سمح مجلس العمل في مدينة مانشستر للشيخ منصور بن زايد -نائب رئيس مجلس الوزراء وزير ديوان الرئاسة في الإمارات- بشراء أراضٍ عامة مقابل أقل من قيمتها. فكيف تم ذلك؟
هكذا تساءل تقرير بصحيفة الجارديان البريطانية ناصحا بإلقاء نظرة على السياسيين والمقايضة بالخيل والمساومة حول من سيصبح زعيم المحافظين. لنرى كيفية عمل القوة والمال في المملكة المتحدة اليوم. فعليك تجاهل المتنافسَين ريشي سوناك وليز تروس على خلافة رئيس الحكومة بوريس جونسون. والتركيز فقط على مدينة مانشستر. تلك المدينة التي كانت تتاجر بمصانع القطن وبناطحات السحاب. والتي علمت العالم كثيرا عن الرأسمالية الصناعية قبل 200 عام. الآن تقدم درسًا قاسيا آخر حول نسختها المالية للقرن الحادي والعشرين.
رحلة داخل قلب “مانشستر بريطانيا”
يقول معد التقرير “أديتيا تشاكرابورتي” -كبير المعلقين الاقتصاديين بالجارديان-: “على بعد دقائق قليلة شرق وسط مانشستر تجد مبنى من الشقق والمنازل المبنية حديثًا ويصطف العديد منها على مرسى جميل يتلألأ في شمس يوليو. يمكنك هنا استئجار أو شراء شقة بما أنك لست رافضا لتسكن في علب أو صناديق متراكمة. لكن لاحظ شيئًا ما: ما يقرب من 1500 من هذه المنازل تأتي من مطور واحد فقط. وهنا تكمن قصتنا الواقعية كاملة”.
لقد تم إطلاق هذه المباني التي سميت Manchester Life في عام 2014 وتم الترحيب بها باعتبارها “صفقة بقيمة مليار جنيه إسترليني” بين مجلس المدينة ومالك نادي مانشستر سيتي لكرة القدم في أبوظبي. كان لدى السلطة المحلية مساحات من الأراضي المصنّفة. وصُنف الشيخ منصور بن زايد -مالك النادي- بين أغنى الرجال على هذا الكوكب.
في غضون ذلك حذرت جماعات حقوق الإنسان مجلس مدينة مانشستر من شريكه التجاري الجديد القوي. إذ إن صندوق استثمار مجموعة أبوظبي المتحدة منفصل رسميا عن دولة الإمارات. لكن مالكه -الشيخ منصور- هو نائب رئيس وزراء الإمارات وشقيق الرئيس الحالي للدولة.
في إبريل نشر الصحافيون في مجلة دير شبيجل وثائق تشير إلى أن أبوظبي سهلت المدفوعات لمانشستر سيتي. فعلى أقل تقدير يرتبط صندوق الاستثمار ارتباطًا وثيقًا بما وصفته منظمة العفو الدولية بـ”واحدة من أكثر الدول البوليسية وحشية في الشرق الأوسط” في إشارة إلى دولة الإمارات. إذ إن فعل المعارضة في الإمارات يعني “التعفن في السجن” لدى نظام به أكبر عدد من سجناء سياسيين مقارنة بأي مكان آخر في العالم.
تقول “هيومن رايتس ووتش” إن المربيات أو البنائين المهاجرين ذوي الأجور المنخفضة يعتبرون “عمالة قسرية” في الإمارات. ومع ذلك فإن هذه الحقائق لم تمنع قيادة حزب العمل في مجلس مانشستر من المضي قدمًا في الاتفاق مع أبوظبي.
واحد من مملكة الإمارات “الاستبدادية”
لقد كان تقدمًا كبيرًا للشيخ منصور بن زايد ائب رئيس وزراء الإمارات -الذي اشترى قبل نصف عقد فقط في عام 2008 نادي كرة قدم متعثرا. والآن كان صندوقه الاستثماري يدخل في مشروع مشترك مع الدولة البريطانية. “وإن كان ذلك على المستوى المحلي” ويضع يده على العقارات الرئيسية ويشكل جغرافيا المدينة ذاتها.
كواحد من حكام “مملكة استبدادية تتمتع بسمعة مروعة بالقمع وإدمان عائدات النفط” استطاع الشيخ منصور بن زايد -بحسب التقرير- أن يكسب الكثير من هذه الشراكة. كان المجلس هو الذي يمتلك جميع الأوراق تقريبًا: هكتارات الأراضي المملوكة ملكية عامة. ونظام التخطيط. والإعانات العامة. ومع ذلك -وفقًا لبحث جديد تمت مشاركته حصريًا اليوم مع الجارديان وكتبه أكاديميون في جامعة شيفيلد- كان الشيخ منصور هو من حصد جميع المكاسب تقريبًا.
يقول التقرير إنه تم بيع تسعة مواقع للشيخ بجزء بسيط من قيمتها وأقل بكثير مما جلبته قطع الأراضي الأخرى المجاورة.
يقول المجلس إنه اعتمد على خبراء مستقلين في التقييمات القياسية ولم يقدم أي تفاصيل أخرى. فيما تم تأجير هذه القطع لمدة 999 عامًا. وهو ما يتجاوز بكثير المعتاد. وقام الصندوق بتحويل الأصول العامة إلى شركات مسجلة في جيرسي.
بيع الأصول.. والعائد بالملايين
نمر عبر رحلتنا بمجموعات من الأراضي المخصخصة المملوكة في ملاذ ضريبي خارجي وتدر الملايين لعضو رئيسي من النخبة الثرية بدولة الإمارات.
لقد باعت واحدة من أعظم المدن في العالم نفسها لشخصية بارزة في حكم استبدادي وحشي -وليس حتى بمقابل جيد -حسب تقرير الجارديان.
هذا هو الأثر المدمر للدراسة الشاملة الأولى لمخطط Manchester Life. وهو نتاج شهور من البحث في حسابات الشركة وتطبيقات التخطيط. أحيانًا ما يكون مجلس المدينة حريصًا على انتقاد منتقديه بدلاً من سماع ما سيقولونه.
لقد عاش الخبراء جميعًا في المدينة منذ عقود -وأنا أحد المستشارين المستقلين وغير مدفوع الأجر في اللجنة الاستشارية. وهذا تقرير صادر بشكل مباشر من أجل المصلحة العامة.
لما يقرب من عقدين أدار برنشتاين مجلس مدينة مانشستر حتى عام 2017. وجلس في مجلس إدارة مانشستر لايف. هنا لم يتم بيع الأصول التي يمتلكها البسطاء من الناس بسعر رخيص فحسب. بل لقد حصلوا على القليل من المال. المواقع التسعة المطورة لا تحتوي على مساكن اجتماعية أو ميسورة التكلفة. وهو ما برره مسؤولو التخطيط في المجلس ببيانات مثل: “يوجد بالفعل مستوى عالٍ من الإسكان ميسور التكلفة في المنطقة المجاورة”.
لقد اعترف المجلس نفسه في وقت سابق من هذا العام بأن ما يقرب من 4000 من أطفال المدينة ينامون كل ليلة في مساكن مؤقتة.
سؤال الضرائب.. ابحث عن المستفيد!
في Manchester Life تعتبر الشقة المكونة من غرفتي نوم صفقة إذا كانت تساوي 369000 جنيه إسترليني. وهو السعر الذي يضعها خارج حدود وإمكانيات الأزواج الذين يعملون بدوام كامل بمتوسط راتب. أما بالنسبة للضريبة فإن المبالغ المدفوعة للخزانة تبدو قابلة للارتفاع.
لقد كسبت إحدى الشركات أكثر من 26 مليون جنيه إسترليني في خمس سنوات. ولكن وجد الباحثون أنها دفعت ضرائب أقل من 10000 جنيه إسترليني -بمعدل فعال يبلغ 4 بنسات فقط على كل 100 جنيه إسترليني من الإيرادات.
من الصواب والموضوعي -بحسب التقرير- القول إن المناطق المبيعة أو المستأجرة صارتا أكثر متعة بكثير مما كانت عليه قبل خمس سنوات. لكن السؤال الكبير هو: “من الذي ربح من إعادة التطوير ومن الذي خسر؟”.
يقول “أديتيا” إنه طلب من مؤلفي التقرير حساب المبلغ الذي كان يمكن لمجلس مانشستر أن يكسبه من هذه الصفقة.
وبالنظر إلى أمثلة صفقات الأراضي والمجالس المحلية الأخرى فإن تقديرهم المتحفظ هو 33 مليون جنيه إسترليني. بالإضافة إلى ما يصل إلى 1.7 مليون جنيه إسترليني سنويًا كإيجار.
ووصف كل من المجلس والمشروع المشترك هذا المبلغ بأنه “تخميني”. وقال المجلس أيضًا إنه يتوقع المزيد من الأموال من خلال ترتيب فائض أو نصيب في الأرباح. رغم أنه لم يقدم أي تفاصيل عن هذه الاتفاقية ولم يتم تسجيلها في السجلات العامة. ولكن على سبيل المقارنة فإن مبلغ 33 مليون جنيه إسترليني سيغطي أكثر من ما تدفعه.
إيرادات 10 قرون
من المفترض أن الشيخ منصور بن زايد آل نهيان يعرف بالضبط مقدار ما تحققه مانشستر لايف -ويمكنه أن يتطلع إلى 10 قرون من إيرادات الإيجار من الأرض في هذه المدينة العظيمة. ويبدو أنه راضٍ عن الترتيب.
يؤكد “أديتيا” أنه بعد أشهر قليلة من تقاعد “برنشتاين” من مجلس مانشستر تم تعيينه مستشارًا استراتيجيًا أول لمجموعة السيتي لكرة القدم -المملوكة للشيخ منصور بن زايد.
ربما يكون أجمل تطويرات Manchester Life هي مطحنة Murrays. وهي عبارة عن تحويل لواحدة من أولى مصانع القطن التي تعمل بالبخار في العالم إلى شقق.
تقع المطحنة في قلب Ancoats بجانب شارع Bengal. وتنحدر عائلتي في الأصل من البنغال. وهي المنطقة التي نسجت ذات يوم أفضل المنسوجات في العالم.
إن النظر إلى هذه الأسماء المنقوشة على الطوب هناك يعني تذكر كيف جاءت مانشستر إلى ثروتها الصناعية وبريطانيا إلى التفوق العالمي. من القطن الذي قطفه العبيد ومن خلال تدمير المنافسة الصناعية الأجنبية. حتى تجريم بيع المنسوجات الهندية. لكنها اليوم ترمز إلى شيء آخر: بلد يحتفل بتلقيه رأس مال من دول أخرى بموجب أقسى الشروط باعتباره انتصارًا.
……………………………………………………………….
أديتيا تشاكرابورتي كاتب عمود في صحيفة الجارديان.
تم تعديل هذه المادة في 21 يوليو 2022. وصفت نسخة سابقة معدل الضريبة الفعلي الذي تدفعه شركة تابعة لشركة Manchester Life على أنه “أربعة بنسات على كل جنيه”. إنه في الواقع 4 بنسات لكل 100 جنيه إسترليني.
