في لقاء مع مذيع CNN جيك تابر، بعد ظهر الثلاثاء الماضي. تحدث جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، في برنامج “The Lead”. قائلًا إن الهجوم في 6 يناير/كانون الثاني 2021 على مبنى الكابيتول بالعاصمة واشنطن “لم يكن انقلابًا مخططًا له بعناية”، حسب قوله. مضيفًا أنه “كان على علم بذلك”.

رغم أن حديث بولتون بدا وكأنه “إشارة عابرة”، كان المقصود منها انتقاد لاذع للرئيس السابق دونالد ترامب وليس اعترافًا مفاجئًا بالمسؤولية. لكن، استغل المحاور المخضرم هذه الإشارة ليقول: “بصفتك شخصًا ساعد في التخطيط للانقلابات. ليس هنا ولكن، كما تعلم، في أماكن أخرى. يتطلب الأمر الكثير من العمل، وهذا ليس ما فعله”، في إشارة إلى الرئيس السابق ترامب.

ربما كان الأمر ليمر ببساطة، قد يكون هذا هو ما فكر فيه بولتون. الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب لمدة 17 شهرًا، قبل خروج مرير في عام 2019. لكن في غضون ساعات، انتشرت مقاطع من هذه التصريحات على الإنترنت، وجذبت ملايين المشاهدات

أيقظت عبارة بولتون ذكريات مؤلمة لدى العديد من الدول التي فرضت عليها الولايات المتحدة “ديمقراطيتها”. ففي اليوم التالي -الأربعاء- كتب الرئيس البوليفي السابق إيفو موراليس، الذي أطاح به الجيش من منصبه في عام 2019. على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي Twitter، أن التصريحات أظهرت أن الولايات المتحدة كانت “ألد أعداء الديمقراطية والحياة”.

اقرأ أيضا: فضائح واستقالات تضرب حكومات أوروبا.. آثار حرب روسيا أم مخابراتها؟

أيضا، دعت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية. إلى إجراء تحقيق دولي في تصريحات بولتون. وقالت في تصريح لراديو سبوتنيك: “من المهم أن تعرف في أي دول أخرى خططت الولايات المتحدة لانقلابات”.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين في مؤتمر صحفي “هذا ليس مفاجئا. الاعتراف يظهر ببساطة أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والإطاحة بحكوماتها، أصبحا ممارسة معتادة للحكومة الأمريكية”.

وأضاف: “هذا جزء كبير جدًا من كتاب القواعد الأمريكية”.

الرجل المخادع للسياسة الأمريكية

بالنسبة لأعداء أمريكا، غالبًا ما يلعب بولتون دور الرجل المخادع، الذي يمثل أسوأ ما في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وتدخل المحافظين الجدد. فقد قلّصت آراؤه المتشددة عدد أصدقاءه على الصعيد الدولي. لكنه “بدا وكأنه يستمتع بهذه السمعة”، كما وصفه تقرير حديث لـ The Washington Post.

بل، وكان هو نفسه قد كتب سابقا يقول إن وسائل الإعلام الحكومية الكورية الشمالية. وصفته بـ “حثالة الإنسان” في عام 2003. وأن هذا كان “أعلى وسام” حصل عليه.

شغل بولتون مناصب عليا إلى جوار اثنين من الرؤساء المتعطشين للفوضى. ففي عهد الرئيس جورج بوش الابن، شغل مناصب رفيعة في منظومة الحد من التسلح. قبل أن يصبح سفيرا للأمم المتحدة في عام 2005. وكان قبلها داعما رئيسيا لغزو العراق عام 2003 الذي أطاح بصدام حسين.

بعد بوش، أمضى بولتون سنوات في فضاء السياسة الخارجية “على الرغم من أنه لم يكن يعاني من الجوع” -وفق تعبير آدم تايلور محرر Washington Post- فقبل مناصب في مراكز الفكر اليمينية في واشنطن. وكذلك عمل مع شركة عالمية للأسهم الخاصة، كما عمل كمساهم في قناة فوكس نيوز.

في أبريل/ نيسان 2018، عاد بولتون إلى منصبه الحكومي كمستشار للأمن القومي في البيت الأبيض للرئيس ترامب -وكان الثالث في أقل من 18 شهرًا- لكنه، كسابقيه، لم يدم طويلًا. حيث ترك الإدارة في سبتمبر/ أيلول 2019. بعدما بدت السياسة الخارجية مصدرًا رئيسيًا للخلاف بين والرئيس. حيث غرد ترامب لاحقًا أنه “على الرغم من سمعة بولتون كصقر”، إلا أن ترامب كان لديه في الواقع “آراء أقوى” بشأن كوبا وفنزويلا.

انقلابات غير واضحة

خلال اللقاء التلفزيوني، لم يحدد بولتون ماهية الانقلابات التي شارك في التخطيط لها. وعندما ضغط عليه تابر، أشار إلى المحاولة الفاشلة للإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في عام 2019. لكنه أضاف أن الولايات المتحدة ليس لديها “الكثير لتفعله حيال ذلك”.

وكان بولتون قد قال إن محاولة عزل مادورو لم تكن “انقلابًا واضحًا” في عام 2019. فيما اتهمت حكومة مادورو الولايات المتحدة بـ “المساعدة في تعزيز عدم الاستقرار السياسي في فنزويلا”. وبينما لم يقدم مادورو ردا بعد تصريحات بولتون يوم الثلاثاء. كتب صامويل مونكادا، الممثل الدائم لفنزويلا لدى الأمم المتحدة، على Twitter للرد بأن بولتون “كان على صواب”.

وأضاف مونكادا: لقد استغرقت الانقلابات الكثير من العمل. لهذا السبب، فشل أيضًا مع عملائه المحليين في فنزويلا”.

وفي تركيا، ربطت وسائل الإعلام المحلية الداعمة للرئيس رجب طيب أردوغان تصريحات بولتون الأخيرة بالمحاولة الفاشلة للإطاحة بالحكومة التركية في يوليو/ تموز 2016. حيث كان بولتون -الذي لم يكن في الحكومة حينها- منتقدًا لأردوغان في ذلك الوقت.

ونشرت صحيفة Takvimالموالية للحكومة التركية مقالاً الأربعاء. يشير إلى تصريحات أدلى بها بولتون في عام 2016 لدعم محاولة الانقلاب “الخائنة”، وفق وصف الصحيفة.

وأشارت الصحيفة التركية إلى أن بولتون “كان قد تحدث في دعم الجماعات الكردية في تركيا والدول المجاورة”. مشيرة إلى ظهوره على قناة Fox News عام 2016، حيث قال إن أردوغان “كان يسعى إلى إعادة إنشاء الخلافة العثمانية بحكومة إسلامية”.

وانتقد بولتون الرئيس التركي لعدم دعمه الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003. وقال “إذا سقط فلن أبكي. لا أعتقد أنه كان صديقًا للولايات المتحدة.”

اقرأ أيضا: هل تدعم زيارة بايدن للسعودية إحياء فكرة تحالف شرق أوسطي؟

لا يخرج بما فيه الكفاية

ظهر دعم بولتون للانقلابات في الماضي. ففي مقابلة عام 2008 مع قناة الجزيرة، قال إن الانقلابات يمكن أن تكون في بعض الأحيان “وسيلة ضرورية لتعزيز المصالح الأمريكية”. ووقتها، دافع عن الإطاحة عام 1953 برئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطياً محمد مصدق، وهو العمل الذي نظمته وكالة المخابرات المركزية.

وأضاف بولتون: “أعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تمتلك هذه القدرة”. في إشارة إلى إيران وكوريا الشمالية كمجالين يجب على الولايات المتحدة التركيز عليهما للإطاحة بالأنظمة المعادية.

ورغم هذا، خرج عدد من عملاء المخابرات الأمريكية السابقين للرد بسخرية على تصريحات بولتون. كتب ميلتون بيردن، الذي أشرف على العمليات السرية الأمريكية في أفغانستان في الثمانينيات، على Twitter: “لم يلمس بولتون أي انقلاب. وأي شخص يعتقد أن التحريض على الانقلابات فكرة جيدة لا يخرج بما فيه الكفاية”.