في ضوء الأحداث العالمية المعقدة، حاول ثلاثة من الباحثين الأمريكيين الإجابة على سؤال: كيف يرى الأمريكيون دورهم في العالم حاليًا؟ مستعرضين سياسة بلادهم الخارجية في ظل المستجدات الخارجية الأهم، على ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا، وزيادة التوترات في مضيق تايوان، وتطور أشكال الحرب بما في ذلك الصراع السيبراني، وقضايا القوة الناعمة مثل تغير المناخ.

وفي تقرير نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” – تصدر كل شهرين وتتناول العلاقات الدولية – اتفق “تيموثي إس. ريتش” و”مادلين أينهورن” و”سيدني ويندهورست” على أنه يمكن رسم العديد من الفروق في السياسة الخارجية الأمريكية بين إدارتي ترامب وبايدن. تلك التي تعكس هذا التوتر في التركيز على الشؤون المحلية مقابل الشؤون الدولية.

فقد دعا الرئيس دونالد ترامب إلى سياسة “أمريكا أولًا”. تلك التي اقترحت إعادة التوجيه للقضايا المحلية والتركيز بشكل أقل على الصعيد العالمي. الأمر الذي أدى إلى إزالة الولايات المتحدة من اتفاقيات باريس للمناخ. وكذا انهيار الاتفاق النووي الإيراني. فضلًا عن الانسحاب من الشراكة عبر المحيط الهادئ. ذلك في مقابل، إدارة بايدن التي وسعت انخراط الولايات المتحدة في الشؤون الدولية، مع سحب القوات من أفغانستان.

وفق الباحثين الثلاثة، فإن إدارة ترامب اتبعت نهجًا جديدًا في مجالات مثل تغير المناخ والهجرة عبر نهجها “أمريكا أولاً”. ومع ذلك، فإن بعض سياساتها لا تتماشى مع آراء الأمريكيين حتى داخل حزبهم.

الأمريكيون: “أمريكا أولًا” وكذلك قوتنا الخارجية

يثبت ذلك استطلاع أجراه مجلس “شيكاغو للشؤون العالمية” في عام 2017، ذكر أن 24% من مؤيدي ترامب الأساسيين، و23% من الجمهوريين لترامب، و53% من الجمهوريين من غير ترامب يعتقدون أن أمريكا يجب أن تشارك في اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ.

وجد الاستطلاع نفسه أن 66% من الديمقراطيين، و60% من المستقلين، و65% من الجمهوريين يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تلعب دورًا نشطًا في الشؤون العالمية. لكن 49% فقط من المستجيبين فكروا في الحفاظ على التحالفات القائمة كأداة فعالة في الحفاظ على أهداف السياسة الخارجية.

عبر الأطراف أيضًا عن اعتقادهم أن الولايات المتحدة تمتلك نفوذًا عالميًا أكبر من الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي. وبالتالي، من الواضح جدًا أن الأمريكيين يعتقدون أن الولايات المتحدة قادرة على التأثير في الشؤون الدولية حتى لو اختلفوا حول كيفية استخدام هذه القوة.

علاوة على ذلك، وجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة الأمم المتحدة وحملة عالم أفضل للأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين سبعة عشر وخمسة وثلاثين عامًا عام 2018، أن الأغلبية بين الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين يؤمنون بما أطلقوا عليه “أمريكا أولًا ولكن ليس وحدها”.

“أمريكا وحدها”

يقول الباحثون الثلاثة إنه مع استمرار رد فعل العالم على الغزو الروسي لأوكرانيا، تسعى أمريكا إلى حماية “النظام الدولي القائم على القواعد”. إلا أن المعضلة الآن تكمن في أن ليس كل الدول تشارك واشنطن هذا الشعور. إذ قررت الهند والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا ودول أخرى التركيز على سياساتهم المحلية بدلًا من اتخاذ مواقف صريحة تجاه الغزو. ذلك على الرغم من حث الولايات المتحدة على المشاركة.

لقد تجلى شعار “أمريكا أولًا” في بلدان أخرى قررت الاهتمام بالداخل على حساب الانحياز لمواقف خارجية ثابتة. بما في ذلك البرازيل. حيث دعا الرئيس جايير بولسونارو إلى “جعل البرازيل عظيمة مرة أخرى”.

الجمهوريون لا يزالون يؤمنون بـ”أمريكا أولًا”

ولتحديد ما يشعر به الأمريكيون حيال مشاركة الولايات المتحدة في قضايا الشؤون الخارجية، أجرت مجلة “ناشيونال إنترست” استطلاعًا على شبكة الإنترنت في الولايات المتحدة في الفترة من 29 يونيو إلى 11 يوليو عبر Qualtrics مع أخذ عينات من الحصص حسب العمر والجنس والمنطقة الجغرافية.

اقرأ أيضًا: بعد الانسحاب المهين من أفغانستان.. “أمريكا أولا” ليس شعارا يرفعه ترامب واليمين الأمريكي فقط

استطلعت المجلة آراء 1728 أمريكيًا حول السؤال: أي مما يلي يصف وجهة نظرك حول دور الولايات المتحدة في الشؤون الخارجية على أفضل نحو؟ (1) يجب أن نولي اهتمامًا أقل للمشاكل في الخارج والتركيز على المشكلات في الداخل. (2) من الأفضل لمستقبل بلدنا أن يكون نشطًا في الشؤون الخارجية.

وقد أيد 55.44% من المستطلعة آرائهم اهتمامًا أقل بالمشكلات في الخارج والمزيد من الاهتمام في الشؤون الداخلية. بينما أعرب 44.56% عن رغبتهم في القيام بدور نشط في العالم.

وفق الاستطلاع، رأى الديمقراطيون أن النشاط في الشؤون الخارجية أكثر تفضيلًا (56.29%). وعلى العكس من ذلك، كان الجمهوريون أكثر ميلًا للدفاع عن التركيز على المشاكل الداخلية (67.34%).

هنا يقول الباحثون الثلاثة إنه من غير المستغرب أن يكون المستقلون في مكان ما في الوسط. حيث اختار 59.69% تركيزًا محليًا.

لا يزال الجمهوريون ينجذبون إلى شعار ترامب المتمثل في “أمريكا أولاً”. بينما ينظر الديمقراطيون إلى أحداث مثل الغزو الروسي لأوكرانيا وتغير المناخ كأسباب لاستمرار المشاركة الأمريكية العالمية.

فمن الناحية التجريبية، كان الجمهوريون أقل دعمًا للالتزامات الدولية. حيث وجدت بيانات الرأي العام السابقة أن الجمهوريين أقل دعمًا للمساعدات الخارجية وغير مهتمين بإعادة توطين اللاجئين الأفغان بسبب المخاوف الأمنية.

بين الاهتمام بالخارج والتركيز على الداخل

أيضًا أثبتت الاستطلاعات أن النساء كن الأكثر رغبة في التركيز على المشاكل الداخلية لأمريكا. بينما يتوافق العمر والدخل بشكل إيجابي مع اختيار المشاركة في الشؤون الخارجية.

من المسلم به أن المجيبين قد يقيّمون التركيز على المشاكل في الداخل والتركيز على الشؤون الخارجية بشكل مختلف تمامًا. ويفرض السؤال قرارًا يعتقد بعض المستجيبين أنه يمكن للمرء أن يعالج المخاوف على كلا الجبهتين. على سبيل المثال، قد ينظر بعض المستجيبين إلى مشاركة الولايات المتحدة في الشؤون الخارجية في المقام الأول من حيث المشاركة العسكرية، التي توترت بسبب تصرفات أمريكا في العراق وأفغانستان، أو المساعدات الدولية، التي بالغت تاريخيًا في تقديرها.

بينما ينظر آخرون إلى ذلك من منظور المشاركة الدبلوماسية للرد على ذلك.

ويتراوح الاهتمام بالعمل الجماعي من تغير المناخ إلى الأوبئة. يقول الباحثون الثلاثة إنه من المحتمل أن تكون المخاوف المحلية أكثر واقعية في أذهان المستجيبين في مقابل العديد من التحديات في الخارج. ذلك لأن المشاكل الداخلية، ولا سيما القضايا البارزة بما في ذلك السيطرة على الأسلحة وقرارات المحكمة العليا المثيرة للجدل، تؤثر بشكل مباشر على الأمريكيين على المدى القصير أكثر من الشؤون الخارجية المجردة.

ويتوصل التقرير إلى أنه بينما يمكن للمرء أن يفهم النداء للتركيز على المشاكل في الداخل، فإن هذا يتعارض أيضًا مع الرواية القديمة لأمريكا باعتبارها “زعيمة العالم الحر”. إذ قد يؤدي عدم المشاركة في الشؤون الخارجية إلى تفاقم تراجع الهيمنة الأمريكية. وبدلًا من النظر إلى الاثنين على أنهما مجالان متميزان. فقد يكون من المفيد التفكير في التطبيقات غير التقليدية لنفوذ أمريكا الدولي، وكيف يمكن لحل المشكلات المحلية أن يساعد النفوذ الأمريكي في الخارج.


تيموثي إس. ريتش
تيموثي إس. ريتش

أستاذ العلوم السياسية في جامعة كنتاكي الغربية ومدير مختبر الرأي العام الدولي (IPOL). حصل على درجة الدكتوراة من جامعة إنديانا في عام 2012. وينصب تركيزه البحثي الأساسي على السياسات المحلية والدولية لشرق آسيا، مع اهتمامات أوسع بالرأي العام والسياسة الانتخابية في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وأفريقيا.

 

 

مادلين أينهورن
مادلين أينهورن

 

خريجة ولاية كنتاكي الغربية وطالبة ماجستير في كلية لندن للاقتصاد تدرس علوم البيانات الجغرافية.

 

 

 

سيدني ويندهورست
سيدني ويندهورست

باحثة جامعية مع مرتبة الشرف في جامعة ويسترن كنتاكي متخصص في الشؤون الدولية والصحافة.