خلال زيارته إلى إسرائيل والمملكة العربية السعودية هذا الأسبوع، ظهر جليا دعم الرئيس الأمريكي جو بايدن -سياسيًا وعسكريًا- لتطوير شراكة أمنية إقليمية بين إسرائيل والدول العربية. وتوقع الكثيرون أن يكون ضمن البنود التي ستناقشها قمة جدة، التي يشارك فيها -إلى جوار بايدن والعاهل السعودي- كل من قادة مجلس التعاون الخليجي، ومصر، والأردن، والعراق.

يأتي ذلك في لحظة حرجة بالنسبة للقوى الغربية. حيث توشك المحادثات مع إيران بشأن برنامجها النووي على الانهيار، مع تكثيف إسرائيل لعملياتها السرية داخل إيران. وقد تؤدي الشراكة الإقليمية التي يسعى إليها الرئيس الأمريكي، إلى إعادة إشعال الصراع في اليمن والعراق. بينما يدفع القادة في طهران إلى تسريع البرنامج النووي لبلادهم وإطلاق مشاريع عسكرية جديدة في أماكن أخرى.

لذلك، يرى البعض خطرا في الاصطفاف العسكري بين إسرائيل ودول الخليج. حيث يخاطر المشاركون بتصعيد الصراع في الشرق الأوسط، دون إضعاف موقف إيران الجيوسياسي أو البرنامج النووي. بل قد يدفع ظهور هذا التحالف طهران لاحتمالات وخطوات أخرى.

بالنسبة لأوروبا، قد يحمي الحوار السياسي الشامل المصالح الأوروبية. بشكل أفضل بكثير من الإطار العسكري، الذي تسعى إليه واشنطن. حيث يوفر خفض التصعيد الإقليمي أفضل احتمالية لحماية المصالح الجوهرية لأوروبا، المرتبطة بهذا الاستقرار. وعلى خلفية الحرب الروسية- الأوكرانية، اعتمادها المتزايد على طاقة الشرق الأوسط.

اقرأ أيضا: جون بولتون.. رجل الانقلابات تكشفه “زلة لسان”

النفط وبن سلمان والتطبيع

أجبر الصراع الروسي- الأوكراني، إدارة بايدن على تغيير نهجها تجاه الشرق الأوسط وقادته. ومع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، فإن إدارته لديها واجب سياسي لخفض أسعار الغاز والتضخم. قلب هذا الالتزام الحرج التعنت الذي صدّره بايدن لولي عهد أكبر منتج للنفط في العالم. أعطت الحرب الأوروبية نفوذاً أكبر للمملكة العربية السعودية على الولايات المتحدة.

جاءت على رأس قائمة مطالب الرياض، مقابل دعم سوق النفط، إعادة التأهيل السياسي الكامل لولي العهد محمد بن سلمان. الذي تعهد بايدن بمعاملته باعتباره منبوذًا دوليًا بسبب تورطه المزعوم في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. كما رغبت الرياض في ضمانات أمنية أمريكية ملموسة ضد إيران. واستئناف التعاون العسكري والأمني ​​الكامل، وهو ما كان قد خفضته إدارة بايدن في وقت سابق بسبب التدخل العسكري السعودي في اليمن.

ويبدو أن بايدن، خلال لقاؤه بالعاهل السعودي أمس في الرياض، قد أعطى ما يرضي الملك وولي عهده الشاب. فقد خرج الرئيس الأمريكي في المؤتمر الصحفي ليُعلن أن المملكة تفتح أجوائها لكافة الطائرات المدنية بلا استثناء. وهو ما يعني -بالطبع- إنهاء حظر الطيران الإسرائيلي في المجال الجوي السعودي. بل، وربما يُشير مستقبلًا إلى فتح خطوط طيران بين الجانبين.

تأتي هذه الخطوة ضمن الحذر السعودي في الخوض في علاقة مع الدولة العبرية بشكل علني. والتي جاءت على عكس تسارع الإمارات والبحرين والمغرب لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في أعقاب اتفاقيات إبراهيم. بالتوازي مع تعميق هذه العلاقات الثنائية، ركزت إسرائيل على تحويل اتفاقيات إبراهيم إلى إطار متعدد الأطراف.

عززت هذه الجهود إنشاء منتدى النقب في يونيو/ حزيران، الذي جمع إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب والولايات المتحدة ومصر. من خلال التعاون في قضايا تتراوح من الأمن الإقليمي، إلى الطاقة النظيفة والسياحة. وهو ما وصفته إسرائيل بأنه بداية هيكل دفاعي مشترك جديد لمواجهة نفوذ إيران الإقليمي وبرنامجها النووي. والتي تعتبرها تهديدات وجودية.

الاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية

تشير ورقة سياسات حديثة لثلاثة من باحثي المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى أنه على الرغم من أن دول الخليج وإسرائيل بادرت بهذه الجبهة ، فإن الدعم الأمريكي سيكون حاسمًا في هذا المسعى.

ويلفت الباحثون إلى اعتقاد المسؤولون الإسرائيليون أنه بدعم من الولايات المتحدة، يمكن لهذا الإطار الأمني ​​المتعدد الأطراف أن يعمق أيضًا علاقاته في المنطقة. ليس أقلها إقناع القادة المتذبذبين في السعودية بدعم التطبيع. ويمكن -نتيجة لتنامي انعدام الثقة في الولايات المتحدة كضامن للأمن- أن تسعى دول الخليج إلى تنويع شراكاتها الأمنية. حتى في الوقت الذي تبحث فيه عن طرق لتأمين التزامات جديدة من واشنطن.

الشهر الماضي، قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس -في إحاطة أمام الكنيست الإسرائيلي- أن دولته تبني “تحالف دفاع جوي إقليمي برعاية الولايات المتحدة”. ومن المرجح أن يشمل تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط (MEAD) الإمارات والبحرين ، ويمكن أن يمتد إلى السعودية.

سيشهد النظام نشر رادارات الإنذار المبكر الإسرائيلية في شبه الجزيرة العربية. وتزامن أنظمة الدفاع الجوي الإقليمية، بهدف مواجهة الهجمات الصاروخية المحتملة من قبل إيران وحلفائها. وكما أشارت صحيفة The Wall Street Journal في وقت سابق، ناقش مسؤولون أمنيون من إسرائيل والمملكة وقطر اقتراح MEAD في لقاء عقد في شرم الشيخ في مارس / أذار 2022.

يقول الباحثون: في العلن، قللت الرياض وعواصم دول الخليج الأخرى من آفاق منظمة أمنية إقليمية تهدف إلى مواجهة إيران. لكنهم يعتبرون إسرائيل شريكًا مهمًا في وقف الهجمات المتكررة. بالطائرات بدون طيار والصواريخ على بلدانهم. من قبل حلفاء إيران في اليمن والعراق. يعتقد العديد من القادة العرب أن طهران عازمة على تصعيد مثل هذه الهجمات، خاصة إذا لم تكن هناك عودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015.

اقرأ أيضا: هل تدعم زيارة بايدن للسعودية إحياء فكرة تحالف شرق أوسطي؟

مصير خطط ترامب الفاشلة

بالفعل، استفادت السعودية والإمارات من قدرات إسرائيل التقنية. حيث تلقوا إنذارًا مبكرًا سمح لهم باعتراض بعض الصواريخ والطائرات بدون طيار الموجهة إليهم في أوائل عام 2022. كما أكد مسؤول إماراتي التي أحد الباحثين في أبو ظبي، في مايو/ أيار الماضي.

ينقل الباحث عن المسؤول الإماراتي أن البلدين كلاهما يرى مزايا واضحة في تعزيز قدراتهما الدفاعية الجوية. من خلال الحصول على تكنولوجيا الحرب الإلكترونية الإسرائيلية، وأنظمة الدفاع الصاروخي المتقدمة، مثل David’s Sling و Iron Beam الجديد. وكلاهما تم تطويرهما بالاشتراك مع الولايات المتحدة، ويتطلبان تصريحًا أمريكيًا لنقلهما إلى دول ثالثة.

كما تحتاج دول الخليج أيضًا إلى موافقة إسرائيل على شراء أسلحة أمريكية أكثر تقدمًا، نظرًا لالتزام الولايات المتحدة بالحفاظ على “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل في المنطقة.

لكن، تلفت الورقة البحثية إلى أن هذه المساعي لإنشاء التحالف العسكري في مواجهة إيران “يمكن أن تعاني من نفس مصير خطط إدارة ترامب الفاشلة لإنشاء تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط”.

تقول: في حين أن الأعضاء المحتملين في هذا التحالف سيرحبون بتعزيز التعاون الأمني ​​الإقليمي. فمن المرجح أن تعيق تصوراتهم المتباينة عن التهديدات والأولويات فيما يتعلق بإيران التنسيق الفعال بينهم. لا تعتبر جميع دول مجلس التعاون الخليجي إيران تهديدًا وجوديًا. حتى أولئك الذين يفعلون ذلك -مثل السعودية والإمارات- سعوا مؤخرًا إلى تخفيف التوترات مع إيران من خلال المشاركة الدبلوماسية، وفي حالة الإمارات، تنامي العلاقات الاقتصادية.

أمّا الأردن، الذي وقع معاهدة سلام مع إسرائيل في عام 1994. معني في المقام الأول بأمن النظام، وقدرة اتفاق إبراهيم على تقويض حل الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين. والذي يعتبره مفتاحًا لاستقراره الداخلي، نظرًا لوجود عدد كبير من الفلسطينيين ضمن تعداد السكان.

كما رفضت مصر أيضًا دعم أي مشروع أمني مناهض لإيران، حتى أنها رفضت الطلبات السعودية للحصول على دعم في اليمن. حتى المغرب -العضو المتحمس في منتدى النقب- يرى أمنه من منظور تنافسه مع الجزائر، وليس إيران البعيدة.

أفكار أكثر تواضعا لإسرائيل

في ظل هذه الظروف، وعدم الخوض السعودي في علاقة مباشرة مع إسرائيل. قد يتبنى الشركاء المحتملون الفكرة الأكثر تواضعًا، عن نظام دفاع جوي متكامل إقليميًا. لكن، سيكون من الصعب تنفيذها في شكل متعدد الأطراف، وفق الباحثون الأوروبيون.

يقولون: روجت الولايات المتحدة لفكرة بنية دفاع صاروخي متكاملة في دول الخليج لأكثر من عقد من الزمان. لكن تردد قادة هذه الدول العميق، في مشاركة البيانات العسكرية الحساسة مع بعضهم البعض. منع هذا الجهد من المضي قدمًا. ومع ذلك، فإن النجاحات التي حققتها إسرائيل مؤخرًا في تطوير العلاقات الأمنية مع السعودية والإمارات. تشير إلى أنها يمكن أن تنشئ شبكة أمنية أقل رسمية، تدعمها شبكة “مركزية وتحدث”، من الاتفاقيات الثنائية.

ويلفتون إلى أنه من الصعب ضمان عدم تطور هذا التعاون الأمني ​​إلى تحالف هجومي ضد إيران. ومن المؤكد أن طهران ستنظر إليه في ضوء ذلك، بالنظر إلى الدور القيادي لإسرائيل وتركيزها الواضح على إيران.

كذلك، بعيدًا عن إضعاف موقف إيران الإقليمي وبرنامجها النووي. يمكن أن يؤدي التحالف العسكري بين إسرائيل ودول الخليج العربية إلى تصعيد التوترات في الشرق الأوسط. ستشهد طهران تهديدًا خطيرًا في الجهود المبذولة لإنشاء بنية تحتية عسكرية في شبه الجزيرة العربية، يمكن لإسرائيل أن تشن منها هجومًا مباشرًا.

هنا، من المرجح أن ترد إيران من خلال تسريع برنامجها النووي، وتصعيد عملياتها العسكرية. بما في ذلك بطريقة يمكن أن تستهدف المصالح الغربية، مثل الناقلات التي تنقل الطاقة إلى أوروبا.

اقرأ أيضا: بن سلمان والعرش: طريق الأمير الشاب لحكم السعودية يمر عبر إسرائيل

الخوف من انتكاسة للحوار الإقليمي

كل هذا سيكون بمثابة انتكاسة كبيرة للحوار الإقليمي الجاري الآن، أي المسارات الثنائية السعودية والإماراتية مع إيران. لم تحقق المناقشات التي تمت -بوساطة عراقية- بين المملكة وإيران سوى نجاح محدود حتى الآن. لكنها خففت بشكل ملحوظ التوترات الإقليمية، وساعدت في التوصل إلى هدنة استمرت لشهور في اليمن. إذا استمر هذا الحوار، يمكن لإيران والمملكة الاتفاق على حل أكثر ديمومة للصراع اليمني. مما يزيد من احتمالية خفض التصعيد الإقليمي على نطاق أوسع.

وفي الوقت نفسه، تحرص الإمارات على تجنب الانجرار إلى موجة جديدة من العقوبات الأمريكية والضغط على إيران. لأنها تخشى تصعيدًا عسكريًا من قبل طهران، ولأنها في وضع مثالي لتصبح مركزًا للتجارة الموسعة مع إيران. وقطر، من جانبها، دعمت بنشاط المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني. وقد تكون منفتحة على التعاون مع طهران في تطوير حقل الغاز المشترك بينهما.

مع ذلك، يمكن لهذه المسارات الانهيار نتيجة التحول المدعوم من الولايات المتحدة نحو زيادة العسكرة.

رداً على الخسارة المتصورة للضمانات الأمنية الأمريكية، سعى قادة الشرق الأوسط إلى الحفاظ على قنوات لوقف التصعيد مع إيران، حتى في الوقت الذي أقاموا فيه علاقات أمنية مع إسرائيل. دفعة أمنية أمريكية متجددة قد تقلب هذا التوازن، خاصة إذا ترافقت مع دعوات أمريكية لتشديد الضغط على إيران بعد انهيار المفاوضات النووية.

في هذا السيناريو، ستشعر إسرائيل ودول الخليج العربية بالجرأة لاتخاذ موقف تصادمي أكثر ضد إيران من شأنه أن يحد من الحوار الإقليمي ويغذي تصعيدًا خطيرًا.