مطلع شهر يوليو/تموز الجاري وافق مجلس النواب المصري على اتفاقية تُمكّن صندوق الاستثمارات العامة السعودي “ذراع الحكومة السعودية” من تملّك الأصول والاستحواذ على الكيانات التجارية في مصر.

سبقت هذه الموافقة المُثيرة للجدل اعتزام المملكة الخليجية استثمار نحو 30 مليار دولار في مصر. وذلك إبان زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمصر في يونيو/حزيران الماضي. وكانت القاهرة والرياض وقعتا نحو 14 اتفاقية في وقت سابق بإجمالي نحو 7.7 مليار دولار.

يأتي ذلك وسط معاناة الاقتصاد المصري من ضغوطات بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وتقلبات الاقتصاد العالمي. والتي اضطرت الحكومة المصرية لتخفيض قيمة الجنيه بأكثر من 15% قبل أشهر عدة.

وديعة واستثمارات سعودية في مصر

وكانت السعودية أودعت نحو 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري في مارس/آذار الماضي. ووعدت بأنها ستضخ المزيد من الاستثمارات في الاقتصاد المصري والتي يمكن أن تجلب نحو 10 مليارات دولار.

وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أطلق منتصف الشهر الماضي الحوار المجتمعي بشأن وثيقة سياسة ملكية الدولة. وتتضمن الوثيقة التي أصدرتها الحكومة القطاعات الاقتصادية المختلفة وموقف الدولة منها خلال السنوات الخمس القادمة. لتنقسم إلى قطاعات ستتخارج منها الدولة نهائيًا خلال ثلاث سنوات. وأخرى ستُثبت استثماراتها فيها مع تقليلها لاحقًا. وقطاعات أخرى ستتوسع الدولة في الاستثمار بها. فيما أشار “مدبولي” خلال تصريحات سابقة إلى وجود توجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي بتسييل ما قيمته 40 مليار دولار من الأصول المملوكة للدولة خلال أربع سنوات.

 

حجم الاستثمارات السعودية
حجم الاستثمارات السعودية

ما هو صندوق الاستثمار السعودي؟

وفقًا للموقع الإلكتروني للصندوق الذي تأسس عام 1971 فهو ينشط في نحو 13 قطاعا استراتيجيا. فيما أسهم في إنشاء 52 شركة ويُدير أصولا قُدرت بنحو 2.3 تريليون ريال سعودي. ويسعى الصندوق إلى أن يكون قوة محركة للاستثمار. وأن يصبح الجهة الاستثمارية الأكثر تأثيرًا في العالم، وأن يدعم إطلاق قطاعات وفرصا جديدة تسهم في رسم ملامح مستقبل الاقتصاد العالمي ويدفع بذلك عجلة التحول الاقتصادي في المملكة العربية السعودية.

استثمارات السعودية في مصر
استثمارات السعودية في مصر

يعدّ عام 2015 هو إعادة إحياء للصندوق الذي أُنشئ كشركة قابضة -حسب الوصف الموجود على الموقع الإلكتروني للصندوق- وذلك بعد تولي الأمير محمد بن سلمان قيادة الصندوق بنفسه. والذي يعد الذراع الاستثمارية لولي العهد في تحويل اقتصاد المملكة التي تعتمد على النفط في اقتصادها.

ويمكن وصف صندوق الاستثمارات السعودي بأنه كان عملاقا نائما حتى عام 2015. وكانت مهمته تتلخص في تقدير قروض لتطوير الاقتصاد ويمتلك نسبة كبيرة من سوق الأسهم السعودية. لكنه لم يكن معروفًا في الخارج وفقًا لوكالة بلومبرج الاقتصادية.

كان إجمالي رأس مال الصندوق منذ عام 1971 حتى عام 2015 نحو 152 مليار دولار. لكن في 7 أعوام تضاعفت أصول الصندوق حتى بلغت 620 مليار دولار. منها 80 مليار دولار تم تحويلها من أسهم شركة أرامكو السعودية إلى الصندوق خلال فترة تولي “بن سلمان” رئاسته.

الصندوق السعودي والناتج القومي المصري

بهذه الأصول بات الصندوق أكبر مرة ونصف من حجم الناتج القومي المصري الذي بلغ نحو 420 مليار دولار. وفقًا لبيانات صادرة عن البنك الدولي خلال الربع الأول من 2022.

تعتقد بلومبرج أن الصندوق بات أداة أساسية في يد ولي العهد السعودي لتوسيع سلطاته. وخلال سنوات قليلة استثمر الصندوق في مجالات متعددة. على رأسها شراء نادي نيوكاسل الإنجليزي. وحصة من شركات فيسبوك وأوبر.

ويكشف محمد بن سلمان أن قيمة أصول الصندوق ستزيد على تريليوني دولار بحلول 2030. ما يجعله أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم.

حجم التبادل التجاري بين البلدين
حجم التبادل التجاري بين البلدين


ما بنود الاتفاقية؟

بسبب عدم طرح الاتفاقية اعتمدنا على المواقع الإخبارية التي كشفت أن نص الاتفاقية التي أُقرت بالقرار رقم 261 لسنة 2022 اشتمل على السماح للصندوق السعودي بالوجود في المجالات الاستثمارية المتاحة في مصر كافة. وذلك عبر شراء وتملك العقارات والأصول المنقولة وغير المنقولة والتصرف بها أو الانتفاع منها. وتأسيس كيانات تجارية بمفرده أو بمشاركة غيره أو الاستحواذ على القائم منها. والاشتراك أو الإسهام مع الكيانات الحكومية أو كيانات القطاع الخاص في مختلف المجالات. كذلك حق البحث والاستكشاف والاستخراج واستغلال الموارد الطبيعية وحقوق الامتياز للمرافق العامة.

كما نصت الاتفاقية على عدم فرض قيود على استيفاء وإعادة تحويل أصل رأس المال وأرباحه واستهلاكاته والتعويضات. ومعاملة الصندوق في مصر معاملة المستثمر الوطني من حيث التسهيلات الممنوحة للاستثمار. وعدم اتخاذ إجراءات من شأنها حرمان الصندوق من ملكية رأس ماله أو أرباحه كليًا أو جزئيًا بشكل مباشر أو غير مباشر.

وتضمنت الاتفاقية التزام الطرفين بالمحافظة على سرية المعلومات المتبادلة بينهما في إطار الاتفاق. وأن يقتصر استخدامها على الأغراض التي قدمت من أجلها. ولا يجوز لأي منهما نقلها أو تمريرها بأي شكل إلى طرف ثالث إلا بعد موافقة كتابية من الطرف الذي قدمها. مضيفة أن أي نزاع ينشأ بين الطرفين أو بين الصندوق ومصر يتعلق بتفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية يلتزم الطرفان بتسويته وديًا من خلال التفاوض أو التوفيق أو الوساطة.

وفي حالة عدم التوصل إلى تسوية يتفق الطرفان على الآلية المناسبة لحل هذا النزاع. ومن ذلك: التحكيم أو اللجوء للمحكمة العربية للاستثمار أو أي وسيلة خاصة بتسوية النزاع.

أين يستثمر الصندوق السعودي في مصر؟

زيارة بن سلمان إلى القاهرة
زيارة بن سلمان إلى القاهرة

خلافًا للوديعة التي وضعتها السعودية في مارس/آذار الماضي في البنك المركزي -البالغة 5 مليارات دولار- والتي كانت من بين أصول صندوق الاستثمارات العامة السعودية. سيكون للصندوق دور في الاستثمار في محطات سيمنز لتوليد الكهرباء. إضافة لشراء حصص من الشركة الوطنية للبترول -وفقًا لما كشف عنه رئيس صندوق مصر السيادي أيمن سليمان.

ويقول “سليمان” إن الصندوق السعودي يمكن أن يستحوذ على حصص في الشركة الوطنية لإنتاج وتوزيع المواد البترولية “وطنية” التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة. ومحطات الكهرباء الثلاث التي بنتها شركة سيمنز. وذلك كجزء من خطة أوسع للصندوق لاستثمار ما يصل إلى 10 مليارات دولار في مصر.

ويُضيف في تصريحات سابقة له أن الصندوق السيادي المصري عرض حصصًا من شركة الوطنية للبترول ومحطات سيمنز على الصندوق السعودي. مشيرًا إلى أن الصندوق السعودي يتطلع للاستثمار في قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والزراعة والخدمات المالية في مصر.

إجمالي الاستثمارات
إجمالي الاستثمارات


استثمارات السعودية في الشهور الأخيرة

خلال الأشهر الأخيرة زادت وتيرة الاستثمارات السعودية في مصر. ففي إبريل/نيسان اشترت الشركة العربية لخدمات الإنترنت والاتصالات “سولوشنز” التابعة لشركة الاتصالات السعودية STC المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي حصة من شركة “جيزة سيستمز” تبلغ 44.7% بقيمة 145 مليون دولار.

وفي يونيو/حزيران اشترت عائلة الحكير السعودية 4.99% من شركة فاليو التي تنشط في مجال التقسيط والتأجير في السوق المصرية. وذلك مقابل 12.4 مليون دولار والذي رفع تقييم الشركة إلى نحو 247.4 مليون دولار.

كما وقعت الشركة المصرية لنقل الكهرباء على اتفاقية مع شركة أكواباور السعودية في يونيو/حزيران أيضًا لتنفيذ محطة طاقة رياح بقدرة 1100 ميجاوات في جبل الزيت وخليج السويس باستثمارات تصل إلى 1.5 مليار دولار.

فضلاً عن استثمارات القطاع الخاص السعودي في مصر. وأبرزها في قطاع البنوك والتأمين. مثل بنك التمويل المصري السعودي. وبنك فيصل الإسلامي المصري. وبنك الدلتا الدولي والبنك المصري الخليجي.

توقيع اتفاقات اقتصادية مع المملكة
توقيع اتفاقات اقتصادية مع المملكة

وفي قطاع الفنادق والسياحة تتمثل الاستثمارات السعودية في فندق سميراميس إنتركونتننتال بالقاهرة وفندق فورسيزونز ومجموعة فنادق سيتي ستارز بالقاهرة وفنادق ومنتجعات موفنبيك.

وهناك أيضًا استثمارات في القطاع الصناعي أبرزها شركة الزامل للمباني الحديدية المحدودة وشركة المصنع الوطني لمكيفات الفريون أولمبيك إلكتريك. فضلا عن شركة مصر الخليج لتصنيع الزيوت والشركة العربية لمنتجات الألبان والشركة الاستثمارية للإنتاج والتصنيع وشركة بيبسي بقشان للاستثمار”.

وفي القطاع الزراعي هناك “شركة المملكة للتنمية الزراعية وشركة التنمية الزراعية العربية وشركة الهجن المصرية وشركة الوادي لتصدير الحاصلات الزراعية”. فضلا عن مشروعات في التمويل والاستثمار منها “مجموعة النعيم للاستثمار والشركة السعودية المصرية للاستثمار والتمويل. وشركة أوريكس المالية المحدودة وشركة كولدويل بانكر الشرق الأوسط للاستثمار”.

حجم استثمارات الدول العربية من 2021 إلى 2016
حجم استثمارات الدول العربية من 2021 إلى 2016


صندوق الاستثمار السعودي واستغلال انخفاض الأصول  

ويعتقد الدكتور علي الإدريسي -المحلل الاقتصادي- أن هذه الاتفاقية تقدم للصندوق السعودي تسهيلات وحوافز لشراء أصول في مصر. خاصة وأن الصناديق السيادية العربية لديها فائض مالي ضخم وتريد استغلال حاجة مصر إلى سيولة مالية لشراء مجموعة ضخمة من الأصول.

ويقول لـ”مصر 360″ إنه بالنظر إلى حجم صندوق الاستثمار السعودي فإنه يجب أن يكون له مردود إيجابي على السوق المصرية. لافتًا إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري وتسبب ذلك في تراجع القيمة الحقيقية للأصول المصرية. خاصة أن الانخفاض في قيمة الجنيه لا يزال قويًا ومستمرًا حتى الآن.

ويرى أنه خلافًا للتخوفات من دخول صناديق عربية سيادية للسوق المصرية فإن ذلك يجعل التعامل أسهل. لأنه في الغالب يأخذ شكلا حكوميا. خاصة وأن معظم تلك الصناديق مملوكة للحكومات الخليجية. لكن يجب أن يكون البيع بهدف تنمية وزيادة رأس المال وخلق فرص توظيف أكثر.