تبدأ شهور الصيف وتبدأ معها الإجازة الصيفية وكثير من الأسر تفكر في دفع أطفالها لعالم العمل في فترة الإجازة من أجل تجهيزهم لمهام الحياة الصعبة التي يكون فيها العمل نشاط رئيسي ويومي وضروري لاكتساب الرزق ومواجهة الحياة، وهذا جزء أساسي من عملية التربية والتكوين، لكن التسرع بالدفع بالأطفال إلى العمل قبل بلوغ السن المناسبة أو في أعمال لا تناسبهم كأطفال هنا يكمن الخطر الذي يجب أن ننتبه له، صحيح أن العمل عبادة، ولكن لكل عبادة توقيت وضوابط، فنحن لا نؤدي شعيرة الحج في رمضان ولا نصوم رمضان في ذي الحجة، فهناك فرق بين تشغيل الأطفال (من سن 15 إلى 18 سنة)، في أعمال لا تضر بصحتهم أو نموهم أو أخلاقهم، ولا تعوق تعليمهم الأساسي والمواظبة على المدرسة والدراسة، وهو أمر مشروع تمامًا، بل يمكن ألا يخلو من إيجابيات لصالح الأطفال ولصالح المجتمع، أما عمل الأطفال المحظور في الصكوك الدولية والتشريعات الوطنية، فهو ذلك العمل الذي يحرِّم الأطفال من طفولتهم وتنمية قدراتهم والحفاظ على كرامتهم، والذي يشكل ضررًا على نموهم البدني أو العقلي أو النفسي، ويتعارض مع المواظبة على التعليم والانتظام في المدرسة.
اقرأ أيضًا.. توصيات “دام” لتوفير حماية متكاملة للناجيات والشهود في قضايا العنف
وعليه فإن (عمل الأطفال) الذى نرفضه لا يهدد حقوق الأطفال ورفاههم فقط، وإنما يترتب عليه أيضًا عواقب اجتماعية واقتصادية وصحية وخيمة على المستوى الوطني كله، ويتسبب عمل الأطفال في خفض جودة نوعية رأس المال البشري بشكل كبير، وتباطؤ التنمية الاقتصادية، وعرقلة تحقيق الأهداف الوطنية الخاصة بالتعليم والصحة والتنمية، وكل جهود الحد من الفقر والقضاء على التهميش الاجتماعي.
هذا وقد نشرت الوقائع المصرية مؤخرًا قرار وزير القوى العاملة، رقم 215 لسنة 2021، بشأن تحديد نظام تشغيل وتدريب الأطفال والظروف والأحوال التي يتم فيها التشغيل والأعمال والمهن والصناعات التي يحظر تشغيلهم فيها.
هذا القرار الذي يعد مرجعًا مهمًا لكل الأسر التي ترغب في دخول أبناءها الذين مازالوا في سن الطفولة مجال العمل دخولًا آمنًا يحفظ لهم ظروف عمل آمنة وصحية بمعايير عمل تليق بهم كأطفال في مرحلة النمو والتكوين.
جاء الإعلان عن هذا القرار خلال افتتاح الوزير احتفالية اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، في إطار مشروع “الإسراع بالقضاء على عمل الأطفال في سلاسل التوريد في أفريقيا”، والتي تنفذها منظمة العمل الدولية بمشاركة وزارتي القوى العاملة والتضامن والمجلس القومي للطفولة والأمومة وبحضور أعضاء اللجنة التوجيهية للخطة الوطنية لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال ودعم الأسرة ( 2018-2025).
في البداية يشير القرار إلى أنه يُقصد بالطفل كل من لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، ويكون إثبات سن الطفل بموجب شهادة الميلاد أو بطاقة الرقم القومي أو أي مستند رسمي آخر يفيد ذلك.
وينص على حظر تشغيل الأطفـال في جميع الأعمال قبـل تجاوزهم سـن إتمام التعليم الأساسي، أو قبل بلوغهم سن الخمس عشرة سنة ميلادية، أيهما أكبر، كما يحظر تدريبهم قبل إتمامهم سن الأربع عشرة سنة ميلادية مع مراعاة عدم تكليفهم بأي أعمال أثناء التدريب.
وجاءت المادة الثالثة لتنص على أنه لا يجوز تشغيل أو تدريب الأطفال قبل بلوغهم سن الـ18 سنة، في عدد من الأعمال والمهن والصناعات التي لا تناسب الأطفال للعمل فيها نظرًا لخطورتها، وكذلك لأي نوع من العمل يكون بحكم طبيعته أو بحكم الظروف التي يتم تنفيذه فيها، معرضًا صحة الأطفال أو سلامتهم أو أخلاقهم للخطر، أو يكون من المحتمل أن يؤدي إلى ذلك.
كما يحظر استخدامهم في مزاولة أية أنشطة غير مشروعة أو في أية أعمال تعتبر من أسوأ أشكال عمل الأطفال وفقًا لنص المادة الثالثة من اتفاقية منظمة العمل الدولة رقم 182 والتي تستهدف القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال.
بيئات عمل محظور تشغيل الأطفال فيها
يوضح القرار أن هناك أعمال وظروف عمل لايجوز تشغيل الأطفال فيها وهي:
1. العمل في أماكن يمكن أن تعرض الطفل مباشرة لحرارة الشمس.
2. الأعمال التي تتضمن تعرض الطفل لحرارة عالية مثل العمل أمام الأقران أو في محيطها، وأعمال (صهر وتقطيع المعادن وأعمال الحدادة، وأعمال اللحام، وكافة أعمال سباكة المعادن).
3. العمل في أماكن يمكن أن تعرض الطفل للمواد المشعة أو الآشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسجية أو شعاع الليزر أو الموجة الراديوية في المجالات الصناعية المختلفة.
4. الأعمال التي تتضمن تعرض الطفل لمواد متفجرة أو مشتعلة أو مسببة للاشتعال أو مواد قابلة للاشتعال.
5. أعمال التي تتضمن التعامل مع الآلات والمعدات الحادة، أو الدوارة، أثناء عملها أو مراقبتها وتنظيفها، أو صيانتها.
6. لأعمال التي تتضمن تعرض الطفل للكهرباء.
7. أعمال المناولة أو الحمل أو الرفع أو الجر أو دفع الأحمال والأوزان والآلات الثقيلة إذا ما زاد وزنها على ما هو مبين في الجدول المشار إليه.
كما ذكر القرار عدد من الصناعات التي لايجوز تشغيل الأطفال فيها وهي:
1. صناعات البترول والغاز والبتروكيماويات.
2. صناعة الأسفلت ومشتقاته.
3. صناعة الفحم بكافة أشكاله ومراحلها.
4. صناعة الكيماويات أو الأدوية.
5. صناعة الأسمنت والحراريات.
6. صناعة التبغ والمعسل والدخان.
7. صناعات البلاستيك.
8. صناعة التعدين وجميع الأعمال المتعلقة باستخراج وتقطيع المعادن والأحجار سواء تحت الأرض أو أعلاها (المناجم والمحاجر).
9. أعمال البناء والتشييد.
10. أعمال جمع وتصنيف القمامة أو النقابات الخطرة، ووسائل التخلص منها.
11. أعمال الخدمة المنزلية.
12. أعمال مل، وتوزيع واستخدام الغازات المضغوطة.
13. أعمال نقل الركاب والبضائع (برية، بحرية، نهرية والسكك الحديدية).
14. أعمال شحن وتفريغ وتخزين البضائع.
قواعد تشغيل الأطفال
وفيما يتعلق بقواعد تشغيل الأطفال فقد أوضح القرار التالي:
– لا يجوز تشغيل الطفل، المسموح قانونا بتشغيله، أكثر من ست ساعات في اليوم، ويجب أن تتخلل ساعات عمله فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة، ولا تقل في مجموعها عن ساعة كاملة، وتحدد هذه الفترة أو الفترات بحيث لا يشتغل الطفل أكثر من 4 ساعات متصلة.
– ويحظر تشغيل الأطفال ساعات عمل إضافية، أو تشغيلهم في أيم الراحة الأسبوعية أو العطلات الرسمية، وفي جميع الحوال لا يجوز تشغيل الطفل فيما بين الساعة الـ 7 مساء والـ7 صباحًا.
– ويستحق الطفل العامل، إجازة سنوية تزيد عن 7 أيام عن إجازة العامل البالغ، ولا يجوز تأجيها أو حرمانه منها لأي سبب.
التزامات صاحب العمل
ولضمان فاعلية القرار فقد الزم صاحب العمل بمجموعة من الالتزامات التي يراقب تنفيذها مفتشي العمل التابعين لوزارة القوي العاملة:
– ألزم القرار صاحب العمل أن يقدم لكل طفل يعمل أو يتدرب لديه، وجبة غذائية صحية يوميًا، بما لا يقل عما هو وارد في الجدول رقم 2 لهذا القرار، ما لم يكن بالمنشأة نظام غذائي أفضل.
– ولا يجوز تحميل الطفل بأي مقابل لهذه الوجبات، ويكون صاحب العمل مسؤولًا عن توافر كافة الشروط الصحية والنظافة العامة في أماكن تخزين وتجهيز وطهي وتداول وتقديم الوجبات، كما لا يجوز تنازل الطفل عنها مقابل أي بدل نقدي.
– ويجب وفقًا للقرار، على صاحب العمل الذي يرغب في تشغيل أطفال، إجراء الفحص الطبي الابتدائي على الأطفال قبل التحاقهم بالعمل أو التدريب لديه، للتأكد من سلامتهم ولياقتهم الصحية، وفقًا لنوع العمل أو التدريب الذي يسند إليهم، ويجري هذا الفحص على نفقة صاحب العمل وبواسطة الهيئة العامة للتأمين الصحي.
– كما يجب على كل صاحب عمل يستخدم طفلًا، أن يتخذ ما يلزم لتوقيع الكشف الطبي الدوري عليه معرفة الهيئة العامة للتأمين الصحي مرة كل عام على الأقل، وكذلك عند انتهاء خدمته وذلك للتأكد من خلوه من الأمراض المهنية أو إصابات العسل، والمحافظة على لياقته الصحية بصفة مستمرة، وتثبت نتائج الكشف الطبى، بالبطاقة الصحية للطفل وملفه لدى جهة العمل، ولا يجوز لأصحاب الأعمال قبول تشغيل أي طفل- ممن يجوز تشغيلهم قانونا- إلا بعد تقديم البطاقة الصحية الخاصة به، ويلتزم صاحب العمل بالاحتفاظ بصورة من البطاقة الصحية وتقديمها للطبيب المختص عند كل فحص أو إصابة لإثبات أحوالهم الصحية أو إصابتهم، كما يلتزم بتقديمها لأجهزة التفتيش المختصة عند الطلب.
– وفي جميع الأحوال يجب ألا يسبب العمل آلاماً أو أضراراً بدنية أو نفسية للطفل. أو يحرمه من فرصته في الانتظام في التعليم والترويح وتنمية قدراته ومواهيه. كذلك ينص القرار على أن تلتزم أي منشأة يعمل أو يتدرب بها أطفال باشتراطات السلامة والصحة المهنيتين، خاصة التهوية والإضاءة والمياه النقية وأدوات النظافة الشخصية، ودورات المياه، وأماكن لتغيير الملابس والطعام والراحة، والإسعافات الأولية والاشتراطات الصحية المقررة قانونا، على أن يراعى في ذلك حماية استقلال الأطفال عن البالغين، ومراعاة الفصل بين الذكور والإناث.
– كما يلتزم صاحب العمل بتوفير العلاج اللازم للطفل الذي يعمل أو يتدرب لديه حال مرضه، كما يلزم صاحب العمل بالتأمين على الأطفال الذين يعملون لديه خاصة ضد إصابات العمل والأمراض المهنية وفقاً لأحكام قانون التأمين الاجتماعي والمعاشات. ويعمل على حمايتهم من الأضرار المهنية والصحية خلال فترة عملهم الديه.
– وعلى صاحب العمل أن يحيط الطفل الذي يعمل أو يتدرب لديه، قبل مزاولة العمل، بمخاطر العمل والمهنة، وأهمية الالتزام بوسائل الوقاية المقررة لمهنته، مع توفير أدوات الوقاية الشخصية والملائمة لطبيعة العمل والسن، وتدريبه على استخدامها والتأكد من التزام الطفل باستعمالها ومن تنفيذه للتعليمات المقررة، للمحافظة على صحته ووقايته من حوادث العمل.
– كما يجب على صاحب العمل أن يقدم لكل طفل يعمل أو يتدرب لديه، وجبة غذائية صحية يوميا، بما لا يقل عما هو وارد في الجدول رقم (٢) المرفق لهذا القرار، مالم يكن بالمنشأة نظام غذائي أفضل. ولا يجوز تحميل الطفل بأي مقابل لهذه الوجبات، ويكون صاحب العمل مـــــولاً عن توافر كافة الشروط الصحية والنظافة العامة في أماكن تخزين وتجهيز وطهي وتداول وتقديم الوجبات، كما لا يجوز تنازل الطفل عنها مقابل أي بدل نقدي.
عمل الأطفال المحظور خطر يهدد المستقبل
رغم التقدم المحرز على مستوى العالم للحد من عمل الأطفال على مدى العقدين الماضيين، إلا أنه تباطأ خلال الفترة 2016- 2020 وبشكل خاص في ظل تداعيات (كوفيد 19) ، فضلًا عن الأزمة السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم جمع من النزاعات العسكرية الأخيرة ،حيث لا يزال هناك – طبقًا للتقديرات العالمية ما يقارب 160 مليون طفل منخرطين في عمل الأطفال.
وهذا ما دفع الحكومة المصرية إلى العمل من أجل تضافر الجهود الوطنية للتصدي لظاهرة عمل الأطفال وعواقبها الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والصحية على المجتمع والأجيال القادمة، لذا أطلقت وزارة القوى العاملة الخطة الوطنية لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال ودعم الأسرة في الأول من يوليو 2018 بالتعاون مع كافة الوزارات والجهات الوطنية والدولية، وتهدف الخطة إلى الإسهام الفعال في القضاء على عمل الأطفال بكافة أشكاله بحلول 2025 مع تأكيد توفير الحماية الاجتماعية الشاملة للأطفال المستهدفين وأسرهم.
وحاليًا يتم الانتهاء من مسودة المسح القومي لعمل الأطفال، تنفيذًا للقضية الأولى من الخطة بشأن تعزيز المعرفة بشأن عمل ويتم ذلك من خلال التعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وفريق عمل منظمة العمل الدولية والذي سيوفر لنا قاعدة بيانات حقيقة تعكس الوضع الحالي لقضية عمل الأطفال في مصر خاصة وأن أخر مسح قام به الجهاز كان في عام 2010 وتم إصدار نتائجه عام 2012.
ووفق المسح القومي لعمل الأطفال في مصر الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والبرنامج الدولي للقضاء على عمل الأطفال ( IPEC )في 2010، هناك 1.6 مليون طفل مابين 12-17 سنة يعملون في مصر، أي ما يوازي 9.3% وهو ما يمثل طفل من بين كل عشرة أطفال،82.2% منهم يتعرضون لظروف عمل سيئة وغير آمنة وكانت النسبة أعلى بين الأطفال الذكور وتمثل 83.5% مقارنة بالإناث التي تمثل نسبتهن 77.6%.
غير أن الأمر الذي يبرز بوضوح في المسح القومي لعمل الأطفال هو أكثر أنماط الأعمال الخطرة شيوعًا والتي يشتغل بها الأطفال في مصر وهي الزراعة 63% ، والعمل في المواقع الصناعية مثل التعدين والتشييد والصناعات التحويلية 18.9%، فضلً عن قطاع الخدمات 17.6%، ويتضمن قطاع الخدمات، الأطفال الذين يبيعون البضائع في الشوارع، والذين يعملون كمضيفين يقدمون المشروبات في المقاهي، ومن يشتغلون بتوصيل طلبات المتاجر الصغيرة وما إلى ذلك وتشير غالبية الأبحاث التي أجريت في هذا المجال إلى أن العمل في الشوارع هو أحد أبرز الأنواع الشائعة لعمل الأطفال في مصر وأكثرها خطورة ومن ناحية أخرى، يُعد العمل المنزلي رابع أكثر أنواع المهن التي ورد ذكرها، وخاصة بالنسبة للفتيات اللاتي لا يعملن فقط في منازلهن وإنما في منازل الآخرين.