل وظيفة، ويدفعك صديقك للخارج من أجل زيادة جنيهات في راتبه، اختارنا العزلة لنحافظ على حيواتنا، فخسرنا الكثير، بات الكثير ينتظر أي شيء يُشعره بأهميته، بأنه غير مُقَصِر لكنها الأزمة العالمية.

كلما ثقلت الضغوط شعرنا بالوهن، لكننا تظاهرنا بالقوة، فليس لدى الكثير رفاهية الإعلان عن ضعفه، الحزن رفاهية، والاكتئاب ترف، والناس بحاجة لبعض الرحمة، لابتسامة تلون الصباح الكالح، تمنح المجتمع ألوانًا، بدلًا من الرمادية التي تنهش الأمل في كل لحظة.

كل أزمة تُصبح ثقل جديد، وكل ادعاء قوة سوس ينخر في الرؤية، فلا نرى العلامات، ولا نسمع لصوت القلب، فقط نرتاح تحت يد تربت، وتُلهب الابتسامات بريق العيون، تزداد الفرئاس، ويُصبح كل فرد مؤهل بجدارة للسقوط في فخ الانسحاق في علاقة تأكل روحه، وتستنزف مشاعره.

في أوقات الأزمات يأكلنا الضعف، وتُصبح قدرة الفرد لا يمكن قياسها وفق المعدلات المتعارف عليها، كثر عدد من يمكنهم لعب دور الفريسة، بينما هناك آخرون يسعون لامتصاص الطاقة ومحاولة البقاء أحياء على جثث لقلوب أنهكتها الضغوط.

حين تشتد بك الوحدة، أصنع عوالمك، ولا تكشف عن احتياجك، فقانون السوق لا يعرف المحتاجين إلا برفع سعر احتياجاتهم.