قبل عقود أرادت شركة فرنسية إنتاج سياراتها في الشرق الأوسط، واختارت مصر لكن بعد مفاوضات ماراثونية قررت الشركة نقل مشروعها نهائيا إلى المغرب لتتحول الأخيرة إلى أحد مراكز الثقل في صناعة المركبات الفرنسية بالكامل.

ورغم أن مصر بدأت في تجميع السيارات منذ الخمسينيات، إلا أنها توقفت لعدة أسباب أهمها غياب الرؤية الواضحة للصناعة بالكامل، بالإضافة إلى النظر بشكل خاطئ إلى السيارة كسلعة ضمن الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها، بالإضافة إلى دخول البلاد فيما يعرف بـ”الانفتاح الاقتصادي” منتصف السبعينيات، والتي شهدت تعزيز فرص السيارات المستوردة عن المحلية.

قبل أسابيع قرر مجلس الوزراء، إنشاء المجلس الأعلى لصناعة السيارات لإقرار السياسات العامة والخطط والاستراتيجيات اللازمة لتنمية صناعة السيارات في مصر ومتابعة تنفيذها، بالإضافة إلى وضع الإطار العام للإصلاح التشريعي والإداري لتلك الصناعة.

القرار الأخير يأتي بعد تأخير حكومي كبير في وضع تلك الاستراتيجية، التي لا تعتمد على فكرة التحفيز فقط، إذ أنه كلما زاد الإنتاج ارتفعت معه الحوافز المقدمة، لكن نجاحها مرهون في المقام الأول، بسرعة الإنجاز على الأرض، خاصة في ظل اشتداد المنافسة في المنطقة خاصة مع المغرب وجنوب أفريقيا.

اقرأ أيضًا.. قطاع السيارات في مصر.. احتكار وأخطاء فنية و”أوفر برايس”

المغرب تخطط لإنتاج مليون سيارة لصالح أوروبا

مصنع سيارات في المغرب

من ناحية أخرى تخطط شركة “سيتروين” الفرنسية للسيارات لمضاعفة طاقتها الإنتاجية في المغرب في غضون عامين من 50 ألف سيارة كهربائية صغيرة إلى 100 ألف، وهذا الرقم رغم أنه لشركة واحدة لكنه نصف ما يتم إنتاجه في مصر بالكامل التي تنتج 200 ألف سيارة فقط في المتوسط.

يوجد في المغرب مصانع تنتج سيارات “رينو” الفرنسية و”ستيلانتيس” الفرنسية الأمريكية، بطاقة إنتاجية مجتمعة تبلغ 700 ألف سيارة، وتستهدف البلاد إنتاج مليون سيارة في غضون الثلاث إلى أربع سنوات مقبلة.

ووصلت مبيعات السيارات في المغرب إلى 4.13 مليار دولار، بزيادة 24%، كما أصبحت تنتج أول وثاني أكثر السيارات مبيعًا في أوروبا، “داسيا سانديرو” و”بيجو 208″.

في المغرب السيارة ليست مجرد سلعة

تقارير 2021 تظهر كيفية دعم صناعة السيارات العملة الصعبة، فالمغرب سجلت صادرات تتعدى 4.1 مليار دولار بينما صادرات مصر لم تتجاوز 95 مليون دولار للفترة ذاتها، بحسب التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

في آخر دراسة عالمية لسوق السيارات الملاكي (دون احتساب الأتوبيسات) عن 2021، (تم تحديثها أخيرًا) أرقام صادمة فالمغرب في المرتبة الأولى عربيًا وبين العشرين الأوائل عالميًا، وتنتج وحدها أكثر من 90% من صادرات الدول العربية.

مشروع النصر المتعثر

كذلك تسعى مصر لاتخاذ خطوات في توطين صناعة السيارات الكهربائية، لكن الإشكالية في سرعة التنفيذ فعلى مدار عامين لم ير مشروع سيارات النصر النور، أو حتى يتم اتخاذ خطوات واضحة تتعلق بخطوط الإنتاج.

وزارة قطاع الأعمال أطلقت في يونيو 2021 السيارة الكهربائية “نصر E70” تجريبيا بعد الاتفاق المبدئي مع شركة صينية، واستوردت 13 سيارة من النوع المقرر إنتاجه، بهدف تجريبها في الشوارع المصرية.

بعد الاحتفال بالتدشين والدعاية للسيارة، لم يتم الوصول لاتفاق نهائي مع شركة “دونج فينج” الصينية بسبب خلاف على سعر المكون المستورد بصورة كافية للسيارة الكهربائية المصرية، بما يمكن “النصر للسيارات” من إنتاج السيارة وطرحها بسعر تنافسي.

عادت وزارة قطاع الأعمال مجددا، بقرار أقرته الجمعية العمومية غير العادية لشركتي النصر للسيارات والهندسية للسيارات الاندماج مجددا، بعد نحو 14 سنة من الانقسام؛ بهدف تقوية الشركتين معا، ولا يعرف سبب الدمج ولا مزايا الاندماج مجددا.

طوال 14 شهرًا، تتحدث الوزارة عن مفاوضات مع شركات أجنبية لإنتاج السيارة الكهربائية وتوقيع اتفاقيات، لكن لم يتم تنفيذ المشروع الذي كان سابقا لوقته حين تدشينه فحينها لم يكن الإقبال كبيرا على تلك المركبات التي ساهم في رواجها الحرب الروسية الأوكرانية وأسعار الوقود المرتفعة.

أهمية السرعة في الصناعة

تتفاوض المغرب حاليا مع شركات مصنعة لبطاريات السيارات الكهربائية من أجل إنشاء مصنع في البلاد، بما يناسب قطاع السيارات الحالي.

البلاد بدأت مؤخرًا الاهتمام بالسيارات الكهربائية؛ وتعاونت مع شركة تيسلا الأمريكية، لتدشين أول محطة للشحن في طنجة، إضافة إلى 4 محطات للشحن السريع بقوة 150 كيلووات.

كما أعلنت شركة أفري موبيليتي، عزمها تطوير أكبر شبكة من محطات الشحن السريع للسيارات الكهربائية في المغرب، بمنطقتي طنجة وأغادير.

المكون المحلي.. سر الصنعة

لم تعد المغرب حاليا تستهدف المنافسة عربيا فقط ولكنها وضعت نصب عينيها الصين والهند، وتخطط لزيادة نسبة قطع الغيار المصنعة محليا في السيارات التي تصدرها إلى 80% ارتفاعا من 65% حاليا.

في مصر يطالب خبراء السيارات رفع نسبة المكون المحلي من 45% إلى 65%؜ على الأقل أسوة بالأتوبيسات المجمعة محليا، لضبط الأمور في صناعة السيارات بشكل عام.

مصر تمتلك حوالي 18 مصنعا لتجميع السيارات، و45 مصنعا للصناعات المغذية للسيارات، ولكن الصناعة الحقيقية تتمثل في زيادة نسبة المكون المحلي عن 60%، بحسب رابطة تجار السيارات.

بحسب الدكتورة جيهان صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء، فإنه لن يكون هناك علامة تجارية “براند” تصنيع سيارات مصري، ولكن مصر تتواصل حاليا مع أكبر الشركات المصنعة لتصنيع سياراتهم فيها.

أكدت جيهان، أن وضع مصر الاستراتيجي يؤهلها لكي تكون محورا لتوطين صناعة السيارات، لافتة إلى أن الاستراتيجية تهدف لتقليل الواردات وزيادة حجم الصادرات، من خلال تقديم حوافز لكبار المصنعين لدعم هذه الصناعة، ما يؤدي إلى تعميق الصناعة وتوفر فرص العمل للشباب.

وأشارت إلى أن حجم هذه الحوافز يرتبط بحجم الاستثمارات، وكذلك المكون المحلي والقيمة المضافة، بجانب مدى اعتمادها على التكنولوجيا النظيفة، حيث يتم تقديم حافز في صورة رد الأعباء الجمركية، وفقًا لهذه الأرقام.

البطاريات الكهربائية.. سوق المستقبل

يقول خالد سعد، الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات، إن السوق المحلية تتضمن صناعات مغذية كفيلة بانطلاق صناعة تجميع قوية باستثناء المحرك، مع الاهتمام بالسيارات الكهربائية والبطاريات باعتبارها صناعة المستقبل، وهي استثمارات تحتاج وقتًا يتراوح بين عام و3 أعوام.

قبل تسعة أعوام، جرى حديث عن ابتكار محرك مصري بقوة 450 حصانا، وتبنى المشروع حينها هيئة التنمية الصناعية لكن تكوينه من 700 جزء تطلب إنشاء 300 مصنع لإنتاجها، وهو أمر لم تتحمس له مصانع التجميع التي تفضل استيراد محرك كامل بدلا من تصنيعه.

يقول سعد إن الأتوبيسات هي المحرك الأول لصادرات مصر حاليا في القطاع، بسبب ارتفاع نسب المكون المحلي فيها، واعتماد المصنعين المحليين أحدث المعايير والأساليب التكنولوجية المستخدمة بالصناعة المركبات، ما فتح الباب أمام التصدير لأسواق مهمة مثل المملكة المتحدة.

يضيف سعد أن مركبات الركوب المصرية فرص تصديرها للأسواق الخارجية محدودة، لأسباب تتعلق بارتفاع العامل السعري وزيادة تكاليف الإنتاج، ما يحد من الفرص التنافسية لها بإمكانية تسويقها في الأسواق الخارجية.

وبحسب إحصائية دولية لعام 2021 فإن مصر احتلت المرتبة الـ89 عالميا في تصدير سيارات الركوب، وهي مرتبة متدنية مقارنة بالمغرب التي احتلت المرتبة الأولى عربيا.