إذا كنت تكوّن وجهة نظرك عن المجتمع من خلال قراءة صفحات الحوادث، فسوف تشعر أن كل الناس مجرمين، ولو كوّنت وجهة نظرك عن الزواج من خلال متابعة صفحات المشكلات الزوجية فستشعر أن الأسرة، أي أسرة، هي كابوس مقيم أو استثمار فاشل.

اقرأ أيضًا.. ضد الاستعلاء.. خطوة مختصرة نحو إسلام معاصر؟

لكن واقع الأمر أن أغلب الناس ليسوا مجرمين، وليسوا ضحايا أيضا، كما أن الزيجات التي تستمر بسلام، أو حتى تلك التي تنتهي بإحسان، هي أكثر كثيرا من تلك التي تفجّرها الفضائح وصراعات المحاكم، وخير للمرء على كل حال أن يسعى دوما إلى عيش تجربته الخاصة، من دون أن يشلّه الخوف من تجارب الآخرين.

ورغم ما سبق، فإن ازدياد تداول مشكلة ما، إلى حد تحوّلها إلى ما يسمى الآن “تريند“، هو مؤشر إلى ضرورة متابعتها، والتأمل فيها، وبحث أسبابها واقتراح الحلول، والجدل الذي ثار مؤخرا في وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص “قائمة المنقولات الزوجية” هو مؤشر مهم، وليس أدل على أهميته من أنه اشتعل لمجرد “بوست” ساخر تخيّل صاحبه “إلغاء القايمة”، فاندلعت النقاشات اندلاع النار في القش، وتدخلت فيها دار الإفتاء ذاتها. مما يشير إلى ضرورة عدم الاستخفاف بأمر يمس مؤسسة الأسرة، التي لا زالت، خصوصا في مجتمعنا، المؤسسة الاجتماعية الأساسية، والأكثر تأثيرًا.

القايمة

وبالطبع فإن إلغاء “قائمة المنقولات” ليس مجرد شائعة وحسب، بل إنها غير قابلة للإلغاء، لأنها لا تنتمي إلى قوانين الأسرة من الأصل، وإنما هي جزء من القوانين المنظمة للشيكات وإيصالات الأمانة، و”تبديد القائمة” هو جريمة “خيانة أمانة” وتنطبق عليها العقوبات المنظمة لها، ومن ثم فإن الإبقاء على العقوبة أو إلغائها ليس له علاقة بمسألة الأسرة، وإنما الأسر هي التي استحضرت “القائمة” من عالم الجرائم المالية.

ومن حيث المبدأ، لو أننا تراجعنا خطوات للوراء وحاولنا أن ننظر إلى المسألة بحياد، كأننا من عالم آخر أو ثقافة أخرى، فإن بدء إنسان لحياته الجديدة تحت طائلة حبسه في أي وقت (بمجرد تقديم القائمة للسلطات المختصة) هو بلاشك أمر أقل ما يقال فيه إنه “مسموم”. إنه في حد ذاته مثار لقلق لابد أن يجد طرقا ليتسرب إليها، فينعكس في أفعال أخرى أو في عنف، أو في مجرد تفكير – ولو في خلفية الوعي- في اللحظة التي يستطيع المرء (الموقّع على القائمة) أن ينعتق فيها، قد تكون لحظة الانعتاق تلك هي أن يدخر أو يكسب ما يساوي قيمة المنقولات، فيصبح غير مهدد بالحبس، أو تكون تلك اللحظة هي قدرته – بصورة أو بأخرى – على مضايقة زوجته حتى تتخلى عن كل “حقوقها”.

بالطبع فإن للطرف الآخر (أنظر إلى اللغة التي تتخذ فورا ألفاظ الصراع) أسبابه ومخاوفه، فالمرأة، التي ستجد نفسها بعد عامين أو ثلاثة ترعى طفلا أو اثنين، محاطة بأثاث متهالك، منهكة بتصاريف المعيشة، تريد أن توفر أكبر قدر من الحماية الذاتية، في ظل قانون يسمح للزوج أن يذهب للزواج من أخرى ويترك الأولى “معلقة”، أو أن يبدد المنقولات فعلا، فضلا عن احتمالات العنف الزوجي، وغيرها مما يتسامح فيه المجتمع الشرقي مع الذكر.

ثم إننا لا يجب أن نغفل عن حقيقة أن ما يسمى “طلبات المرأة” هو في حقيقة الأمر متطلبات منظومة أبوية ذكورية بالأساس. فالـ “عريس”، أي الرجل، هو الذي يذهب، في الأغلب الأعم، إلى رجل آخر، ليطلب ابنته (أو ابنة أخيه أو ابنة أخته إن غاب الأب).

وبين هذين الرجلين، يشتعل الصراع أو يخمد، وتتم الاتفاقات، وفي معظم الأوقات، تكون الكلفة المالية لتلك الاتفاقات، هي نتاج عمل وجهد هذين الرجلين طوال حياتيهما، الأمر الذي يفسر كلفتها العالية، فالشاب الصغير، أو الفتاة حديثة التخرج، ليس بإمكانهما أن يوفرا بنفسيهما هذه المطالب المالية التي تتخطى مئات آلاف الجنيهات. وبما إن الاتفاقات تتم بين الأبوين، ولا يهم هنا إن كان أحد هذين الأبوين امرأة، فإنها تتم في واقع الأمر بين جيلين سابقين، بين عقليات نشأت قبل تلك الزيجة بعشرات السنين، وهي تفكر وتقرر وفق معايير زمنها، لا زمن العروسين.

وتللك المشكلة الزمنية، وهي واحدة من مشكلات عديدة تتعلق بالزواج في مجتمعنا، كمسألة السن الذي يستقل فيه الشباب عن أهاليهم (والكثيرون لا يستقلون أبدا)، لا يكفي لحلها أو نقاشها هذا المقال ولا مئات المقالات، ولكن من قال إن علينا أن نعيد اختراع العجلة؟ فمن أجل مثل تلك الخلافات الاجتماعية والثقافية والدينية تم تأسيس القوانين المدنية في العالم المتقدم. فقانون مدني بسيط وحاسم، يقسم كل شيء بين الزوجين عند الطلاق، سوف – بلا شك- يريح ويستريح، من القائمة وأخواتها.

* عنوان المقال مستوحى من عنوان رواية جابرييل ماركيز “عن الحب وشياطين أخرى”