كشف وزير المالية محمد معيط، مؤخرا، عن نية الحكومة لإصدار الصكوك السيادية أمام البنوك والمؤسسات المالية المحلية، بدلا من طرحها في الأسواق الدولية مثلما كانت تستهدف حكومته.
يأتي هذا بعد أقل من شهر من حديث الوزير نفسه عن تأجيل برنامج الصكوك السيادية للعام المالي 2022/ 2023، بعدما كانت تستهدف الحكومة طرحها خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي. وكانت وزارة المالية تستهدف سابقا إصدار صكوك سيادية بقيمة ملياري دولار.
اقرأ أيضًا.. الساموراي والصكوك والباندا.. ملاذ وزارة المالية بحثا عن الفائدة الرخيصة
التحول لإصدار صكوك سيادية محلية، يأتي أيضًا في ظل زيادة حجم الاقتراض الحكومي محليًا من 188 مليار جنيه خلال ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى أكثر من 691 مليار جنيه خلال شهر مارس/ آذار الماضي، وفقًا لبيانات صادرة عن البنك المركزي المصري.
كان رئيس الجمهورية أصدر قانون الصكوك السيادية برقم 138 في أغسطس/ آب من عام 2021، ثم أُصدرت اللائحة التنفيذية لها في يناير/ كانون الثاني الماضي. ووفقًا لمتن هذا القانون، فإنه للحكومة الحق في إصدار صكوك للأصول المملوكة لها “ملكية خاصة” دون تحديد طبيعة هذه العبارة، على أن يتم تحديد هذه الأصول عبر مجلس الوزراء.
والصكوك السيادية، هي أحد أنواع الأوراق المالية مثل السندات والأذون الحكومية والتي تهدف لتمويل عجز الموازنة العامة، ويعتمد إصدار الصكوك السيادية على أساس حق الانتفاع للأصول المملوكة للدولة ملكية خاصة، وذلك عن طريق بيع حق الانتفاع بهذه الأصول أو تأجيرها، أو بأي طريق آخر يتفق مع عقد الإصدار وضمان حصة مالك الصك وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية، بحسب تصريحات وزير المالية محمد معيط.
ويعني حق الانتفاع، أي الاستغلال الكامل للأصول خلال مدة الصك. وتُصدر الصكوك في شكل شهادة ورقية أو إلكترونية بمواصفات معينة وتكون اسمية ومتساوية القيمة وتصدر لمدة محددة بالجنيه المصري أو بالعملة الأجنبية عبر طروحات خاصة.
أسباب تأجيل طرح الصكوك السيادية بالأسواق الدولية
إلى ذلك، يُعرف الدكتور علي الإدريسي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، إن الهدف الرئيسي للحكومة من عملية إصدار الصكوك هو توفير سيولة مالية لسد احتياجاتها، إضافة لتنويع مصادر الديون.
ويُضيف لمصر 360، أن العامل الأساسي الذي يُميز الصكوك عن السندات، هو ان الصكوك لابد وأن تستند على أصل أساسي، وهذا الأصل يولد عائد محدد من الاستثمار “دخل” أو فائدة للمقرض، خلافًا للسندات والأذون.
ويُشير إلى أن الصكوك يعدّها البعض أداة تمويل إسلامية كونها فقط يُعمل بها في البلاد ذات الأكثرية المسلمة، وبالتالي فلابد للصكوك أن تتوافق مع الشريعة الإسلامية.
ويُوضح عضو الجمعية المصرية للاقتصاد، أن حالة الاقتصاد المصري الحالي، فضلاً عن اضطراب الأسواق المالية العالمية، ورفع الاقتصاديات الكبرى معدلات الفائدة بها وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أبرز الأسباب التي دفعت الحكومة المصرية لتأجيل طرح الصكوك السيادية في الأسواق الدولية.
ويعتقد، أن طرح الصكوك في الأسواق الدولية لن تكون مشجعة، ولن يكون عليها إقبالاً من جانب المستثمرين. ويلفت الإدريسي إلى تفضيل البنوك المحلية إلى الاستثمار في أدوات الدين الحكومي سواء كانت أذون أو سندات أو صكوك، لأنه استثمار آمن ومرتفع العائد.
قفز “سعر الفائدة على أذون الخزانة أجل عام” فوق 16% نهاية الأسبوع الماضي، وذلك لأول مرة منذ نحو 3 سنوات، بحسب ما أظهرته بيانات منشورة على موقع البنك المركزي.
ووفقًا لمراجعات أجريناها على معدلات الإقراض من البنوك في مصر خلال السنوات الست الماضية، تبين استحواذ الحكومة على الحجم الأكبر من عملية الاقتراض مقارنة بالقطاع الخاص أو الأفراد، إذ ارتفعت النسبة من 67.6% خلال العام المالي 2016/ 2017 إلى أكثر من 90% خلال العام المالي 2021/ 2022.
ويُظهر الجدول التالي حجم الزيادة في عملية الإقراض الحكومي من البنوك المحلية:
وخلال الربعين الثاني والثالث من العام المالي 2021/ 2022، توسعت الحكومة في عملية الاقتراض محليًا، إذ ارتفعت من 217.5 مليار جنيه في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى نحو 691.8 مليار جنيه في شهر مارس/ آذار الماضي، وتلك هي آخر البيانات التي يُوفرها البنك المركزي عبر موقعه الإلكتروني.
كما وبحسب مراجعات أجريناها على حجم الاقتراض الحكومي من البنوك، اكتشفنا زيادة حجم الاقتراض الحكومي إلى 1.2 تريليون جنيهًا في ديسمبر 2021، مقارنة بـ817.9 مليار جنيه في ديسمبر 2020 بزيادة أكثر من 300 مليار جنيه.
كما تكشف بيانات البنك المركزي، أنه خلال الفترة من ديسمبر 2018 إلى ديسمبر 2021، ارتفع حجم اقتراض الحكومة من البنوك إلى نحو 568.1 مليار جنيه.
كما تُظهر بيانات البنك المركزي، أن حجم اقتراض الحكومة من البنوك ارتفع سنويًا بقيم أكبر من 10% خاصة في ظل أزمة فيروس كورونا التي بدأت في نهاية عام 2019، إذ بعد ما كان حجم الاقتراض الحكومي من البنوك 570.5 مليار جنيه في عام 2018، وظلت تلك المعدلات أو أقل حتى نهاية عام 2019؛ إلا إن تلك المعدلات انقلبت مع نهاية عام 2020 التي بلغ حجم الاقتراض الحكومي فيها 817.8 مليار جنيه، وفي نهاية ديسمبر الماضي زادت إلى 1.2 تريليون جنيه.
هل تُمثل الصكوك عبئا مثل أذون خزانة؟
إلى ذلك، أجرى الدكتور حسني مهران، أستاذ بقسم الاقتصاد بكلية التجارة بجامعة بنها، والدكتور السيد فراج أستاذ مساعد بقسم الاقتصاد بجامعة دمياط، دراسة حول مدى تأثير التوسع في إصدار أذون الخزانة على الدين المحلي وعلى معدلات التضخم.
وبحسب الدراسة، فإن فوائد أذون الخزانة وحدها نسبة إلى العجز الكلي في الموازنة العامة بلغت 42.5% وذلك حتى العام 2017/ 2018، فيما كانت تُشكل فوائد أذون الخزانة عام 1990/ 1991 نسبة 7.2% من العجز الكلي.
وتوصلت الدراسة إلى أن فوائد أذون الخزانة أصبحت سببًا رئيسيًا في زيادة العجز الكلي للموازنة العامة، إذ باتت تلك الفوائد تُمثل آلية لإعادة توزيع الدخل لصالح حملة أذون وسندات الحكومة والتي في النهاية تكون البنوك هي الرابح الأكبر منها.
ولفتت الدراسة إلى عدم تناسب أحجام إصدارات أذون الخزانة مع نسب ومعدلات العجز في الموازنة العامة، وانحراف الأذون عن الهدف المرجو منها، حيث باتت تُستخدم لتمويل ديون سابقة حل موعد استحقاقها، مما يكبد الموازنة العامة خسائر وأعباء ديون أكبر في الفترات المقبلة.
تصنيف مصر سبب أيضًا
وفقًا لبعض التقارير، فإن تأجيل طرح الصكوك وطرحها محليًا كان بسبب تراجع تصنيف مصر الائتماني من جانب وكالة موديز للتصنيف الائتماني وتغيير النظرة المستقبلية إلى سلبية بدلاً من مستقرة وفقًا للتصنيف الصادر عنها في شهر مايو/ أيار الماضي.
وكانت وكالة موديز حذرت من زيادة الانخفاض في الاحتياطي الدولاري لدى البنك المركزي المصري، إضافة للتحذير من زيادة تكلفة الاقتراض المحلي في حال استمراره، والذي سيؤدي إلى تفاقم مخاطر السيولة وتحديات القدرة على تحمل الديون، وكلاهما من نقاط الضعف طويلة الأمد في ملف الائتمان في مصر.
وشرحت وكالة بلومبرج ذلك في تقرير لها، بأن تلك التوقعات السلبية للاقتصاد المصري تعكس عدم قدرة البلاد على امتصاص أزمات الاقتصاد العالمي بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع تكاليف الغذاء ومدخلات الإنتاج.
كما أن النظرة المستقبلية السلبية للاقتصاد المصري تعني أنه من المرجح خفض تصنيف مصر الائتماني خلال الفترة القادمة، مما سيكون له أثر كبير على عملية إصدار أذون وسندات الخزانة والتي تعتمد عليها مصر بشكل كبير لسد العجز النقدي في الموازنة العامة، وفقًا لبلومبرج.