تعاني كرة القدم المصرية حاليا تراجعا كبيرا بسبب سوء التنظيم والإدارة وتتابع المباريات وتداخل البطولات. ما يسمح بمؤجلات كثيرة لبعض الأندية التي تشارك في بطولات أفريقيا. خاصة الأهلي الذي وصل إلى نهائي دوري الأبطال 3 مواسم تواليًا وكان المستفيد الأكبر من تلك التأجيلات.
وأصبحت المعضلة الكبرى لكرة القدم المصرية امتداد الدوري الممتاز حتى نهاية أغسطس/آب. فيما تستعد كل الدوريات العالمية للتحضير للموسم الجديد ثم لعبه منتصف الشهر المقبل.
وأدى كل ذلك إلى إجهاد واضح لكل اللاعبين. وبسبب هذه المشكلات أصبح التأثير واضحًا على منتخب مصر. الذي خسر مباراتين متتاليتين أمام إثيوبيا بتصفيات كأس الأمم 2023 وكوريا الجنوبية وديًا إثر إصابة 7 لاعبين من القوام الأساسي للمنتخب.
كما أدى ذلك إلى إقالة إيهاب جلال من تدريب المنتخب بعد فترة قصيرة من توليه المسئولية. ومن قبله مع البرتغالي كارلوس كيروش خسرنا نهائي البطولة الأفريقية بركلات الترجيح أمام السنغال. وكذلك المباراتين الفاصلتين لمونديال قطر 2022 بالطريقة نفسها.
شكوى عامة من أزمة طاحنة للاعبين
الجميع يشكو من تلاحم المواسم وبدأ جميع المدربين -خصوصا الأجانب- يضجرون من الإنهاك الذي لحق بلاعبيهم. وجعلهم يتساقطون واحدًا تلو الآخر لينتهي موسم الكثير منهم مبكرًا قبل موعده.
فأصبح الأمر بمثابة معادلة صعبة تحتاج إلى حل عاجل ومنقذ للاعبين من دوامة الإجهاد والإصابات المتلاحقة. الأمر الذي سيضر في النهاية المنتخب الوطني ويؤثر في مسيرته كما حدث مؤخرا فعليًا. لدرجة أن البرتغالي روي فيتوريا -مدرب المنتخب الجديد- لاحظ الأمر وعلق على حالة الإجهاد التي ظهرت على اللاعبين خلال مباراة نهائي كأس مصر الأسبوع الماضي بين الأهلي والزمالك.
إذا، نحن أمام أزمة حقيقية علينا تجاوزها وتفاديها للصالح العام. فالموسم الحالي ينتهي أواخر أغسطس/آب والجديد يبدأ في أوائل أكتوبر/تشرين الأول. وبالتالي ستستمر الأزمة ونظل في الدوران بحلقة مفرغة وصولا للشكوى ذاتها وتداعيات الأزمة نفسها. لذلك بات من الضروري البحث عن حل مختلف لشكل المسابقة الموسم المقبل.
دوريات العالم انتهت.. والمصري مستمر!
انتهى الموسم الكروي بأوروبا وأغلب دول العالم بنهاية مايو/أيار المنقضي أو أوائل يونيو/حزيران على الأكثر. ودخل الجميع في إجازة صيفية لمدة شهر. ثم عاد اللاعبون أوائل يوليو/تموز الجاري للانتظام في معسكر إعدادي مع أنديتهم للموسم الجديد. والذي سينطلق في منتصف أغسطس/آب المقبل ونهايته ببعض الدول الأخرى. ونحن ما زلنا نلعب دوري الموسم الماضي وسينتهي بعد شهر من الآن.
هنا تحدثنا مع الكابتن محمد يوسف نجم ومدرب الأهلي السابق في تصريحات خاصة لموقع “مصر 360”. وأكد على أن العالم أجمع بالفعل انتهى من دورياته حتى الدوري السوداني المجاور لنا يستمر الآن مثلنا. لأنه يبدأ في شهر ديسمبر/كانون الأول عكس الوضع عندنا. مؤكدًا أن الأمر غير آدمي لكل اللاعبين. خاصة النجوم الدوليين بعد حجم مشاركات مهول بالمواسم الأخيرة المتلاحمة والنتيجة أنهم يتساقطون مصابين.
الدوري الإنجليزي مثالا انتهى بنهاية مايو/أيار الماضي والكل ذهب لقضاء إجازته وعاد لفترة الإعداد. كما قاموا بجولات تحضيرية في آسيا وأمريكا ويستعدون لانطلاقة الدوري الجديد يوم 7 أغسطس/آب المقبل. وكذلك الإسباني والإيطالي ولكنهم يعودون بعده بأسبوع كامل وربما تزيد المدة لحالات الحرارة المرتفعة للغاية خاصة في بلاد الرومان.
أما على مستوى الدول العربية والدوريات فأغلبها انتهى وفي فترة الإجازة والإعداد للموسم الجديد الذي سينطلق أواخر أغسطس/آب في الخليج مثل الدوري السعودي والإماراتي والقطري. وفي شمال أفريقيا كذلك. لتكون مصر فقط متخلفة عن سائر دول العالم وكذلك أقرانها في المنطقة والشرق الأوسط. بسبب النظام العشوائي والإدارة الكارثية للمسابقات والمجاملات والتأجيلات لقطبي الكرة المصرية وتحديدًا الأهلي.
لماذا يستمر الدوري المصري حتى الآن؟ وما دخل الأهلي؟
السؤال الذي يخطر على بال كثيرين: لماذا يستمر الدوري لهذا الوقت؟
الإجابة بكل بساطة أنه منذ عام تفشي فيروس كورونا 2020 توقف الدوري المصري وكل العالم في مارس/أذار وإبريل/نيسان من العام ذاته بسبب الوباء. وعاد للاستكمال في بعض بلدان العالم مثل إنجلترا وإسبانيا دون جماهير في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب وانتهى. ثم حدثت معالجة للموسم الذي يليه وضغط لينتهي في موعده بنظام شديد وصرامة كبيرة وإدارة رائعة للمسابقات هناك.
لكن الأمر عندنا مختلف كالعادة وتم تطويل مدة العودة للتدريبات ثم المباريات لمواجهتنا الضعيفة لكورونا والتأخر في المسحات والعقاقير وخلافه. فحصلت الأندية على الموافقة في يوليو/تموز واستكمل الدوري في أغسطس/آب بعد إصرار الأهلي على ذلك وجمع معه باقي الأندية.
وكان لابد من إلغاء المسابقة حينها كما حدث في فرنسا مثلا. والبدء في موسم جديد بنفس المواعيد المعتادة حتى لا تتلاحم المواسم.
ومن هنا جاءت الأزمة ولعبنا الموسم ثم بدأنا الموسم التالي بعده في شهر ديسمبر/كانون الأول واستمر لأغسطس/آب الماضي 2021.
وانطلق الجديد في أكتوبر/تشرين الأول كذلك ومازلنا نلعب فيه حتى الآن بعد التأجيلات الكثيرة للأهلي. وتوقفات المنتخب الدولية للمشاركة في كأس العرب ثم أمم أفريقيا 2021 بالكاميرون ومباراتي كأس العالم. وإصرار الأندية واتحاد الكرة على لعب كل البطولات. بما فيها كأس مصر السابق والسوبر وهكذا. لتتلاحم المواسم ونصل إلى المعضلة الحالية.
الناقد الرياضي بهاء الدين يوسف -نائب رئيس تحرير الأهرام- أكد لنا أن الأزمة بدأت بالفعل من موسم كورونا. ولولا إصرار الأهلي ثم باقي الأندية وراءه على استكمال الموسم ليحرز اللقب لما دخلنا في هذا النفق المظلم. لافتا إلى أن تأجيلات الأحمر الكثيرة بعد ذلك لمشاركته ببطولة أفريقيا أبطال الدوري أسهمت بعد ذلك في تفاقم الأزمة. فزادت من التأجيلات ما أضر بالموسم وأطالته كثيرًا ثم الذي يليه وهكذا وصولاً إلى قمة الأزمة حاليًا.
وأضاف أن الأندية رفضت لعب الدوري من مجموعتين بالموسم الجديد. ورفضت كذلك حلولا أخرى لتفادي الأزمة. خاصة مع وجود كأس عالم في نوفمبر وديسمبر. وستتوقف المسابقة كذلك. وبالتالي سيطول الموسم المقبل أيضًا ونظل في تلك الحلقة المفرغة. وهو الأمر الذي سنظل نعاني منه فترة من الزمن وسيضر بالكرة المصرية والمنتخب في المقام الأول.
تأثير الأزمة اقتصاديا وتسويقيا على المنتج المحلي
بلا شك سيحدث هذا التلاحم وتلك الأزمة الطاحنة تأثيرًا اقتصاديًا وتسويقيًا على الأندية والدوري المصري كمنتج محلي. فلن يرغب المعلنون في شرائه وتسويقه وأخذ حقوقه. لأنه غير منتظم بالمرة ولا يوجد به نظام ويطول حتى نهاية أغسطس/آب. ويعاني من تراجع المستوى لإرهاق نجومه وأكبر أندية به كالأهلي والزمالك وبيراميدز. بسبب إنهاك لاعبيها جراء هذا التلاحم. وبالتالي يفقد استثمارات وصفقات وعقود رعاية وتسويق كانت ستأتي حال انتظامه وتألق أنديته ولاعبيه مثلما الحال مع دوريات الخليج.
الناقد الرياضي شريف عبد القادر -مدير تحرير جريدة الجمهورية ومراسل وكالة الأنباء الفرنسية يؤكد لموقع “مصر 360” على أن هذا التلاحم يمثل أزمة حقيقية في كرة القدم المصرية حاليًا. وبلا شك تضر كثيرًا به تسويقيًا. فليس هناك من سيرغب في دفع أموال بمنتج غير منتظم ومتهالك.
قبل دخول الموسم الجديد
ويرى أنه لا بد من الوصول إلى حل سريع وقاطع لإنهاء تلك الأزمة قبل دخول موسم جديد يشهد تكرار أخطاء الموسم الحالي ذاتها. لافتا إلى أن الأمر خطأ الجميع: اتحاد كرة وأندية.
الكابتن ضياء السيد -مدرب عام منتخب مصر السابق مع البرتغالي كارلوس كيروش- أكد أيضا لموقع “مصر 360” أن هذا التلاحم أضر بموسم الانتقالات المصري هذا الصيف. حيث شهدنا نجوما ترحل عن أنديتها لانتهاء عقودهم بنهاية يونيو/حزيران الماضي. مثل أشرف بن شرقي وطارق حامد ومحمد أبو جبل بالزمالك.
وقد أخّر النجم المغربي رحيله عن القلعة البيضاء ليشارك معهم بنهائي كأس مصر أمام الأهلي. وكان أحد نجوم المباراة. وضحى بأمور كثيرة ليبقى هذه المدة الإضافية حبًا في الفريق الأبيض وجماهيره.
وأضاف أن سوق الانتقالات الصيفية في مصر باتت ضعيفة إلى حد كبير منذ امتداد المواسم لنهاية أغسطس. فكيف يفتح القيد في مصر بشكل مختلف عن كل العالم نتيجة هذا التلاحم والتطويل بالمواسم؟ وبالتالي فقد جانبا تسويقيا بالإضافة إلى أغلب إثارته لامتداد الموسم بشكل غير طبيعي.
كرة القدم المصرية.. موسم جديد من الإرهاق
بالطبع في هذه الحالة المستعصية لابد من حلول جذرية لإنقاذ كرة القدم المصرية المستعصية من الموت البطيء.
فهناك حديث عن إلغاء الدوري الآن ليأخذ الجميع فترة راحة جيدة ويقومون بإعداد مناسب ويبدأ الموسم الجديد في موعده الطبيعي لينتهي في شهر يونيو/حزيران كبقية العالم من الموسم المقب.
وهذا الحل قوبل بالرفض من قبل أندية الدوري في اجتماعها مع رابطة الأندية واتحاد الكرة.
وهناك حلول أخرى لإنهاء الأزمة. إذ قال الكابتن محمد يوسف -بطل دوري أبطال أفريقيا مع الأهلي عام 2013 كمدير فني- إن الحل يتمثل في ضغط الدوري الجديد. ووضع جدول زمني اضح وجيد للمباريات ليكون لديه “أي اتحاد الكرة” من القوة الكافية لتنفيذها بصرامة على كل الأندية. وحتى التي تشارك في بطولات أفريقيا. فالجميع يسافر بطائرات خاصة والأمور ميسرة. ويحدد له أيام معينة لعودته واستكمال مباريات الدوري حتى لا تحدث تأجيلات إضافية وينتهي في وقته المحدد -يونيو/حزيران القادم.
إلغاء المؤجلات لخدمة كرة القدم المصرية
وأضاف “يوسف”: “نلغي التأجيلات للمباريات التي لا تستحق التأجيل. مثلما حدث كثيرًا بالموسم الحالي. ما أدى لتفاقم الأزمة وتطويل الموسم. فقد كان هناك فترات طويلة 10 أيام وأكثر توقف الدوري بها. وكان لا يوجد بها ارتباطات دولية للمنتخب أو أفريقية للأندية وهو أمر غير مفهوم”. لافتا إلى ضرورة أن يكون الاتحاد والرابطة أقوى من الأندية.
وقال بهاء الدين يوسف: “يمكن أن نلجأ لدوري مجموعتين أو من دور واحد يبدأ بعد كأس العالم وينتهي مع شهر يونيو/حزيران المقبل مثل باقي العالم. ونبدأ من جديد بعدها الدوري في وقته ونجاري دوريات المنطقة وأوروبا في النظام الحالي ولا يحدث شيء من هذا التلاحم ثانية”.
وأكد أن النادي الأهلي يعد صاحب النصيب الأكبر في الأزمة الحالية لتلاحم المواسم. كونه المستفيد الأول وأكثر نادٍ تم تأجيل مباريات له لمشاركاته في بطولة أفريقيا وكأس العالم للأندية في المواسم الأخيرة. وأن الكل والدوري المصري عامة دفع ضريبة تأجيلات الأهلي وتسبب ذلك في أزمة تلاحم المواسم الحالية. والتي يشتكي منها الأحمر نفسه بعد إرهاق لاعبيه وإصاباتهم العديدة ووضعه الصعب بالدوري.
الموسم المقبل ودوري المجموعتين
ويرى ضياء السيد ضرورة تطبيق دوري المجموعتين بالموسم الجديد بعد أخذ اللاعبين فترة إجازة 3 أسابيع على الأقل أو شهر. ثم تبدأ فترة إعداد جيدة -أسبوعين على الأقل أو 3 أسابيع- ثم يبدأ الدوري من مجموعتين منتصف أكتوبر أو بنهايته. على أن ينتهي الدوري في مايو أو يونيو المقبل. ثم يبدأ الموسم الذي يليه بالنظام العادي وبجدول معلن مسبقًا ومثل باقي العالم دون تأجيلات أو مجاملات وبانضباط شديد وقوة من الرابطة والاتحاد حتى لا تتكرر هذه الأزمة ثانية.
وأكمل أن الأندية السبب في ذلك بموافقتها السابقة على التلاحم واستكمال الدوري وعدم إلغائه لرغبتها في جني الأموال من حقوق البث والتسويق والشركة الراعية. فيما رفضت الأندية دوري المجموعتين بالموسم الجديد للسبب نفسه لأن المباريات ستقل وبالتالي نسبتها من البث ستقل.
ورأى ضرورة تغليب المصلحة العامة على مصالح الأندية للارتقاء بكرة القدم المصرية. وتطبيق دوري المجموعتين رغمًا عن الأندية لتعديل مسار الدوري. حتى ينعكس ذلك إيجابًا على المنتخب الذي يلعب من أجله الدوري وتخدمه الأندية في الأساس.
أما شريف عبد القادر فيؤكد حل دوري المجموعتين أو دوري من دور واحد يتنافس الثمانية الأوائل به على المربع الذهبي والثمانية الأواخر على تجنب الهبوط،
على أن يبدأ الموسم الجديد في موعده بعد أخذ كل الفرق واللاعبين راحة كافية لتجنب الإصابة والإرهاق.