فوجئ الشعب المصري بعد افتتاح ممشى أهل مصر، وهو المكان الذي تم تطويره على شاطئ النيل بمحافظة القاهرة من منطقة الساحل، امتدادا إلى ميدان التحرير، ومن المفترض أن يستكمل مسيره حتى كوبري عباس بالمنيل، بقرار من وزارة الإسكان بتسعير دخول للمواطنين قدره 20 جنيها، وبالتالي بات أمر استنشاق الهواء والتمتع بمنظر النيل والتمشية على شاطئه سلعة خاضعة للتسعير.
ورغم كون قطعة الأرض الملاصقة للشاطئ والتي تم استخدامها أو استحداثها كمشروع للمشي، من أملاك الدولة العامة، سواء كانت ملكيتها خاضعة لوزارة الري، بحسب كونها صاحبة الولاية على النيل مشتملا ضفافه وكذلك أرض طرح النهر، أو كانت ملكيته أو تبعيته خاضعة لوزارة التنمية المحلية متمثلة في محافظة القاهرة، إلا أن هذا الخلاف بين الجهتين لا يقلل من قيمة الأرض بوصفها ملكية عامة، وبالتالي هي ملكية خاضعة لجموع الشعب المصري، وليست ضمن أملاك الدولة الخاصة، حتى تكون الدولة صاحبة حق التصرف فيها أو استغلالها.
اقرأ أيضًا.. مجلس النواب ودوره الانعقادي الأخير
وإن كان الأمر من الممكن حسمه عن طريق نص قانون الموارد المائية والري رقم 147 لسنة 2021، والذي عرف أراضي طرح النهر بأنها: الأراضي والجزر التي يحولها النهر من مكانها أو ينكشف عنها سواء وقعت داخل حدي النهر أو خارجهما، كما جسور النيل بأنها: الجسور الحالية لنهر النيل وفرعيه، وهي من الأملاك العامة ذات الصلة بالموارد المائية، وهذا من زاوية الخلاف القانوني حول أي السلطات لها الحق على الممشى، وبالتالي لها الحق في إصدار قرارات متعلقة به.
أما عن حق المصريين أصحاب الأرض أصلا في أن يستمتعوا بالشاطئ أو باستنشاق الهواء، أو التمتع بالمناظر الطبيعية، فأرى أنه حق دستوري، وفقا لما جاء بنص المادة الخمسة والأربعون من الدستور المصري الأخير من قولها إنه: تلتزم الدولة بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية. ويحظر التعدي عليها، أو تلويثها، أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، وحق كل مواطن في التمتع بها مكفول. كما أن ذلك مرتبط بما جاء في المادة التالية من أن لكل مواطن الحق في بيئة صحية سليمة. وهناك العديد من الدساتير العالمية التي تبنت ذلك النهج، وإن كان بعضها يفضل الدستور المصري، فمثلا جاء النص في المادة الواحدة والثلاثين من دستور الإكوادور على أنه يحق كل شخص التمتع بالمدينة وفضاءاتها العامة على أساس مبادئ الاستدامة والعدالة الاجتماعية واحترام مختلف الثقافات الحضرية.
أما وفي الواقع فقد فرضت الحكومة المصرية رسما قدره 20 جنيها على مجرد التمشية على شاطئ النيل في المنطقة المسماة بممشى أهل مصر، فإن ذلك الأمر يتعارض مع المبدأ الدستوري الذي سبق بيانه، كما أنه لا يتفق وحقيقة المنفعة العامة للمال العام، وعلى الرغم من كون الحكومة بررت لذلك بقولها، حسب ما ذكره موقع “اندبندنت عربية” بتاريخ 20 يوليو/تموز أن وزارة الإسكان قالت عبر متحدثها الرسمي، عمرو خطاب: “الجزء العلوي من ممشى أهل مصر مجاني تماما، وسيظل هكذا دائما، لكن الرسوم التي فرضت هي على الجزء السفلي، وهي تذكرة شاملة جميع الخدمات والباركينج”، لافتاً إلى أن الجزء السفلي “يضم عددا من المشروعات الاستثمارية والمطاعم المتنوعة”.
فإن هذا القول لا يكفي لتبرير الأمر، وإن كانت الحكومة لها الحق في أن تؤجر المحلات أو الكافيهات والمطاعم وما إلى ذلك من محلات تصاحبها الخدمة المدفوعة، فإنها تكون محقة، ولكن أن يكون مجرد التمشي واستنشاق الهواء مدفوع الأجر من المواطن البسيط، الذي لا يملك رفاهية دخول تلك الأماكن، فهو أمر مغالى فيه، حتى ولو كان الأمر متعلقا بصيانة الممشى أو تحديثه، فإن ذلك ممكننا وببساطة شديدة من الإيجار المدفوع لتلك المحلات أو المطاعم.
وأضاف ممثل وزارة الإسكان بأن “ممشى أهل مصر مشروع ضخم على مستوى نهر النيل بالكامل، وتم افتتاح المرحلة الأولى منه، وهناك شركة قائمة على الصيانة، بعد ما حدث من عمليات تخريب وتكسير أعمدة”. كما طالب المصريين بأن يفهموا أن “هناك قيمة مضافة من إنشاء المشروع الذي تكلف 700 مليون جنيه (نحو 37 مليون دولار أميركي)، وهو ملكنا جميعا، ويجب أن نحافظ عليه.. وتطبيق تذكرة الـ20 جنيها على الممشى للحفاظ على الممشى ولتخصيص موارد مالية للصيانة له، وإننا نسعى لكل التغيرات المتاحة التي تصب في صالح المكان ورواده، وما زلنا في أول مرحلة من المشروع لكورنيش النيل سواء شرق أو غرب الجمهورية”.
فهل تصلح هذه المبررات في فرض ذلك الرسم، والذي قد يحول بين الفقراء وبين حقهم الدستوري في التمتع بشاطئ النيل. كما أنه يسهل الرد على ذلك الخطاب الحكومي، كما أفردنا في مستهل الحديث، بأن صاحبة الحق في اتخاذ القرارات المتلقة بنهر النيل هي وزارة الموارد المائية والري، وبالتالي فإن صدور قرار فرض الرسوم من قبل وزارة الإسكان، يصبح صادرا من الجهة غير المختصة به، وهو الأمر الذي يضعه في مصف القرارات الباطلة، من الناحية الشكلية لمن يملك سلطة اتخاذ القرارات الإدارية، هذا بخلاف مخالفاته الموضوعية العديدة والتي تتنافى مع مبادئ الدستور وحقوق المواطنين.
ومن زاوية الواقع، فهل هذا الأمر يشكل إحدى طرق فرض الرسوم على مجرد التنفس، وهل يستطيع المواطن المصري أن يتحمل مثل هذه القرارات التي تصدر تباعا، ومع غلو الأسعار المتزايد والمضطرد، والذي تزايدت معه طبقة الفقراء في مصر، وذابت معه الطبقة الوسطى، وما عادت تتحمل المزيد، وأنه على الحومة أن تسعى إلى تخفيف الأعباء وليس زيادتها.
وهل يقف مجلس النواب من هذه السياسات موقف المتفرج، دون أي تفعيل لسلطته الرقابية على تصرفات السلطة التنفيذية، أم أننا سنشهد استجوابًا أو طلبات إحاطة أو استبيانات أو ما إلى ذلك من كافة الأدوات الرقابية في الدورة التشريعية القادمة.