انشغل العالم طوال الأسابيع الماضية بالصور الملتقطة حديثًا للكون من تلسكوب “جيمس ويب“، التابع لوكالة ناسا الأمريكية للفضاء. بينما انشغل المتدينون من المسلمين والمسيحيين بسجالات أخرى حول التمسك بالإعجاز العلمي في القرآن والكتاب المقدس، فيما يتعلق بعلوم الفضاء. وهي الجدالات التي تعود بالعلم إلى المربع صفر، وتطرح أسئلة عن علاقة العلم بالدين.
أسلمة العلم.. لماذا أساء زغلول النجار للعلم والدين معًا؟
في كتابه الشهير “نقد الخطاب الديني”، تطرق الدكتور نصر حامد أبو زيد، المفكر الإسلامي الشهير، إلى تلك العلاقة الملتبسة بين العلم والدين. إذ رأى ضرورة فصل الديني الثابت عن العلمي المتغير. فالعالم يكتشف الكثير من الحقائق العلمية يوميًا، والتي تتغير عن قناعات الأمس بالتأكيد. بينما النصوص الدينية تظل ثابتة لا تتغير.
ومن ثم، فإن محاولة استخلاص حقائق علمية قد تتغير ما بين ليلة وضحاها من نصوص دينية ثابتة، قد يعصف بهذه النصوص أو بحتمية ما جاء فيها. وهو الأمر الذي يتطلب تغيير منهجية التعامل مع النص القرآني، باعتباره مصدرًا للعلوم، إلى آفاق أرحب تجعل ما يرد في النص من سرديات علمية دليل جديد على قدرة الله التي أوردها في النص القرآني بأسلوب بلاغي لا علاقة له بالحقائق العلمية.
في المقابل، فإن أبو زيد بهذا الطرح يرفض ما يسميه “أسلمة العلوم” أي منح العلوم الطبيعية صبغة قرآنية. وهو ما دأب عليه مشاهير الفضائيات في التسعينيات مثل زغلول النجار ومصطفى محمود، ممن عملوا على استخلاص حقائق علمية من نصوص دينية.
المرصد الفلكي للأزهر الشريف.. هل الإسلام بحاجة إلى ذلك؟
في المقابل، فإن الأزهر الشريف قد دخل عالم الفلك بمركز جديد يحمل اسم مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء. يدير هذا المركز الدكتور أحمد عبد البر، حيث يستند مؤيدو فكرة تأسيس هذا المركز إلى تاريخ قديم كانت فيه العلوم الفلكية ضمن العلوم الإسلامية، حتى انفصلت عن العلوم الشرعية في وقت لاحق.
يُبرز دكتور عبد البر مدير المركز أسباب تأسيسه. يقول إن المركز من شأنه دراسة الظواهر الفلكية وقضايا مواقيت الصلاة والصيام على الكرة الأرضية، وليس رصد الأهلة أو إعلان الرؤية. مردفًا: هناك دول تواجه مشقة في إظهار العلامات الفلكية. وهذا هو دور المركز. ومن ثم، فإن مركز الأزهر العالمي للفك الشرعي وعلوم الفضاء، سيكون له دور في دراسة الظواهر المرتبطة بعلوم الفلك المعاصرة، فيما يتعلق بالارتباطات الشرعية وأوقات العبادات ذات الصلة الفلكية. ذلك وفقًا لما ذكره في إحدى الفضائيات.
كيف يتداخل العلم والدين عند المسيحيين أيضًا؟
على الصعيد المسيحي، فإن قضية التداخل بين العلم والدين قد حظيت باهتمام الكنيسة الكاثوليكية الرومانية قديمًا، حين بدأت قضية جاليليو العالم الشهير نحو عام 1610، وانتهت بمحاكمة جاليليو جاليلي وإدانته من قبل محكمة التفتيش الرومانية الكاثوليكية عام 1633. إذ تعرض جاليليو للمقاضاة بتهمة دعمه لنظرية مركزية الشمس. وهي نموذج فلكي يقول بدوران الأرض وبقية الكواكب حول الشمس التي تقع في مركز المجموعة الشمسية.
لم توقف الكنيسة جاليلو عن اكتشافاته التي وردت في كتاب الرسالة الفلكية حيث وصف فيه مشاهداته التي توصل إليها باستخدام تلسكوب جديد، من بينها أقمار محيطة بكوكب المشترى ثم مشاهدات لكوكب الزهرة متبنيًا نظرية مركزية الشمس، وتمت معارضة هذه الكشوف الفلكية من قبل الكنيسة الكاثوليكية.
وفي عام 1616، أعلنت محكمة التفتيش أن نظرية مركزية الشمس “هرطقة” رسميًا، وحظرت الكتب التي تتحدث عن مركزية الشمس وطلبت الكنيسة من جاليليو التوقف عن الإيمان بهذه الأفكار أو تعليمها أو الدفاع عنها.
أما موقع “تكلا هيومنت” المحسوب على الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فيؤكد في مقال عن العلم الحديث والكتاب المقدس على أن الإنجيل بعهديه القديم والجديد لا يوجد فيه خطأ علمي واحد. موضحًا: الكتاب المقدس لا يحتوي على الأخطاء العلمية الشائعة في تلك العصور وقت كتابته. خاصة وأن بعض كتاب العهد القديم عاشوا في بيئات مختلفة، فموسى عاش في بيئة مصرية وبعض أنبياء العهد القديم الذين أتوا بعده عاشوا في بيئات فارسية وبابلية أو كلدانية وكل منهم كان لهم اعتقادهم في نشأة الأرض والحياة وحول لاهوت الله.
يعتبر موقع “تكلا هيومنت” أن الكتاب المقدس هو الكتاب الوحيد الثابت أمام التيارات العلمية المضادة. فإذا ظهرت أي نظرية تتعارض مع نص الكتاب، نتأكد أنها ستزول مع الزمن، وستتبدد ويبقى الكتاب المقدس. مشددًا: هناك توافق علمي عجيب بين المعرفة السليمة للكتاب والحقائق العلمية. ومن ثم فإن الكتاب المقدس هو أقدم مرجع للكثير من الحقائق العملية.
الكتاب المقدس والعلم الحديث.. لا يلتقيان
اللاهوتي أمجد بشارة يختلف مع تلك الرؤية جذريًا محاولًا فك الاشتباك بين العلم والدين. فقال إن محاولة الزج بين العلم والكتاب المقدس إنما هو تقليل شديد من مكانة الكتاب المقدس وقصور في فهم هدفه ومُبتغاه. ذلك لأن العلم والكتاب المقدس ميدانان متوازيان لا يتلاقيان أبدًا. بل هم دائمًا في مكانتين حيث لا تعارض ولا تلاقي.
وأوضح بشارة أن العلم لا يستطيع مناقضة الكتاب. لأن حقيقة الكتاب المقدس تجري على صعيد آخر غير ميدان الحقيقة العلمية. مبينًا: أن العلم إنما هو للكون المنظور وما هو قابل للإثبات. أما الكتاب المقدس فهو للحقيقة الروحية لسرّ الخلاص. حيث لا مكان للعلم. إذ يفقد الأرض الخصبة التي يستطيع أن يعمل عليها، وهي ملاحظة المادة.