ضمن حيثيات قضية محاكمة محمد عادل قاتل الطالبة نيرة أشرف، طالب المستشار بهاء الدين محمد خيرت، قاضي المحاكمة،  أن يكون تنفيذ عقوبة الإعدام علانية. وقد تضمنت حيثيات الحكم الطلب. حيث جاء في نص حكم المحكمة “أن تكون عملية تنفيذ العقاب بالحق مشهودًا، مثلما الدم المسفوح بغير الحـق صار مشهودًا.. ومن أجل ذلك اقترحت المحكمة تعديل نص المادة الخامسة والستين، من قانون تنظيم مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعي المنظمة لتنفيذ عـقوبة الإعدام؛ لتجـيز إذاعة تنفيذ أحكام الإعدام مصورة على الهواء، ولو في جـزء يسير من بـدء إجراءات هذا التنفيذ”.  

واعتبرت المحكمة أن ذلك من شأنه أن “يحـقــق الــردع العام المبتـغى الذي لم يتحقـق -بعـد- بإذاعة منطوق الأحكام وحــده”. وهذه الحيثيات بما تضمنته من مطالبات بعلانية وبث حكم الإعدام وعلاقته بالردع، أعادت النقاش حول جدوى عقوبة الإعدام وعلاقتها بالردع في جرائم الاعتداء على النفس.

بعض ردود الفعل حذرت من خطورة تداعيات بث عقوبة الإعدام، وما قد تحمله من آثار على صورة مصر فيما يتعلق بهذه العقوبة. خاصةً مع تنامي اتجاه عالمي يرفضها. هذا فضلًا عن ما يحدثه هذا البث من آثار نفسية واجتماعية سيئة على شرائح عديدة بالمجتمع، غير الآثار المتعلقة بأهل الجاني وأقاربه.

وهناك توجه يرى أن تنفيذ حكم الإعدام علانية في مثل هذه الجرائم يمثل إخلالًا بحق الجاني في الموت بكرامة. بینما هدف العدالة الأول تنظیم وإصلاح أفراد المجتمع.

ويدفع هذا التوجه بأن تطبيق عقوبة الإعدام بشكل علني يعتبر استجابة لقانون الثأر الذي يخضع للمورث الشعبي والثقافي، ويميل إلى المعاملة بالمثل فيما يخص الجريمة والعقاب. وهنا يرى قانونيون وحقوقيون أن هيئة المحكمة فيما يخص طلبها علانية تنفيذ العقوبة تأثرت بالرأي العام.

علانية الإعدام.. بين المبالغة وتحقيق الردع

علانية تنفيذ حكم الإعدام مجافية للإنسانية، كما يرى المحامي والحقوقى جمال عيد، الذي اعتبر أن “مطلب المحكمة يظل مجرد توصية غير ملزمة قد يأخذ بها المشرع وقد لا يأخذ بها”.

يقول عيد، لـ”مصر 360″، إن تنفيذ الإعدام بشكل علني مخالف للدستور واتفاقيات حقوق الإنسان والقانون الذي ينص على أن يتم الإعدام في الجرائم في أماكن مستورة. كما أنه يؤدي إلى توسيع دائرة العنف.

يقول المحامي الحقوقي نجاد البرعي إن مطالبة المحكمة بعلانية الإعدام في هذه القضية ليست الأولى من نوعها. فقد سبقتها مطالبات بتنفيذ العلانية في قضايا المخدرات مطلع ثمانينيات القرن الماضي.

ويبين البرعي أن استطراد المحكمة في مثل هذه القضايا وجنوحها إلى الرأي العام قد يحول القاضي إلى أداة انتقام. وهو ما يتعارض مع مبادئ مجلس القضاء الأعلى، حيث يجب أن لا يستند القضاة في أحكامهم إلى رأي خارج القانون.

ويرى البرعي أن طلب العلانية في تنفيذ حكم الإعدام وجهة نظر تنتمي للعصور الوسطى. كما أنها قد تؤدي إلى استشراء العنف المجتمعي، بينما يكفي الإعلان عن تنفيذ الإعدام لتحقيق الردع المطلوب.

الإعدام في قانون الإجراءات الجنائية

حددت المواد من 470 وحتى 477 من قانون الإجراءات الجنائية، مجموعة ضوابط وشروط تحكم تنفيذ عقوبة الإعدام. بحيث تمنح المادة 472 لأقارب المحكوم عليه بالإعدام حق لقائه في اليوم المحدد لتنفيذ الحكم. على أن يكون ذلك بعيدًا عن محل التنفيذ.

كما نصت المادة 473 على أن تنفذ عقوبة الإعدام داخل السجن، أو في مكان آخر مستور، وليس علانية.

ووفقًا للمواد السابقة، فإن التنفيذ العلني لأحكام الإعدام غير جائز قانونًا، ولو كانت الجريمة المنسوبة إلى الجاني خطرة وتوصف بالبشاعة، مثلما حدث في جريمة ذبح طالبة المنصورة نيرة أشرف.

هنا، يؤكد الدكتور حسنين عبيد، رئيس قسم القانون الجنائي بجامعة القاهرة، أنه لا يجوز الأخذ برأي المحكمة إلا بعد إجراء تعديل تشريعي على القانون. ويوضح -في حديثه لــ”مصر 360″- أن علانية تنفيذ مثل هذه العقوبات تحدث نوعًا من القهر الزائد، ولا تحقق الردع العام. بل قد تُحدث مردودًا عكسيًا عند المتلقي وأسرة الجاني.

ويشير عبيد إلى أن المادة (65) من قانون تنظيم السجون تنص على أن تنفذ عقوبة الإعدام داخل السجن أو في مكان آخر مستور، هي المرجع القانوني في عدم جواز التنفيذ العلني لأحكام الإعدام.

خطورة بث الإعدام في وسائل الإعلام

في أحد برامج  القناة الأولى،  خلال إبريل/نيسان من العام 1988 بث التلفزيون المصري على الهواء مباشرة، وبقرار من الرئيس حسني مبارك حينها، وقائع تنفيذ حكم الإعدام على 3 من الجناة في قضية قتل سيدة وطفليها بدافع السرقة. وهي الجريمة التي تحولت إلى قضية رأي عام، وعُرفت إعلاميًا بـ”مذبحة مدينة نصر”. ومؤخرًا  عرض التلفزيون صورًا ومشاهد من إعدام الإرهابي هشام عشماوي، عقب تنفيذ حكم الإعدام بحقه، وإنزال جثته من على حبل المشنقة.

رغم بث بعض أحكام القضايا المشابهة لقضية نيرة أشرف، يرى دكتور ياسر عبد العزيز، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، ضرورة التعامل مع هذه المطالبات بكثير من الحذر. لأن مشهد الإعدام من المشاهد الحادة التي لا تتقبل رؤيتها قطاعات كبيرة من الجمهور.

يقول إن إعلان تنفيذ العقوبة كافيًا لتحقيق الردع، ولا يستلزم الردع بث تنفيذ العقوبة. ذلك لأن بث تنفيذ العقوبة ينتهك حقوقا اجتماعية ونفسية، سواء للمشاهدين أو أسرة الجاني. كما لا تتفق العلانية مع كرامة الموت.

علانية تنفيذ عقوبة الإعدام لا تجعل المجتمع أكثر أمنًا مستقبلًا ولا تحقق الردع المطلوب. بل على العكس توسع دائرة العنف وتساعد على تصدير مشاهد سيئة عن المجتمع المصري أمام المجتمع الدولي، كما تقول الدكتورة حنان أبو سكين، عضو المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.

وتضيف في حديثها لـ”مصر 360″: لم یثبت أبدًا أن عقوبة الإعدام كانت رادعة. بل إن العدید من الدراسات تؤكد أنها تؤدي إلى العنف، والبلدان التي تطبق عقوبة الإعدام لدیھا بشكل عام معدلات جرائم أعلى من تلك التي ألغت عقوبة الإعدام. هذه عقوبة وإن كانت تخفف من آلام أسر الضحايا. لكنها تؤدي إلى ضحایا جدد وتفاقم معاناتهم وقد تحدث تعاطفا مع الجاني.

الإعدام فى المواثيق الدولية

انضمت مصر لبروتوكول العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الخاص بإلغاء عقوبة الإعدام بموجب القرار الجمهوري رقم 536 لسنة 1981، والمنشور بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 15، وأصدرت مصر إعلانًا مرفقًا بالتصديق، متضمنًا أن التزامها سيكون بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية.

وتشير المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إلي إلغاء عقوبة الإعدام بعبارات توحي بأن الإلغاء أمر مستحب،  حيث تعتبر  جميع التدابير الرامية إلي إلغاء عقوبة الإعدام تقدما في التمتع بالحق في الحياة .

وقد صدقت مصر على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في 14 يناير/كانون الثاني 1982. ووقعت على الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في 20 مارس/آذار 1984.

كما تتضمن المادة 59 من الدستور المصري أن “الحياة الآمنة حق لكل إنسان”، ما يستوجب إلغاء عقوبة الإعدام لتعارضها مع مواثيق حقوق الإنسان التي وقعت عليها مصر.

ووفقًا لذلك فإن مصر ملزمة بالمواثيق الدولية التي صدقت عليها. حيث تلزم المادة 93 من الدستور المصري الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدِّق عليها. وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة.