نشرت الجريدة الرسمية في عددها رقم 316 لسنة 2022، قرار رئيس الجمهورية بفض دور انعقاد مجلس النواب العادي الثاني بداية من تاريخ الأربعاء الموافق 6 يوليو 2022، فماذا قدم مجلس النواب في هذا الدور لناخبيه، وهل أوفى المجلس بالتزاماته الدستورية على نحو كامل؟ فعلى الرغم من مرور ثمانٍ سنوات على تدشين الدستور المصري الأخير لسنة 2014، لم تزل هناك التزامات دستورية ملقاة على عاتق مجلس النواب لم يفعل قدرته فيها أو يقوم بإنجاز مستحق لهذه المهام.
اقرأ أيضًا.. عن سلطة المجتمع وسلطة القانون
فهناك التزام لم يزل معلقًا منذ بداية العمل بهذا الدستور، لم ينفذه مجلس النواب في نسخته السابقة، وكذلك لم يحققه البرلمان الحالي بتشكيله الأحدث، وهو الالتزام المفروض بموجب نص المادة 241 من الدستور بأن يلتزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وفقًا للمعايير الدولية.
كما أن هناك التزام دستوري قضائي مهم ربما قد يضمن حسن سير مرفق العدالة الجنائية، بالعمل على إنشاء محاكم استئنافية لمواد الجنايات، وهو الأمر المنصوص عليه بالمادة 240 من الدستور، والتي حددت مدى زمني قدره عشر سنوات، وبرغم مرور ثماني سنوات، لم يتم مناقشة قانون يخص هذا الأمر، هذا إضافة إلى الالتزام المنصوص عليه في المادة 236 بأن تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، بمشاركة أهلها في مشروعات التنمية وفي أولوية الاستفادة منها، مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلي، خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، على النحو الذي ينظمه القانون، فلم تزل تلك القضايا معلقة ولم تطرح على موائد البرلمان، فهل تشفع لهم السنتان الباقيتان في هذا الأمد الذي قارب على نهايته.
فماذا قدم إذن مجلس النواب في دوره الأخير من أدوار انعقاده، فعلى الرغم من مرور كل هذه السنوات، وعلى الرغم من كون الأصل الدستوري المنصوص عليه في صدر المادة 120 منه، لم تزل جلسات المجلس منعقدة في حالة سرية، وغير معلنة على مستحقيها من المواطنين، الذيم هم في الأصل أهل الحل والعقد، وبالتالي هم أولى مصلحة في رقابة ممثليهم من أعضاء مجلس النواب عما يدور منهم داخل جلسات المجلس محققاً لمصلحتهم، التي هي أساس وباعث الانتخاب من أصله، فكيف تتحقق الرقابة الشعبية في ظل السرية المفروضة على الجلسات، وتلك السرية هي أمر استثنائي قد تفرضه ظروفًا معينة، لكن أن يصبح الاستثناء هو الأصل، فهذا أمر يحتاج للتفسير والتعليل والتبرير، وكذلك في ظل عدم نشر مضابطه على نحو يسمح لغالبية أفراد الشعب بالإطلاع عليها.
إذن فماذا قدم مجلس النواب المصري؟ فبحسب تقريره الذي تداولته الصحف من أن مجلس النواب عقد 56 جلسة عامة وافق المجلس على 148 مشروع قانون غالبيتها مقدمة من الحكومة، وقبل أن نتطرق إلى مدى أهمية تلك القوانين، إلا أن الأمر الملحوظ على نحو خطير هو سيطرة الحكومة على النسبة الأعلى من مشروعات القوانين، فأين أعضاء المجلس التشريعي من سلطتهم أو وظيفتهم الرئيسية وهي التشريع، فهل هم بحاجة على أن تتولى عنهم الحكومة ممثلة في السلطة التنفيذية أمر التشريع، ويقف دور النواب عند حد التصويت بالموافقة عليها، فهل هذا يتماشى مع العلة الحقيقية من وجودهم تحت قبة البرلمان، وهذا الأمر لا يعني سوى استحواذ السلطة التنفيذية على مقدرات التشريع بشكل شبه كامل، دون أي غرابة في الأمر.
أما عن أهم ما وافق عليه مجلس النواب من مشروعات قوانين فكان معظمها كما رأت السلطة التنفيذية صاحبة هذه القوانين تتماشى مع رغبتها وإرادتها، متمثلة في تعديل قانون الشهر العقاري، على الرغم من تعديله سابقًا ثم وقف العمل به، ثم تعديله، وأيضًا تعديل قانون مشاركة القطاع الخاص في أعمال أو مشروعات البنية الأساسية والخدمات والمرافق، وتعديل أحكام قانون تنظيم الوكالة التجارية، ذلك أيضا إضافة على ما هو معتاد عليه من موافقة دائمة من البرلمان على ما تعقده الحكومة من قروض خارجية، إضافة على تعديل قانون الكيانات الإرهابية.
لكن أين نجد دورًا لمجلس النواب في قضايا أو قوانين تمس الحياة العامة للمواطنين، مثل قانون الحبس الاحتياطي، وذلك القانون الذي صدر في ظل ظروف سياسية كانت لها وضعيتها حين إصداره، وهو الأمر الذي تغير بشكل كبير حاليًا، وأصبح من الأمور المطلوبة ليس على الساحة المحلية فقط، بل على الساحة الخارجية أيضًا لما تعنيه قيمة الحريات في ميزان العلاقات الخارجية، وهي من الأمور التي تمس هيبة وقيمة وسمعة الدولة المصرية بأسرها.
أيها السادة نحن لسنا في حاجة إلى نواب أو ممثلين عن الشعب يقف حد دورهم عن الموافقة على ما تراه السلطة التنفيذية من أمور فقط، إذ أن ذلك يتنافى بشكل قاطع مع حقيقة الدور الرقابي لمجلس النواب، الذي تكون له سلطة مراقبة الحكومة في تصرفاتها بما يجب أن يتماشى مع احتياجات المواطنين.
نحن أيها الأفاضل في حاجة إلى نواب يمثلون ضمائر ناخبيهم، يعبرون عن احتياجاتهم بما يحقق الصالح العام ويحافظ على ثروات البلاد ويسعى بها إلى التقدم والرقي ليس إلا.