أصدر وزير الإسكان صباح الأحد 17 يوليو/تموز الجاري، قرارًا بفرض رسم دخول لـ”ممشى أهل مصر” السفلي بقيمة 20 جنيهًا للفرد. ما يعني أنه إذا أرادت أسرة مصرية مكونة من 5 أفراد الدخول للمشى دفع 100 جنيه. بالإضافة إلى ذلك، يخلو الممشى من أي محال تقدم سلع أو خدمات بأسعار منخفضة أو متوسطة، فتكون الأسرة مجبرة في النهاية على دخول مطاعم وكافيهات لا تناسب إلا أصحاب الدخول الكبيرة. الأمر الذي دفع البعض لوصف الأمر قائلين: “ممشى أهل مصر مبقاش لأهل مصر”. في إشارة إلى غالبية المصريين من متوسطي ومحدودي الدخل.
ما هو ممشى أهل مصر؟
مشروع “ممشى أهل مصر” بدأ تنفيذه في سبتمبر/أيلول 2019، ويبلغ متوسط عرض الممشى العلوي 4.5 متر، بينما يبلغ متوسط عرض الممشى السفلي 6.5 متر. ويضم المشروع 19 مبنى، منها 5 مطاعم، و5 كافتيريات، و62 محلًا تجاريًّا، و3 جراجات بسعة إجمالية 180 سيارة. كما يضم 3 مدرجات بإجمالي أطوال 315 مترًا تتسع إلى 1240 فردًا. بالإضافة إلى مسرح بمساحة 275 م2 يتسع إلى 772 فردًا. كما أنه يمتد من كوبري إمبابة وحتى كوبري 15 مايو.
الحكومة قالت وقت تنفيذ الممشى إنه يأتي ضمن خطة حماية نهر النيل، والسيطرة على التعديات ومنع وصول المخلفات إلى مجرى المياه. ومن أهم المناطق التي يمر من خلالها المشروع: (إمبابة، شبرا، التحرير، الزمالك، أبراج نايل سيتي، وسور مجرى العيون). ويمكن الوصول من وإلى المشروع من خلال العديد من الكباري النيلية.
ومنذ أن أُعلن افتتاح ممشى أهل مصر للجمهور، أصبح مُتنفسًا لكل الفئات وخاصةً محدودي الدخل، فيتجمع المواطنون للاستمتاع بغروب الشمس على الكورنيش والجلوس على المقاعد التي خصصت للمواطنين.
الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قال خلال افتتاح الممشى، إن الهدف منه في المقام الأول تحسين جودة حياة المواطنين المصريين، من خلال مُتنزه متكامل يكون دخوله بالمجان، لكن يبدو أن الهدف تحول، والفئة المستهدفة من الممشى تغيرت، لأن الأمر لم يعد بالمجان.
جدل وغضب في مواقع التواصل
منصات التواصل الاجتماعي شهدت جدلًا واسعًا عقب فرض رسم دخول الممشى.
“دي خروجة الناس من كل الأعمار والفئات والطبقات، إزاي دخول الفرد يبقى بتمن 2 لتر بنزين!”.. هكذا عبر محمد بصل، مدير تحرير جريدة الشروق عن استيائه في منشور عبر حسابه الشخصي في موقع التواصل “فيسبوك”.
بصل أضاف: “يمكن تحقيق مكسب طبيعيا ممن يستأجرون الكافيهات والمطاعم.. تبرير سعر التذكرة بأن الناس يُخربون ولابد من ردعهم استهزاء بعقولنا، وتنصُّل من دور أصيل للجهات الإدارية في صيانة ورعاية المرافق العامة.. كما أن اعتبار الجزء السفلي بمبلغ مالي والعلوي مجانًا دليل على الخروج عن المنطق وطبائع الأشياء مع استسهال تحصيل أي مبلغ”.
من ناحية أخرى، يقول عامل في أحد مطاعم الجزء السفلي، إن عدد المواطنين انخفض كثيرًا بعد فرض ثمن التذكرة الجديد: “لو الزيادة كانت معقولة مكانتش هتحدث هذه الطفرة في أعداد الناس قبل العيد وبعده، فإذا حسبناها بالعقل والمنطق.. لا يمكن لأسرة متوسطة أو محدودة الدخل وهي مكونة من أربعة أفراد من دفع 80 جنيهًا لمجرد المشي فقط،.غير أن الفرد الواحد إذا تناول مشروب بالمكان سيدفع قرابة 100 جنيه غير المأكولات والأشياء الأساسية. ومدير المطعم سيتحدث إلى إدارة الممشى في هذا الأمر؛ لأن التأثير علينا جميعًا، وإذا استمر الوضع في هذا التردي سأترك عملي فورًا”.
“كانت من أجمل خروجاتي وآخر مرة رحت هناك مكنتش مبسوطة، ومستاءة جدًّا لما لاقيتهم بيمشوا الناس من على الكوبري ومفضيينه خالص.. إيه سبب كل ده؟ وهل الشعب المصري لا يستحق المتعة وتخفيف مصاعب الحياة من عليه؟!”. هكذا علقت خلود عبدالحافظ، إحدى مرتادي الممشى لـ”مصر 360″.
ويضيف على كلامها حسام العدل، من مرتادي الممشى سابقًا: “ليه من أصله أفرض رسوم على ممشى على كورنيش النيل؟! ياريت نطور من الناس ونفهمهم كيف يحافظوا على بلدهم وعلى الممتلكات العامة.. وممكن نفرض غرامة على من يقوم بتخريب أي شيء، وأن يكون هناك كاميرات مراقبة تلتقط أي شخص يقوم بتخريب أي شيء.. أتمنى مراجعة هذا القرار فعلًا”.
أول دعوى قضائية
المحامي حسين يسري، من ناحية أقام دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، للمطالبة بإلغاء قرار وزارة الإسكان، بفرض رسوم الـ 20 جنيهًا. يسري أوضح لـ”مصر 360″ في السطور التالية كواليس الدعوى.
“المشروع كلّف ميزانية الدولة ما يقرب من 750 مليون جنيه وأيضًا مليوني جنيه شهريًّا للصيانة والتشغيل.. كل الكلام ده يتم سداده من إيجارات الكافيهات والمطاعم ومراسي المراكب.. وسيغطي التكاليف الشهرية للصيانة والتشغيل دون أن تُكبد ميزانية الدولة أي تكاليف، بالإضافة للإعلانات المُعلقة على الممشى”.. يقول يسري.
كما طالب بوقف تنفيذ قرار وزير الإسكان، والمعتمد إصداره من رئاسة الوزراء، الخاص بفرض رسم دخول لممشى أهل مصر، مع ما يترتب على ذلك من آثار مع الأمر بتنفيذ الحكم بمسودته بدون إعلان، وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات والأتعاب: “تحركت لأن القرار مخالف لنص صريح من الدستور، ولوجوب أن تتم جميع تصرفات السلطات العامة في إطار القواعد الدستورية والقانونية”.
وعن أي مادة من الدستور استند إليها، فيقول: “استندت إلى المادة رقم (44) من الدستور المصري التي تنص على أن الدولة تلتزم بحماية نهر النيل، وموارد المياه، وشواطئها.. والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، وترشيد الاستفادة منه وتعظيمها، وممراتها المائية وعدم إهدار مياهها أو تلويثها، واتخاذ الوسائل الكفيلة بتحقيق الأمن المائي ودعم البحث العلمي في هذا المجال”.
“أهم شيء في تلك المادة هو أن هناك حق كل مواطن في التمتع بنهر النيل مكفول، وتكفل الدولة إزالة ما يقع عليه من تعديات؛ لذا فيجب مراجعة القرار فورًا”.. يضيف يسري.
تحرك برلمان.. بيانات وطلبات إحاطة
“من إمتى المشي على النيل بقى بفلوس؟ الناس فرحت بممشى أهل مصر وبعدين يقال لهم المشي بعشرين جنيه”.. هكذا علق الإعلامي والبرلماني مصطفى بكري على الأمر بتغريدة عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.
وتابع: “أرجو من رئيس الحكومة أن يتدخل لإلغاء القرار، ده نيل الشعب المصري ومن حق الناس إنها تتمتع بلحظات من حياتها، تفك عن نفسها وتشوف نيل بلدها لأنها مخنوقة في البيوت، هذا مُتنفس للناس ولا يصح أن تُفرض عليه رسوم مالية”.
وتقدم النائب محمد سعد الصمودي، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة، إلى المستشار حنفي جبالي رئيس مجلس النواب، موجه إلى رئيس الوزراء، ووزير الإسكان، للسبب نفسه: “الممشى يعد نقلة حضارية للواجهة النيلية، ويهدف إلى زيادة نصيب الفرد من المسطحات الخضراء ومساحات التنزه، وهو من المشروعات الطموحة التي من شأنها أن تغير وجه القاهرة وتحديدًا المناطق المُطلة على النيل. فمن حق المصريين الاستمتاع ببلدهم وبهذا المتنزه، الذي تم تدشينه من ضرائبهم”. وقد طلب النائب عدم تأجيل مناقشة موضوع الإحاطة هذا حتى عودة البرلمان للانعقاد خلال دور الانعقاد الثالث.
“السياسات لا تراعي الحد الأدنى للمواطنين”
“استبشرنا خيرًا أثناء عمل هذا الممشى الجميل وإزالة التعديات على النيل، وقلنا إن النيل سوف يعود أخيرًا للمصريين جميعًا بمختلف طبقاتهم، لكننا فوجئنا بفرض تذاكر لاستخدام الممشى الذي صار اسمًا ليس على مسمى، فمن هؤلاء الذين يستطيعون دفع تذكرة لممشى قيمتها 20 جنيهًا أي أن أسرة مكونة من 5 أفراد مطلوب أن تدفع 100 جنيه للمشي فقط؟”. هكذا علقت النائبة في البرلمان المصري مها عبد الناصر.
وقالت في تعليق لها كتبته على صفحتها الشخصية: “نرى أن سياسات الحكومة الحالية لا تُراعي الحد الأدنى المطلوب للمواطنين”. كما طالبت بإلغاء هذه التذاكر فورًا وإتاحة ممشى أهل مصر لكل المصريين مجانًا؛ لأن هذا هو أبسط حقوقهم.
فيما جاء تأكيد الدكتور أيمن محسب، عضو مجلس النواب، أن ممشى أهل مصر على كورنيش النيل، هو أحد المشروعات الحضارية والتي تهدف إلى تغيير وجه القاهرة المطلة على النيل، وتحسين جودة حياة المواطنين. مطالبًا بإعادة النظر في القرار، وإتاحته للمواطنين بالمجان، مقترحًا فرض غرامات على من يعبث في المرفق أو يشوهه من الجمهور.
كذلك اقترح النائب عبد الفتاح يحيى عضو مجلس النواب تخفيض قيمة الرسوم لدخول ممشى أهل مصر إلى جنيه واحد بدلاً من 20 جنيهًا المفروضة حاليًا؛ لأنه أصبح من الضروري أن يؤخذ في الاعتبار وجود مساحات ومناطق مفتوحة بالمدن ترتبط جميعها من خلال منظومة متكاملة من شبكة المناطق المفتوحة لتلبية احتياجات السكان المتعددة.
“إن الدستور نص على أن من حق كل مواطن التمتع بنهر النيل وهذا حق مكفول له، إلا أن فرض رسوم على استخدام هذا الحق هو إهدار للنص الدستوري”. هذا ما قالته إيناس عبد الحليم، عضو مجلس النواب، في طلبها الذي قدمته إلى رئيس البرلمان.
رؤية النيل حق دستوري
دستور 2014 نص في مادته الـ(44) على أن: “تلتزم الدولة بحماية نهر النيل، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به.. وحق كل مواطن في التمتع بنهر النيل مكفول، ويحظر التعدي أو الإضرار بالبيئة النهرية. وتكفل الدولة إزالة ما يقع عليه من تعديات”.. ما دفع المحامي الحقوقي خالد علي لإقامة دعوى قضائية لإلغاء تلك الرسوم.
وأقام “علي” الدعوى القضائية يوم 21 يوليو/ تموز موكلًا عن إحدى السيدات المصريات، أمام مجلس الدولة ضد رئيس الوزراء ووزير الإسكان ومحافظ القاهرة ورئيس هيئة المجتمعات العمرانية. وقد طالبت الدعوى بإلغاء الرسوم التي فُرضت على ممشى أهل مصر.
وذكر في صحيفة الدعوى القضائية أن اختيار اسم “ممشى أهل مصر” لم يأت من قبيل الصدفة. بل ليعبر عن جوهره، وهو أن هذا الممشى سيكون لكل المصريين من جميع فئاتهم سواء في مستواه العلوي أو السفلي، وأنه سيكون تجسيد حي لكفالة حق تمتّع الجميع بالنهر. خاصةً أن المصريين استقبلوا هذا المشروع منذ أن كان مجرد فكرة بحفاوة وترحاب، باعتباره سيمثل نقلة حضارية نوعية للنهر، وسيغير وجه القاهرة، وسيصبح إحدى أبرز المناطق الجمالية فيها.
وأضاف علي: لم يغضب المصريون من حجم المليارات التي أُنفقت من أموالهم على هذا الممشى، باعتباره سيكون نفعًا عامًا للجميع، ولن يتم خصخصته أو وضع رسوم تحول دون تمتع كل فئات المصريين به. خاصةً لتضمنه محاور استثمارية عديدة كفيلة بالإنفاق على الصيانة والأمن وكافة أعمال التطوير المستقبلية، شأن إيجارات المطاعم العائمة والكافيهات ومرسى اليخوت والمسارح المكشوفة للحفلات الغنائية والجراجات. وجميعها أنشئت على أسس استثمارية، ولم تكن هناك أي ضرورة تستدعي فرض أي رسوم على مجرد دخول الممشى في أي من مستوياته.
وزارة الإسكان ترد
وفي أول تعليق من وزارة الإسكان، قال المهندس عمرو خطاب، المتحدث باسم وزارة الإسكان، إن الجزء السطحي من ممشى أهل مصر مجاني وسيظل مجاني. لكن التذكرة الجديدة فُرضت فقط على الجزء السفلي وشاملة كل الخدمات والباركينج. ذلك لاحتوائها على مشروعات استثمارية ومطاعم.
وتزعم الحكومة حدوث تعديات وإشغالات عشوائية وسلوك غير حضاري خلال الإجازات. وتشتكي عمليات تخريب وتكسير لأعمدة شهدها الممشى في إجازة عيد الفطر الماضي. كما تقول إن تطبيق تذكرة الـ 20 جنيهًا، جاء للحفاظ على الممشى وتخصيص موارد صيانة له.
أما عن القيمة الاقتصادية للممشى، فيقول المتحدث باسم وزارة الإسكان إن الممشى يستهدف زيادة أماكن الجذب السياحي النهري، وتحقيق مكاسب للدولة. ذلك من خلال تنشيط السياحة المائية عبر الاستفادة من موقع مصر المُطل على نهر النيل.
المساحات العامة ليست رفاهية
يظهر التباين واضحًا أمامنا عامًا بعد آخر بين عدد السكان، ونصيب كل فرد من سكان القاهرة من الحدائق العامة. فضلًا عن الحالة الحرجة الحالية المتمثلة في انخفاض التواجد وضعف توزيع تلك المساحات على المدينة. فإذا ما قسمنا مُجمل المساحة الخضراء العامة، والذي يتجاوز المليوني مترًا مربعًا، على عدد سكان محافظة القاهرة، نجد أن نصيب كل شخص يبلغ 25 سنتيمترًا، أي ربع متر مربع. ما يعني أن كل أسرة مكونة من أربعة أفراد، تُخصص لها الدولة مترًا واحدًا للتنزه، وهي مساحة لا تكفي للوقوف.
وتعتبر المساحات الخضراء عاملاً مهمًا في تحسين جودة الحياة الحضرية. وتعمل العديد من المدن الآن على الحفاظ على مساحاتها الخضراء وزيادتها كجزء من خطط التنمية المستدامة الخاصة بها.
وتؤكد العديد من الدراسات أن التوازن المكاني يحقق الكثير من الأرباح للاستدامة الاجتماعية والحضرية والإقليمية والتوزيع الرشيد للرفاهية العامة، وتخصيص التوازن المكاني هو نهج فعال لتحقيق أقصى قدر من الرفاهية الاجتماعية. وبات الوقوف على مستوى كفاءة وكفاية التوزيع المكاني للمناطق الخضراء أحد أهم روافد التخطيط الحضري المعاصر.
ضرورة المساحات الخضراء
وتوصي منظمة الصحة العالمية بالوصول الشامل إلى المساحات الخضراء: يجب أن تكون هناك مساحة خضراء بمسافة 0.5 هكتار، أي 5,000 متر مربع على الأقل، على مسافة خطية لا تزيد عن 300 متر من كل منزل.
وترتبط المساحات الخضراء بعدد كبير من الفوائد الصحية. بما في ذلك انخفاض معدل الوفيات المبكرة، وطول متوسط العمر المتوقع. بالإضافة إلى انخفاض مشكلات الصحة العقلية، وتقليل أمراض القلب والأوعية الدموية. وأيضًا تحسين الأداء الإدراكي لدى الأطفال وكبار السن، وصحة الأطفال. كما أنها تساعد في التخفيف من تلوث الهواء ومستويات الحرارة والضوضاء، وتوفر فرصًا لممارسة الرياضة البدنية والتفاعل الاجتماعي.
وأظهرت الدراسات، أن الأطفال الذين ذهبوا إلى مدرسة بها مساحات خضراء أكثر كان لديهم أداء إدراكي أفضل بكثير من أولئك الذين ذهبوا إلى مدرسة ذات مساحات خضراء أقل. بينما وجدت دراسة أخرى أن تعرض الطفولة المبكرة للمساحات الخضراء يؤدي إلى عدد أقل من مشاكل الصحة العقلية في حياة الكبار.