من بين عشرات الأعمال العربية التي نسعى لصناعتها تلفزيونيًا وسينمائيًا لمساحات أكثر رحابة للمحتوى العربي لا نشاهد أشياء تستحق أن تصنع سوى القليل، وربما كان من حظنا أن نقف أمام عمل درامي مصري جيد هذه الأيام مع عرض مسلسل وش وظهر على منصة “شاهد”.

بعيدًا تمامًا عن زحام القاهرة ومركزيتها نشاهد أبطال في مدينة بعيدة الجميع هناك لا يشغله الصخب المبالغ فيه هنا، حياة هادئة نوعًا ما وأكثر تركيزًا، سنشاهد “وش وضهر” نمشي ظاهريًا قليلًا ثم نغطس معًا داخل المدفون للشخصيات ذاتها، وما يمكن أن يختلف ويتفق على خلفية هادئة تعيدها وردة مرة بعد أخرى عن تغير الدنيا دون إنذار. “وعملت إيه فينا السنين”.

اقرأ أيضًا.. السباق مع التفاهة.. لماذا تنجح أفلام على هيئة تامر حسني؟

يوافق مسلسل وش وضهر، الذي يعرض على منصة شاهد من بطولة الفنان إياد نصار والنجمة ريهام عبد الغفور، توقعات مشاهده، عمل مذهل مليء بالتفاصيل المصرية تمامًا، عبر تقديم قصة مثيرة للاهتمام، وعناصر بصرية ملائمة وموسيقى تصويرية ملفتة بالرغم من كثرة استخدامها.

يدور المسلسل حول أمين مخازن في شركة أدوية (إياد نصار) يقرر في لحظة حاسمة تغيير خطط حياته المتعثرة في تحقيق ما يتمناه، تاركًا حياته خلف ظهره متوجهًا إلى طنطا حيث يتظاهر أنه طبيب يعالج الفقراء.

تأتي الخطوة بعد سرقة نصار أموال اختلسها زميل له بالشركة، وسط أزمات مستمرة في زواجه. يعتمد الدكتور جلال بعد تزييف هويته ومهنته، على تجربته وخبرته التي اكتسبها من زياراته وهو طفل لعيادة طبيب كان والده يعمل لديه كممرض. يتقاطع طريق جلال مع ضحى (ريهام عبد الغفور) التي تعيش ظروفًا معيشية صعبة وتعول أسرتها ما يدفعها إلى العمل كراقصة في الأفراح الشعبية. لكن بعد شعورها بالإحباط جراء مهنتها السرية، تنضم ضحى للعمل كممرضة في عيادة الدكتور جلال، حيث يلعب الثنائي لعبة القط والفأر خوفًا من أن يكشف أحدهما هوية الآخر الحقيقية. ولكن مع تقدم الأحداث في المسلسل، يكتسب الدكتور جلال شعبية كطبيب للفقراء، و(نعتقد) أنه وضحى قد وقعا في حب بعضهما الآخر.

ما الذي يجعله مسلسل جيد؟ يتقدم أكثر العناصر قوة في المسلسل هو ضغطه وإيجازه على مدار حلقات المسلسل 8 حتى الآن، يبدأ من نقطة توهة تامة وينتهي بفرحة يصنعها غرباء ظاهريًا لا يربطهم سوى التوهة التي بدأ المسلسل من خلالها.

مسلسل وش وضهر

ضحى التي أجبرتها ظروفها على مقامرة الشيطان تمامًا مثل الدكتور جلال في عُرس صديقتها الراقصة وموسيقار الحي الطموح، رباعية تسعى لمساحات أكبر من الترقي الاجتماعي ولا يمكنها الحصول على ذلك بمفردها.

هل يمكن صناعة طريق وعرة مثل ذلك دون رفيق؟ لا يملك المسلسل المذهل أكبر من خط سردي لحكايته، يكثفها جميعًا في تساؤل فلسفي عن غرباء تجبرهم الظروف على العيش معًا، يدّعي صنّاع المسلسل استحالة ذلك دون هموم متراكمة يمكنها تدمير الخطط، لن تحتمل المأسآة وحدك.

ليس أضمن للإنسان من حب تنبت ملامحه من مآسي يعبرها شريكان معًا، قصص الجميع المكثفة في شخص ضحى وجلال تكاد تتلمس من خلالهم توترهم من اكتشاف أحدهما لماضي الآخر من اللحظة الأولى.

ماذا يحدث لو اكتشف أحدهم ماضي الآخر؟ يضيع كل شيء. لماذا يمثل هذا الماضي خجل نوعًا ما، أحدهما بسبب ضياع حبه بسبب اختيار خاطيء والآخر بسبب عدم اكتشافه لهذا الحب من الأساس، الحالتان مجرد التفكير في علاقة حب يمثل خطورة بالنسبة إليهما.

هل تعلم كيف يمكن للحب أن يكون خطيرًا بالنسبة لي؟ يمكنه تدمير كل شيء هربت منه، رميت حياتي القديمة كلها مقابل أن تبقى هادئة دون حب أو مخاطرة أو مشاركة تعذّبني، ثم ظهرت أنت، سرقت منك الحياة ما سرقته منّي، أجبرتك على القسوة والكذب، لن يفهمك أحدًا مثلما حدث معي، لم يحدث فجأة كما في خيالات السينما أن تفجّر حبي إليك، تسرّب المتبقي من حنيني للحياة من أجلك، فاكشتفت. وجدتك أملًا في أشياء كنت أظن دمرتها رحلتي القاسية، لقد كنت أملًا، كيف يمكنني ألّا أحب الأمل؟

هكذا يمكن تخيل كيف يمكن لأحدهما أن يفهم الآخر، مساحة واسعة من قبول غرابة الحياة التي تسبق مقابلتهما، وما دام فتحت الحياة طريق جديدة أمامنا علينا أن ننسى الماضي بكامل مأسآته.

وش وظهر دراما مصرية خالصة يجلس في قلبها واقع إجتماعي وسياسي مضطرب يعيشه أبناء طبقة العمل كما يعيشه أغلب مشاهدوه، يبدأ من لحظة هروب غير منطقي من التوهة والمأسآة وينتهي كأي لحظة حالمة بالخلاص الذي لا يجسده سوى الحب الذي تبدأ من عنده كل لحظة خلق جديد، حب لا يعني سوى الأمل في حياة مرة أخرى.