في عام 2015 فتحت دول أوروبا الغربية أبوابها أمام مئات الأشخاص الفارين من جحيم الحروب الأهلية، والذين عبروا الطريق إلى البلقان أملا في الحياة بعد أن لفظهم العنف وتهدمت منازلهم. حيث انضمّ إلى الأعداد الهائلة من اللاجئين السوريين الذين فروا إلى أوروبا، آلاف المهاجرين من آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا.
وفي مطلع عام 2016، أُغلق هذا الطريق رسميا، بموجب اتفاق أبرمه الاتحاد الأوروبي وتركيا. بالفعل، تراجع تدفق المهاجرين، لكنه لم يتوقف يوما. ولا يزال عشرات الآلاف يعبرون دول البلقان كل عام -رغم المراقبة المشددة للحدود- في الوقت الذي تسبب السياج الذي أقامته المجر. على طول حدودها الجنوبية مع صربيا وكرواتيا. بتحويل طريق المهاجرين إلى جبال ألبانيا ومونتينيجرو والبوسنة.
في عام 2020، أفادت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل Frontex . أن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين تمّ رصدهم بين كانون الثاني/يناير. وتموز/يوليو بلغ 11300 مهاجر على حدود الاتحاد. مشيرة إلى أن هذا الطريق سجّل ارتفاعا بنسبة 80% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019. كما أعلن وزير الأمن البوسني سيلمو شيكوتيتس أن معدّل نجاح عبور المهاجرين العالقين عند السياج هو 60% تقريبا. كما أن أكبر عدد من المهاجرين هم باكستانيون وأفغان ومغاربة وعراقيون، بحسب سلطات البوسنة.
ولأن المهاجرين، والمصاعب التي تواجههم في رحلتهم إلى أوروبا، تشكل قدرا ضخما من المعاناة، وثّقه نشطاء ووسائل إعلام على مدار الأعوام السابقة. تستعد شركة هولندية لإطلاق “لعبة الظلال/ Shadow Game” في 29 يوليو/ تموز الجاري. والتي استمدت فكرتها من المعاناة التي تواجه المهاجرين غير الشرعيين في رحلتهم الصعبة من بلدانهم الأصلية إلى أوروبا. وذلك على غرار “ألعاب الجوع/ Hunger Games”، و”لعبة الحبار/ Squad Game”.
للمشاركة في الإصدار التجريبي للعبة أضغط هنا
اللعبة، وفق الشركة المنتجة، تستمد وقائعها من فيلم وثائقي يضم قصصا حقيقية لمهاجرين غير شرعيين. سافر بعضهم سيرا على الأقدام من سوريا إلى البلقان.
عقبات أسطورية
جاء في تقديم اللعبة: “جزيرة السجن، السياج، حقول الألغام، العبور، وممر الموت. خلال رحلته عبر أرض العجائب البائسة، يجب أن يواجه سامي، البالغ من العمر 15 عامًا. عقبات ذات أبعاد أسطورية. بينما العودة إلى الوراء ليست خيارًا. فهل سيصل إلى وجهته النهائية؟”.
أشار موقع Shadow Game، إلى أن اللعبة تستند إلى قصص الأولاد الصغار “الذين لعبوا اللعبة بالفعل. ونأمل أن تساعد في تغيير نظرة الناس إلى حقيقة الرحلة التي يتعين على اللاجئين –الشباب- القيام بها من أجل طلب الحماية في أوروبا”.
أمّا في وصف اللعبة، فجاء على الموقع: “وصل سامي لتوه إلى شواطئ ما كان يأمل أن تكون أرض الميعاد. ومع ذلك، فهو يدخل عالمًا بائسًا بعيدًا عن الجمال أو الأمان. يرى أنه لا توجد مساعدة، وأنه غير مرغوب فيه. بينما العودة إلى الوراء ليس خيارا. الهروب من الحرب هو مجرد بداية بحثه عن مستقبل أفضل”.
وأضاف الموقع: “يسافر سامي عبر أرض مظلمة وغريبة. في مواجهة عقبات ذات أبعاد أسطورية. مع خلفية نشأة سامي خلال رحلته الملحمية، تعد لعبة Shadow Game مزيجًا من محاكاة المشي وأسلوب اللعب الخفي. يحصل اللاعبون على تجربة قصته المليئة بالتصميم، واليأس، والصداقة الحميمة، والخيانة”.
ذروة في أعداد المهاجرين
شهد طريق البلقان رواجًا بين المهاجرين، منذ الموجات العنيفة للنزوح نحو غرب أوروبا في 2015. وتتضمن محطاته تركيا كنقطة بداية، ثم المرور بمحطات مختلفة -وفقًا للطريق الأنسب لكل رحلة- بما يتوافق مع الإجراءات الأمنية التي اتبعتها السلطات على مدار السنوات الأخيرة. مثل التحول من اليونان أو بلغاريا، ثم مقدونيا وصربيا والمجر كدول مرور. إلى تفضيل أكبر لألبانيا والجبل الأسود والبوسنة نحو كرواتيا، وصولا إلى ألمانيا أو النمسا.
أدى ارتفاع تدفقات المهاجرين غير الشرعيين نحو أوروبا إلى تعاون بين تكتل بروكسل ومنطقة البلقان للحد من هذه الظاهرة. عبر إجراءات مشددة اتبعتها بعض الدول. ما أثّر على نسب المرور والانتقاء بين المحطات. لذلك، تحول الطريق من المجر وصربيا -اللذين أغلقا حدودهما تماما عبر أسلاك شائكة- إلى اعتماد المهاجرين على طريق ألبانيا بشكل أوسع.
يشير المركز الاوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات إلى أن الهجرة غير الشرعية عبر البلقان “تهدد أوروبا”. حيث يبقى البلقان- رغم الانخفاض العام في نسب الهجرة غير الشرعية- هي المنطقة الوحيدة التي شهد طريقها زيادة، بل ذروة في أعداد المهاجرين. إذ رُصد أكثر من 82000 مهاجر غير قانوني عام 2020 على هذا الطريق، بزيادة قدرها 46% عن العام السابق.
كما تشير الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل Frontex إلى أن النصف الثاني من عام 2019 شهد أعلى عدد من المهاجرين السالكين لطريق البلقان. وأكدت في إبريل/ نيسان 2022 أن عدد المهاجرين الذين يحاولون دخول الاتحاد الأوروبي بطرق غير نظامية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام. ارتفع إلى أعلى مستوياته منذ 2016.
وتقول الوكالة إن اللاجئين القادمين من أوكرانيا “لا يدخلون في خانة الإحصائيات الآنفة الذكر”.
وقدرت Frontex أن “أكثر من 40300 عملية عبور غير نظامية” تمت صوب دول الاتحاد الأوروبي، البالغ عددها 27 دولة. بين يناير/كانون الثاني، وآذار/مارس، بزيادة قدرها 57% عن الفترة نفسها من العام الماضي.
لعبة خطيرة
نشرت صحيفة The Guardianالبريطانية، تقريرا تحدث فيه المحرر فيل هاود إلى عدد من الشباب والمراهقين الذين شاركوا في الإصدار التجريبي للعبة، والذي يتضمن السير برا من سوريا إلى البلقان. مشيرا إلى أن اللعبة -التي تتضمن الكثير من التحديات- تسلط الضوء على “الحقائق القاسية للعولمة”. ولكن “في الواقع، ربما يكون هذا هو السبيل الوحيد لمثل هؤلاء من أصحاب العقول الشابة لمعالجة ضخامة الصدمة مما ينخرطون فيه، وإلقاء الضوء على ضعفهم”.
نقلت الصحيفة عن شاب أفغاني يبلغ من العمر 15 عامًا يفر من أفغانستان قوله “بالطبع، اللعبة خطيرة. إذا سقطت على جبل، فسوف تموت. إذا نجحت، ستفوز. لهذا يسمونها لعبة”.
مع ذلك، يقول هاود: يبدو أن العديد من هؤلاء المهاجرين يتمتعون بموارد جيدة نسبيًا. حيث يشترون الملابس الشتوية، والهواتف المحمولة لتحل محل المصادرة في الطريق. يبدو أيضًا أنهم قادرون على توثيق رحلتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي”. ويستند إلى مقطع فيديو على هاتف الشاب الأفغاني، يُظهر الغابات الكرواتية المليئة بالألغام.
يضيف المحرر البريطاني: إنهم يمشون عبر الريف الثلجي ليلا. ويصدون الدببة والذئاب باستخدام قاذفات اللهب التي تصنعها بنفسك.
ونقل هاود عن مصطفى، وهو مراهق عراقي يبلغ من العمر 17 عامًا. تجربته في التعرض للضرب والتعذيب على أيدي شرطة الحدود الكرواتية. ما جعله يتساءل عن مدى تواطؤ الاتحاد الأوروبي مع موقف الشرطة الكرواتية “بعدم التسامح مطلقًا”، حسب قوله.
وتابع: مع شهادة 10 أو نحو ذلك من المهاجرين المختلفين الذين اختلطوا جميعًا. يتم دمج الرحلات الفردية -ربما عن قصد- في صورة جماعية لـ “اللعبة”. بالطبع لا يوجد فائزون هنا، حتى أولئك الذين يتمتعون برفاهية المشاهدة. بينما تستمر أعداد المهاجرين العالميين في الارتفاع”.