حاملا طعامه الذي أعدته له والدته كالمعتاد، وبعض الكتب والملابس. يبدأ “سعد” والد أحمد دومة. رحلته الطويلة -كالمعتاد- قاطعا مسافة 170 كم من مدينة أبو المطامير بمحافظة البحيرة شمالا، متجها إلى سجن مزرعة طرة، جنوب القاهرة. آملًا رؤية نجله خلال الزيارة الاستثنائية لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل. بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو/ تموز 1952.

لكنه فوجئ بمنع الزيارة بسبب إجراءات العزل بشأن انتشار فيروس كورونا. هنا، استسلم -يائسا- لقهر الأمر الواقع، وترك الطعام وكل المتعلقات الخاصة بنجله للإدارة.

غادر الأب السجن دون أن يصل لمعلومة حقيقية توّضخ أسباب منعه من الزيارة، بينما يُخبره قلبه بأن هناك أمرh خفيا. لذا، أعاد إرسال ابنه الأصغر “محمد” لزيارة أخيه بعد خمسة أيام ليتحقق من الأمر.

كانت شكوك والده في محلها، فقد تعرض دومة يوم زيارة والده -19 يوليو/ تموز- للسب والضرب المبرح. مقيّد اليدين أمام بعض رجال المباحث. كما ترك التعذيب آثارا ظاهرة في الوجه والجسم. منع دومة من الزيارة لإخفاء ما جري من انتهاكات. بحسب ما قال الأب.

اقرأ أيضا: 8 سنوات في السجن.. “عذابات أحمد دومة” في بيان حقوقي يطالب بإطلاق سراحه

مسارات قانونية

قضى دومة أكثر من 8 أعوام محبوسا في ظروف صعبة، حتى إنه انفصل عن زوجته في عام 2018. وتعرضت والدته لأزمة صحية كبيرة، إثر إصابتها بجلطة في القلب بعد الحكم عليه بالأشغال الشاقة 15 عاما. ما اضطرها لتركيب 3 دعامات. كما أنها تعاني أوضاعا صحية متدهورة.

لم تستسلم أسرة دومة للانتهاكات التي قالت إنها تعرضت لها، ولجأت إلى المسار القانوني لإثبات حقه. فتقدمت ببلاغ إلى النائب العام في يوم الزيارة التالية، 25 يوليو/ تموز الجاري يحمل رقم 179665. كما أصدرت -بالتضامن مع محاميه وبعض الشخصيات العامة- عريضة للتوقيع تطالب بالتحقيق. خاصة بعد قبول البلاغ المقدم من أسرته إلى النائب العام وتحويله إلى نيابة حلوان للتحقيق فيه كما أكد شقيقه محمد دومة لـ”مصر360″.

طالب الموقعون على العريضة، النيابة العامة بالتحقيق في تكرار وقائع الاعتداء، وانتهاك حقوق السجناء السياسيين. خاصة بشأن واقعة الاعتداء على دومة، وتدهور الحالة الصحية للباحث أحمد سمير سنطاوي التي فجرت الأزمة. كما طالبوا بتشكيل لجنة لتقصي حقائق من المجلس القومي لحقوق الإنسان، ولجنة العفو الرئاسي. للوقوف على ما وصفته العريضة بـ”حالة التصعيد الممنهج والمتعمد للعنف الجسدي غير المبرر من قبل إدارة السجن، وبيان الوضع الصحي والوبائي داخل مواقع الاحتجاز. واتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة حيال المصابين”.

القومي لحقوق الإنسان: لا رد من السجون

بدوره، تقدم المجلس القومي لحقوق الإنسان بعريضة رسمية إلى مصلحة السجون، وأخرى لوزارة الداخلية. مطالبا بتقديم رد رسمي على ما نسب إلى بعض رجال المباحث بسجن مزرعة طرة بالاعتداء على دومة. وكذلك بيان الوضع الصحي بالسجن، ومدى تعرض بعض النزلاء إلى الإهمال الطبي، وما إذا كان هناك تباطؤ في اتخاذ الإجراءات الوقائية ضد فيروس كورونا. ما تسبب في إصابة عدد من النزلاء، وتعريض حياتهم للخطر. كما حدث للباحث أحمد سمير سنطاوي، ومن قبله المرشح السابق للرئاسة عبد المنعم أبو الفتوح، والصحفي هشام فؤاد، الذي صدر قرار بالعفو عنه بعد كتابة هذه السطور.

وبناء على العديد من الشكاوى التي رصدتها وحدة الرصد بالمجلس، عن الواقع والانتهاكات التي تعرض لها دومة. شكّل المجلس لجنة تقصي حقائق لزيارة سجن مزرعة طرة لمراقبة الأوضاع داخل السجن.

لكن، جورج إسحاق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أكد لـ”مصر 360″ أن المجلس حتى الآن “لم يصله رد من مصلحة السجون، أو وزارة الداخلية، عن استفسارات المجلس فيما نسب إليهم من اتهامات بحق دومة”.

وطالب إسحاق وزارة الداخلية بـ”اتخاذ خطوات عملية تجاه الاعتداءات المتكررة ضد السجناء السياسيين. وتشكيل لجنة من الوزارة للتحقيق في هذه الوقائع، وتحسين أوضاع السجون الإنسانية والصحية”.

اقرأ أيضا: حملة توقيعات تناشد الرئيس الإفراج عن “دومة”

تعريض حياة المساجين للخطر

يشير محمد دومة لـ “مصر 360″، أن الأزمة -كما روى شقيقه- بدأت عندما تعرض زميله بالعنبر، الباحث أحمد سنطاوي، لأزمة تنفسية حادة. إثر إصابته بفيروس كورونا المتفشي بالعنبر منذ مطلع الشهر الجاري. حيث ظهرت أعراض المرض على جميع نزلاء العنبر بالتتابع، منهم الصحفي هشام فؤاد، والمرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، والممثل طارق النهري.

وعندما اشتدت الأعراض على النهري، اضطرت إدارة السجن لعمل مسحة تأكدت إجابيتها. ليتم عزله لمدة يومين فقط -وفقا لرواية زملائه- ثم عاد للعنبر مرة أخرى. بعدها، طالب جميع السجناء بعمل مسحات، وعزل المصابين. لكن إدارة السجن رفضت واكتفت بتنظيف العنبر بالكلور والمواد المطهرة ذات الرائحة النفاذة. والتي تسببت في أزمة تنفسية حادة لسنطاوي.

يضيف: “طالب نزلاء العنبر طيلة ساعة كاملة بنقل سنطاوي للمستشفى دون استجابة. ما أضطرهم إلى طرق أبواب الزنزانة في محاولة لإنقاذه. وعند وصول رجال المباحث، اختلفوا فيما بينهم على نقله إلى المستشفى بسبب عدم ارتدائه زي الخروج للعلاج. حتى سقط مغشيا عليه، ليتطور الموقف إلى مشادة كلامية بين دومة ورئيس المباحث”.

وتابع: “اتهم دومة أحد الضباط بتعريض حياته للخطر. فأمر 10 عساكر بتقييد يديه وقدميه. ثم هتف: “أنا محدش يعلي صوته عليا ويعمل عليا نمرة في سجني. كلبشوا لي ابن الــ … ده”.

أكد محمد دومة لـ”مصر 360″ أن كل الوقائع مسجلة بالكاميرات أمام عنبر السجن. كما أن زملاء شقيقه على استعداد للشهادة بما حدث. موضحا أن دومة طالب إدارة السجن بتحرير شكوى رسمية. وفتح تحقيق رسمي تجريه النيابة العامة في الواقعة، وتستمع فيه لأقواله وأقوال النزلاء. بعد أن اتهم مفتش مباحث منطقة طرة، دومة بالتعدي على زميله”.

لكن إدارة السجن رفضت تحرير شكوى بالاعتداء، كما نقل محمد دومة على لسان شقيقه.

تضامن حقوقي مع دومة

بعد انتشار تقارير عن تعرض دومة، للضرب وسوء المعاملة، أعربت منظمة العفو الدولية، عن قلقها بشأن سلامته في موضع احتجازه. كما دعت، عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي Twitter. السلطات المصرية إلى التحقيق في ادعاء دومة بالتعرض للتعذيب داخل سجن مزرعة طرة في 19 يوليو/تموز، وإطلاق سراحه فورا.

أيضا، أدانت 7 منظمات حقوقية مصرية، هي “منظمة حرية الفكر والتعبير، مركز الندي، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، مركز القاهر لدراسات حقوق الإنسان. المفوضية المصرية للحقوق والحريات، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، كوميتى فورجستس”.  في بيان مشترك، وقائع التعذيب التي تعرض لها دومة، والإهمال الطبي الذي تعرض له سنطاوي. وطالبت المنظمات النيابة بـ”فتح تحقيق فورى وعاجل في الوقائع المذكورة. وعدم تجاهل البلاغات المقدمة للنائب العام”.

وأكد البيان أن “إفلات مرتكبي تلك الجرائم سيساعد على انتشارها، ويزيد من الأوضاع المتردية بالسجون المصرية”.