مع زيادة الوعي والمخاوف من تغير المناخ، حظيت الطاقة النووية باهتمام عالمي وزخم جديد. وهي أحد أهم المصادر النظيفة في توفير الكهرباء، مرنة بما يكفي للمساهمة بفعالية في أنظمة الطاقة منخفضة الكربون. إذ تحظى بانبعاثات أقل 40 مرة لكل كيلووات/ساعة من تلك الناتجة عن محطة توليد كهرباء تعمل بالغاز.
الطاقة النووية والمناخ.. أي علاقة؟
استخلصت بعض الإحصائيات التي أجرتها العديد من المنظمات بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة (IEA) أن هناك مساهمة محتملة للطاقة النووية في تقليل الانبعاثات في المستقبل. لاسيما خلال إدارة ملفات النفايات، وتكاليف الاستثمار، وتطوير التكنولوجيا.
وحسب جينيفر جوردن، المختصة بالشأن النووي في مركز الطاقة العالمي، خلال مداخلة مع إحدى الفضائيات العربية، فالطاقة النووية جديرة بتحقيق المستهدفات المناخية وملاقاة الطلب المتنامي على الطاقة وتسجيل مستويات نمو اقتصادية عالية في الوقت نفسه.
توضح جوردن أن القضية متعلقة بالطاقة الكهربائية المتواصلة التي يحققها النووي. فضلًا عن القطاعات التي يصعب إزالة الكربون فيها. ومنها قطاع الصناعات الحرارارية والشحن البحري. متوقعة استمرار عمل محطاطات الطاقة النووية ضمن الخيارات المتاحة مستقبلًا للتعامل مع أزمة المناخ.
حديث جينيفر لا ينفصل كثيرًا عن مؤيدي الطاقة النووية، الذين يعتبرونها ممر عبور آمن للاقتصادات، بعيدًا عن الوقود الأحفوري الملوث. وقد تسبب في ما يزيد عن 40% من هذه الأزمة، كما يقول علماء المناخ.
نحو البدائل الشاملة
يؤكد أنصار الطاقة النووية أنها جديرة بالاستخدام، على الأقل حتى يتمكن العالم من تطوير بدائل شاملة. ويعترف هؤلاء أن استخراج اليورانيوم ونقله ومعالجته ينتج عنه انبعاثات. كما تؤدي عملية البناء الطويلة والمعقدة لمحطات الطاقة النووية إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون. وكذلك هدم المواقع التي تم إيقاف تشغيلها. بالإضافة إلى تكلفة المناخ بانبعاثات نقل النفايات النووية وتخزينها في ظل ظروف صارمة.
لكنهم مع ذلك يتمسكون بآرائهم ويستندون على نتائج مجموعة الدراسات التي تبرئ الطاقة النووية. ومنها تلك التي أجريت تحت إشراف حكومي في بعض البلدان الصناعية الكبرى، من بينها هولندا التي لجأت لشركة الاستشارات النمساوية ENCO والمعروف عنها تأسيسها على يد خبراء من الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكيد على أن استمرار النووي ليس له أي أضرار أو إخلال بالبيئة.
خرج التقرير أواخر عام 2020 بعد إجراء دراسة أُعدت خصيصًا لوزارة الشؤون الاقتصادية وسياسة المناخ الهولندية، والتي أنتجت رؤى إيجابية للغاية عن الدور المستقبلي المحتمل للطاقة النووية في هولندا. وجاء في التقرير أن العوامل الرئيسية لاختيار الطاقة النووية عدم وجود انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
رغم هذه الآراء الإيجابية، إلا جينيفر جوردن المختصة بالشأن النووي في مركز الطاقة العالمي تعترف في الوقت نفسه بالتكلفة المرتفعة لإقامة المحطات، إلى جانب تكاليف الرقابة عليها ما يجعل هذه الخدمة حكرًا على البلدان التي تستطيع تلبية مصاريف إقامتها، وبما يجعلها ليست الخيار الأفضل دائمًا في عالم يتجه إلى الاقتصاد الأخضر للخلاص من الاحتباس الحراري الذي يتزايد ويهدد سلامة الحياة على الكوكب.
اقرأ أيضًا: رغم فائض الـ 20%.. كيف تستفيد الحكومة من محطة الضبعة النووية؟
موقف الغرب من الطاقة النووية
طغت طاقة الرياح على الفحم والنووي في كبرى البلدان الغربية خلال السنوات الماضية، وأصبحت الرقم الصعب في التحول نحو بيئة أكثر إخضرارًا. لكن الطاقة النووية حتى الآن تمثل خيارًا جيدًا لأغلب البلدان الغربية. لاسيما الولايات المتحدة التي جعلت منها أكبر مصدر للطاقة عديمة الانبعاثات بالبلاد.
وتساهم الطاقة النووية حاليًا بما يقرب من خمس إجمالي الكهرباء المولدة في الولايات المتحدة، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة، ولهذا لا يبدو أنها قد تتنازل بسهولة عن النووي. خاصة بعد اشتعال الصراع مع روسيا على خلفية أزمة أوكرانيا، وتباين وجهات النظر بين الجمهوريين والديمقراطيين في التحول الكامل للاقتصاد الأخضر.
لهذا لم تكتف الحكومة الفيدرالية بدعم المحطات النووية القديمة. بل فتحت صندوقًا بقيمة 6 مليارات دولار تمت الموافقة عليه ضمن قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف لعام 2021 وبموجب القانون سيتم توفير مبلغ 2.477 مليار دولار إضافي للبحث والتطوير في مجال تكنولوجيا المفاعلات النووية المتقدمة.
بخلاف الولايات المتحدة الأمريكية هناك حوالي 30 دولة أما تدرس أو تخطط أو تبدأ برامج الطاقة النووية الآن. بينما أبدت حوالي 20 دولة اهتمامها في مرحلة ما بالاعتماد على الطاقة النووية.
داخل أوروبا بخلاف ـ مشاهير القارة ـ أنصار الاستمرار في الاعتماد على الطاقة النووية، هم ألبانيا وصربيا وكرواتيا والبرتغال والنرويج وبولندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وأيرلندا وتركيا.
وفي أمريكا الوسطى والجنوبية تشتعل حمى اقتناء الطاقة النووية بين دول كوبا وتشيلي والإكوادور وفنزويلا وبوليفيا وبيرو وباراغواي ومن وسط وجنوب آسيا أذربيجان، وجورجيا وكازاخستان ومنغوليا وبنجلاديش وسريلانكا وأوزبكستان وإندونيسيا والفلبين وفيتنام وتايلاند ولاوس وكمبوديا وماليزيا وسنغافورة وميانمار وأستراليا وكوريا الشمالية.
أما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فتأتي دول الخليج في المقدمة، على رأسهم المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت والعراق، ومصر والأردن وتونس وليبيا والجزائر والمغرب، والسودان.
الخليج والنووي.. قفزة للأمام أم صراع مجهول!
يمكن القول إن هناك عدة أسباب لتخوف العالم من تسابق بلدان الخليج على إقامة محطات الطاقة النووية. لاسيما السعودية والإمارات. إذ دق خبراء الطاقة ناقوس الخطر أكثر من مرة، بشأن التداعيات المحتملة للتوسع في إقامة المفاعلات الإماراتية في منطقة هشة من الناحية البيئية ومتقلبة من الناحية الجيوسياسية على كوكب الأرض.
ما يصفونه لا يترتب عليه خطرًا محتملًا واحدًا بل عدة أخطار محققة، منها سرقة المواد المشعة. الأمر الذي قد يفضي إلى سباق تسلح نووي بين خصوم إقليميين. والمثير أن التخوف الأكبر في العالم ليس من الصدام بين إيران والسعودية، بل الإمارات والسعودية.
كانت الإمارات العربية المتحدة منحت عام 2009 الشركات الكورية الجنوبية 20 مليار دولار لبناء أول مفاعلات نووية في منطقة الخليج بحدود عام 2017.
لم تصمت السعودية طويلًا، وهي الدولة التي تملك خُمس احتياطيات النفط العالمية وتكافح حاليًا لتقليل اعتمادها الشامل على النفط الخام لتوليد الطاقة المحلية، واستثمرت في نحو 250 مليار دولار لعمل مزيج من المحطات التي تعمل بالغاز والطاقة النووية ومصادر الطاقة المتجددة والباقي ستتم تغطيته بالوقود الخام والثقيل، كما أنشأت المملكة العربية السعودية مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة
أثار تعطش المملكة العربية السعودية والإمارات الواضح للتنافس على الريادة في الطاقة النووية اهتمام الشركات الدولية لتعويض خسارتها بعد أن تخلت المزيد من الدول الصناعية على رأسهم ألمانيا عن الطاقة النووية.
تعاونت مجموعة بن لادن السعودية العملاقة في مجال البناء بالفعل مع شركة أريفا الفرنسية من أجل تقديم عطاءات للحصول على عقود نووية ومتجددة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى. وتتوقع المجموعة السعودية الفوز بعقود بمليارات الدولارات بمجرد تنفيذ المملكة برنامج الطاقة النظيفة
الغرب حذر من السباق السعودي الإماراتي
ووفقًا لصحف غربية، فإن الدول الغربية أصبحت حذرة مع التسابق السعودي الإماراتي من إعطاء الضوء الأخضر لحلفائها في المنطقة لبناء مفاعلات للطاقة النووية. خاصة أن هناك روح عدائية للغرب بين الجماهير قد تصوب هذه الطاقة ضدها حال حدوث أي تغيرات سياسية مفاجئة في بنية الحكم بالمنطقة.
يدعم هذه المخاوف أن الإمارات تخلت عن حقها في تخصيب اليورانيوم لكن السعودية ليست مستعدة بعد للتنازل عن هذا الحق. ما يعني أن هناك قراءات متعددة بين السطور للتوسع في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية. فضلًا عن خطر الإشعاع الناجم عن القدرات النووية.
في الخليج هناك من يقلل من هذه المخاوف، منهم على النعيمي مدير مشاريع مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، الذي يرى أن المشروعات النووية التي تتوسع فيها بلدان الخليج ستحقق قفزة استراتيجية واقتصادية وليس أكثر، ويلفت إلى أنهم يعملون على ضمان أعلى معايير الأمن والسلامة في المشروعات النووية.
النعيمي يرى أن بلاده على سبيل المثال، وفرت لهم كل المنافذ المناسبة للتعلم والاستفادة من الخبرات الأجنبية لتوطين الصناعة في الإمارات، فالتحول إلى النووي خطوة لا يتم القفز إليها بفعل التغير المناخي الذي أصبح حقيقة الآن أمام كل دول العالم.
يكشف أن التحول للنووي في بلاده جاء نتيجة حصيلة جهد وتخطيط نحو 12 عامًا لتطوير منظومة معرفية شاملة وبنية تحتية كاملة في المحطات النووية التي توفر كثيرا من الانبعاثات بما يحمي البيئة العالمية ويضع الإمارات مع نفس خيارات العالم للتخلص من الأزمة، ولهذا لاينبغي الخوف أو النظر للأمور بنوايا سيئة، فالتنمية وـ ليس اكثر ـ المستهدف من إقامة المحطات النووية.