“الحوار” لغويا يعني تبادل الكلام شفهيا بين شخصين أو أكثر، إما بغرض الحوار فقط في حد ذاته أو هدف الوصول إلى نتيجة ما من هذا الحوار حسب موضوعه.
أما الحوار الوطني فهو تبادل الرأي في القضايا المهمّة بين مختلف فئات الشعب، وفصائله العاملة متضمنة النظام الحاكم والتيارات السياسية المختلفة. فلكل كيان أو تيار أو حكومة رؤيته السياسية الخاصة في معالجة الأمور وتيسير شؤون البلد في مختلف المجالات بناء على قناعاتها الخاصة وفهمهما وتقييمها لمصالح البلاد والأفراد والمجتمع. ويهدف الحوار الوطني إلى الخروج برأي توافقي يُحقق نظرة وطموح الجميع. وعادة ما يتم الحوار الوطني في وقت الأزمات أو فترات ما بعد الثورات والتي تشهد عدالة انتقالية بين أنظمة مختلفة.
وحديثي هنا يخص مفهوم الحوار بمعناه اللغوي وكيف يكون الحوار بشكل عام هو بديل لكل أشكال المواجهة والصدام، ومنها القبض والخطف والحبس والحجب والمنع. قد يكون الكلام غريب أو غير منطقي أو غير قابل للتنفيذ ولكني فقط أعتقد أنه يحتاج لمزيد من التفكير وتحويله من مجرد كلام بلاغي إلى آليات عمل على أرض الواقع وهنا تكمن صعوبته.
اعتماد “آلية الحوار بين المختلفين” هدفها الوصول إلى حل سلمي يرضي مصالح الطرفين للتعايش السلمي بينهم رغم اختلافهم. ونحن بحاجة شديدة إلى تحقيق هذا الهدف، فمن حقنا أن نختلف دون أن يبطش القوي بالضعيف ويستخدم أدواته القهرية حتى يمنع الضعيف من التعبير عن رأيه حيث إنه لا يمتلك شيئا سواه، فلا يستطيع حتى الدفاع عن نفسه في حالة البطش به خارج الأطر القانونية والدستورية.
وحتى يكون للحوار آليات تنفيذية، فلابد من توسيع دائرة التواصل مع المختلفين ووجود قنوات شرعية مفتوحة دائما بين الأطراف المختلفة ليس فقط في وقت الأزمة، وإنما حوار دائم متبادل بين أطراف مختلفة تمنع وتوقف نهائيا الحبس بسبب النشر.. فالنشر معناه خبر أو رأي قابل للخلاف وقابل للحوار وقابل للنقاش ولكن غير قابل أن يحبس أحد الأطراف أي طرف آخر بسببه.
ودائرة التواصل قد تكون إما من خلال لقاءات مغلقة أو مفتوحة من خلال إعلام حر مستقل وإما من خلال ندوات ومنتديات تناقش قضايا بعينها وتخرج بتوصيات تتفق عليها تيارات مختلفة أيدلوجيا أو سياسيا. وهذا يتطلب خلق مساحات مفتوحة في الصحافة والإعلام لطرح الآراء المستقلة المختلفة والاستماع لها ومناقشتها لا حجبها أو منعها أو حبسها.. فدرب من دروب عدم المنطق أن تَدعو لحوار مع من نختلف معهم وتغلق عليهم مكانا أنشأته بهدف أن يصل لك رأيهم المختلف.
لا أنتظر نتائج أو آمال كبيرة من “الحوار الوطني” الدائر مؤخرا ولكن ما أتمناه وأرجوه هو أن يتحول “الحوار” إلى آلية بديلة لكل أشكال العنف تجاه أصحاب الآراء المخالفة. بمعني أنه لا يجوز أن تتم الدعوة لحوار وأثناء انعقاده يتم القبض على آخرين بسبب آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي.. لا يجوز أن ينعقد الحوار وآلية الإفراج عن نشطاء الرأي بطيئة بطء السلحفاة! ولا يجوز أن يحجب موقع بسبب مقال رأي ونحن نعلن عن حوار وطني!
هناك شكل من أشكال الحوار ينعقد بين المسجونين قبيل الإفراج عنهم وبين بعض من ممثلي الأجهزة الأمنية يختلف شكله ومحتواه من مسجون لآخر ومن مسؤول لآخر أحيانا يكون شكليا لا يحتوي على أي مضمون بس “لازم نقعد” وأحيانا يحتوي على مضمون شروط أو مطالب.
إذا فما المانع أن يكون “لازم نقعد” قبل إهدار سنوات من العمر تحت مسمى الحبس الاحتياطي وليس بعده وأن يكون بين الطرفين المعنيين بالحوار، فإذا نشرت خبر كاذب أو رأي مخالف لوزارة الاتصالات كمثال، فمن الممكن أن يكون لدى الوزارة قسم مسؤول عن مناقشة الآراء المخالفة لسياسة الوزارة. ويجوز أن تجد الوزارة لدى هذا المواطن ما يساعدها على تطوير أو تحسين سياستها لإرضاء أكبر قدر من المواطنين.
شعار “الحوار الوطني” هو مساحات مشتركة، وهذه المساحات المشتركة لابد أن تكون متاحة متناوله في كل الأوقات، من الممكن أن يخلقها أو يدعوا لها النظام الحاكم، أو يحاول الآخرون فتحها بطريقتهم لإيصال رأي حر مستقل مخالف لكنه سلمي.. فدع الجميع يفتح مساحاته المشتركة معك أو مع غيرك بهدف التوافق والوصول إلى اتفاق يحقق مصالح الجميع داخل الوطن الواحد.
في النهاية لا أعقد آمالا عظيمة على “الحوار الوطني” ولكني لا أرى بديلا عنه في هذا الوقت.. والأسمى من جلسات الحوار الوطني المنعقدة والتي سوف تنعقد هو أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقة لدى الدولة أن يكون “الحوار” في حد ذاته بديلا آمنا بينها وبين المختلفين مع سياساتها دوما وأبدا وليس في حالة الطلب.